موقف الجزائر من أزمة النيجر يزيد من حالة الاستقطاب

عبدالمجيد تبون لا يزال ينتظر موعدا لزيارة فرنسا المشغولة بأزماتها.
الأحد 2023/08/06
موقف جزائري معطل لتوافقات إقليمية

رغم تأجيل فرنسا لزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بسبب انشغالها في ملفات داخلية وخارجية، لا يزال تبون ينتظر موعدا لا يبدو أنه قريب في ظل تقاطع المواقف الفرنسية والجزائرية بشأن كيفية التعامل مع انقلاب النيجر.

الجزائر - جدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في مقتطف ترويجي بثّته وسائل إعلام حكومية السبت، التذكير بموقف بلاده الداعم للوضع الدستوري في النيجر والرافض لأي خيار عسكري، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة بسبب إصرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” على بقاء الخيار، وبدرجة أقل فرنسا، كحل لاستعادة الشرعية، مقابل اعتبار النخب العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو المسألة اعتداء عليها.

وأكد تبون بأن الجزائر تشدد على ضرورة العودة إلى الوضع الدستوري في النيجر، وأنها تبحث عن حل سلمي للأزمة بعيدا عن أي تدخل عسكري سيفاقم الوضع.

ويأتي الموقف الجزائري المعلن في بحر هذا الأسبوع في ظل تضارب إقليمي ودولي بين أطراف تدعو إلى تنفيذ تدخل عسكري لإرغام الانقلابيين في نيامي على التراجع عن خيارهم وإعادة الرئيس المحتجز محمد بازوم إلى السلطة، وبين أخرى تحذر من مغبة أي مغامرة عسكرية تعتبر اعتداء عليها قبل أن تكون اعتداء على النيجر.

ويتصدر هؤلاء مجموعة منظمة “إيكواس” وفرنسا من جهة، والنخبة العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو من جهة أخرى، وإذ يحظى الطرف الأول بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن الثاني يستمد قوته من التمدد الروسي في أفريقيا، ثم من الجزائر، مما يؤشر إلى أن الصراع الروسي – الغربي بصدد تغيير جغرافيته من أوكرانيا إلى أكبر دول الساحل الأفريقي.

تبون لم يقم حتى الآن بزيارة إلى فرنسا لتأكيد تحسن العلاقات بين البلدين بعد عدد من الأزمات الدبلوماسية

ويعول طرفا الصراع على الموقف الجزائري في ترجيح كفة الاستقطاب، فقد سبق لأكبر دول مجموعة “إيكواس” وحليفها الإستراتيجي في القارة الأفريقية، نيجيريا، أن طلبت دعم الجزائر لخيارها، ثم تلاها الاتحاد الأوروبي الذي أجرى السبت اتصالا بواسطة مفوضه السامي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية جوزيب بوريل مع وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف.

وفيما اتفق الطرفان على مسألة العودة إلى الوضع الدستوري في دولة النيجر، فإن الاتصال أبقى على مسافة بين الطرفين، فالمفوض الأوروبي عبر عن دعم الاتحاد الأوروبي لمجموعة “إيكواس” التي تبحث عن تدخل عسكري لفرض تصورها، بينما تتمسك الجزائر بإبعاد الخيار العسكري عن أي تسوية.

ويرى مراقبون بأن تركيز دعاة التدخل العسكري في النيجر نابع من كون أي عملية ميدانية في حاجة إلى دعم فرنسي، وذلك لا يتأتى إلا بفتح الجزائر مجالها الجوي أمام سلاح الطيران الفرنسي للمرور إلى النيجر، ولكون علاقات الجزائر وفرنسا تعرف حالة من التوتر منذ أشهر، فإنها أوعزت لحكومات المنطقة وللمفوضية الأوروبية باستمالة الموقف الجزائري إلى جانبها.

واتفق الجانبان الجزائري والأوروبي على ضرورة توحيد الضغوط السياسية والدبلوماسية من أجل ضمان عودة النظام الدستوري في النيجر، ولم يتضح الأمر بالنسبة إلى الشق الثاني من المقاربة الأوروبية.

وذكر بيان للخارجية الجزائرية بأن “الاتصال تمحور حول الأوضاع في النيجر، وأن الجانبين تبادلا وجهات النظر والتحاليل بخصوص مستجدات الأوضاع في هذا البلد الشقيق والجار، وما تمثله من أخطار عليه وعلى منطقة الساحل الصحراوي برمتها”.

وأضاف “شدد الطرفان على ضرورة توحيد الضغوط السياسية والدبلوماسية لضمان العودة إلى النظام الدستوري في جمهورية النيجر عبر عودة محمد بازوم إلى منصبه كرئيس شرعي للبلاد”.

ولفت إلى أن عطاف جدد للمفوض الأوروبي قناعة بلاده بضرورة إعطاء الأولوية للمسار السياسي والدبلوماسي، بالنظر إلى ما يحمله خيار اللجوء إلى القوة من تداعيات لن تزيد الأوضاع إلا تأزما وتدهورا محليا وإقليميا.

وجاء هذا الموقف في أعقاب الرد الذي حظي به الجمعة الماضي، المبعوث الخاص للرئيس النيجيري باباغانا كينجيبي من طرف المسؤولين الجزائريين حول خيار التدخل العسكري.

وكان كينجيبي في زيارته إلى الجزائر وليبيا قد حمل رسالة خطية إلى الرئيس تبون من نظيره النيجيري بولا أحمد تينوبو، وهو الرئيس الحالي لمجموعة “إيكواس”، حيث تبادل الطرفان الآراء والتصورات حول تطورات الأوضاع في جمهورية النيجر.

وقال بيان الخارجية الجزائرية إن رئيس الدبلوماسية الجزائرية شدد على “ضرورة تفعيل كافة الطرق والسبل الدبلوماسية وتجنب خيار اللجوء إلى القوة ضد قادة الانقلاب الذي لا يمكن إلا أن يزيد الأوضاع تعقيدا وتأزما وخطورة على النيجر وعلى المنطقة برمتها”.

وعبر عن تمسك بلاده بموقفها “الرافض للانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي محمد بازوم، في هذا البلد الشقيق والجار، والداعي إلى عودته إلى منصبه الدستوري بصفته رئيس جمهورية النيجر”.

وجاء في المقطع الترويجي للقاء تبون مع صحافة بلاده قوله “الجزائر أعلنت معارضتها للانقلاب العسكري ودعت إلى عودة الشرعية الدستورية”، وأن بلاده “تدعو إلى حل المشاكل بالتي هي أحسن”.

وأكد استعداد الجزائر للمساهمة في حل أزمة النيجر بالقول “ندعو إلى عودة الشرعية الدستورية وإذا أرادوا مساعدة الجزائر في ذلك ألف مرحبا”.

تركيز دعاة التدخل العسكري في النيجر نابع من كون أي عملية ميدانية في حاجة إلى دعم فرنسي، وذلك لا يتأتى إلا بفتح الجزائر مجالها الجوي أمام سلاح الطيران الفرنسي للمرور إلى النيجر

ومن جهة أخرى، أكد الرئيس الجزائري أن زيارته الرسمية إلى فرنسا “لا تزال قائمة” لكنه ينتظر إعلان الإليزيه عن “برنامجها”.

وأفادت مصادر متطابقة أن الزيارة التي كان من المقرر إجراؤها في مطلع مايو تم إرجاؤها بسبب تزامنها مع احتجاجات عيد العمال الحاشدة في فرنسا ضد إصلاح نظام التقاعد. وأشار الإليزيه حينها إلى وجود “نقاش لإيجاد موعد مناسب”.

ولم يقم تبون حتى الآن بزيارة لتأكيد تحسن العلاقات بين البلدين بعد عدد من الأزمات الدبلوماسية.

وفي المقابل زار الرئيس الجزائري روسيا في الفترة من 13 إلى 17 يونيو حيث استقبله نظيره فلاديمير بوتين بحفاوة. وتجمع بين الجزائر وموسكو علاقات مميزة منذ عقود.

وبالإضافة إلى توقيع “إعلان شراكة إستراتيجية معمقة” ينص خصوصا على تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن “التهديدات للأمن القومي”، أبرمت الجزائر وروسيا ثمانية اتفاقات أخرى في مجالات العدل والاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة والثقافة والموارد المائية واستكشاف الفضاء للأغراض السلمية.

وردا على سؤال في منتصف يونيو لتلفزيون “إل.سي.آي” عن زيارة تبون إلى باريس، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا “نحن نعمل على مواعيد” لكنها “ليست ثابتة”.

والعلاقة بين الجزائر وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة (من 1830 إلى 1962)، مضطربة للغاية.

وتشكل مسألة ذاكرة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر وحرب الاستقلال الجزائرية (1954 – 1962) إحدى النقاط الحساسة الكبرى في العلاقة بين باريس والجزائر، وقد تسببت في خلافات عديدة في السنوات الأخيرة.

وكثّف البلدان مؤخرا جهودهما للارتقاء بعلاقاتهما، لكن لا بوادر للتوافق بشأن العديد من الملفات الثنائية والإقليمية.

2