موقع إلكتروني للقراء يتحول إلى أداة مشبوهة لتشويه كتب وإحياء أخرى

"اللجان الإلكترونية" حسابات وهمية تهاجم الكتب قبل أن تصدر، ومثقفون يحذرون من خطورة القبول بنقد القراء.
الجمعة 2018/07/27
تقييمات مشبوهة للكتب (لوحة: محمد خياطة)

القاهرة – تحولت الحسابات الوهمية على الموقع الإلكتروني الشهير المختص بالكتب good reads إلى ظاهرة لافتة في عالم الثقافة والنشر بهدف الترويج لكتب بعينها، والتقليل من كتب أخرى في إطار المنافسة غير الشريفة داخل سوق الكتاب.

ويشكو كُتاب وناشرون من تعمد البعض صناعة صورة ذهنية سلبية عن إصداراتهم من قبل حسابات كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف ضرب الأعمال المنشورة وتشويه صورتها لدى القارئ.

ويُعد التسويق الإلكتروني من الأدوات الحديثة، لأن معظم رواد المواقع من الشباب المثقف، وتقوم بعض دور النشر بعمل قراءات لإصداراتها الجديدة لتطرحها على الجمهور بشكل مشوق. ويعرض مؤلفون أغلفة كتبهم ونبذات عنها فور صدورها للترويج.

يتيح الموقع، الذي أسسه أوتيس شاندلر عام 2006، ثم بيع إلى مؤسسة “أمازون” عام 2013، لمستخدميه إنشاء قائمة من الأصدقاء للاطلاع على قوائم الكتب التي قرأوها وآرائهم فيها عن طريق التقييم من نجمة إلى 5 نجمات والعروض النقدية التي يكتبونها.

ويحظى باهتمام أكبر من فئة الشباب الذين سارعوا إلى إنشاء حسابات لهم في إطار محاولات كسر احتكار جيل الكبار للساحة الثقافية، من المؤلفين والقراء، ما ساهم في جعل الموقع مؤثرا بشكل كبير داخل سوق الكتاب.

هاني عبدالله: فوجئنا بتقييمات سلبية لكتب قبل أن تخرج من المطبعة
هاني عبدالله: فوجئنا بتقييمات سلبية لكتب قبل أن تخرج من المطبعة

ولاقت كُتب عديدة إقبالا واسعا من جمهور القراء، بسبب قراءات استحسان وجدت طريقها إلى “غود ريدز”، بينما تأثرت مبيعات كتب أخرى نتيجة انتقادات وجهها رواد الموقع إلى مؤلفيها، ما فتح المجال لشكوك حول تورط مستخدمين في نقد الكتب والدعاية عبر الوسيط الإلكتروني.

شكوى المثقفين

كان الوسط الثقافي في مصر، محل شكاوى في هذا الشأن، منها مثلا قيام الروائي أحمد مجدي همام صاحب رواية “الوصفة رقم 7” الصادرة قبل شهور عن الدار المصرية اللبنانية بانتقاد قيام حسابات وهمية منح درجات متدنية لروايته بغرض التأثير السلبي على مبيعاتها. وكتب همام على صفحته الرسمية على فيسبوك، أنه تتبع حسابات بعض القراء واكتشف أن “معظمها وهمية، وقد يلجأ للقضاء لكشف مَن يقفون خلفها”.

وتؤمن العديد من دور النشر في مصر بوجود ما يوصف بـ”اللجان الإلكترونية” بهدف تشويه أعمال معينة تصدر لكاتب أو دار نشر وتقليل نسبة نجاحها لحساب كتب أخرى تنافسها في المجال أو المنطقة.

قال هاني عبدالله، مدير دار الرواق للنشر في القاهرة، “ما يدعو للدهشة أن الكثير من الكتب تتعرض للتقييم قبل صدورها”، ومجرد قيام دار النشر أو المؤلف بالإعلان عن غلاف الكتاب، يُفاجأ بوضعه من قبل حسابات مجهولة على الـ”غود ريدز” مع اعتماد نظام التقييمات بالنجوم دون قراءة، ما يمثل تقييما غير موضوعي.

وأوضح لــ”العرب”، “فوجئنا بوضع تقييمات سلبية لكثير من الكتب قبل أن تخرج من المطبعة، ما يعني أن هناك نوايا مسبقة تجاه أصحابها فور نشر أغلفتهم”.

يفسر ذلك بأن هؤلاء الأشخاص (المُقيّيمين) من القراء المتطوعين يرفضون جماهيرية بعض الكُتاب والمؤلفين من الجيل الجديد، ويسارعون بالهجوم على إصداراتهم دون سبب سوى الغيرة، أو أشخاص من المحترفين يعملون من خلال حسابات وهمية لضرب مؤلفات أشخاص ودور نشر بعينها في السوق.

شريف الليثي: بعض المؤلفين يوجهون أصدقاءهم لمنح كتبهم خمس نجمات
شريف الليثي: بعض المؤلفين يوجهون أصدقاءهم لمنح كتبهم خمس نجمات

ويرى آخرون أن الحسابات الوهمية تخص تلاميذ ومريدين لكُتاب كبار ينظرون بفوقية إلى إبداعات الجيل الجديد ويرفضونها ويصفونها بالضعف الفني دون قراءة. في الوقت ذاته، هناك مَن يستخدم هذه النوعية من المواقع لإضفاء مجد أدبي كاذب من خلال تقييمات أصدقائه لمؤلفاته ومنحها علامات استحسان.

وكشف شريف الليثي، مدير دار “تويا” للنشر في القاهرة، أن بعض المؤلفين يوجهون أصدقاءهم للدخول على الموقع الشهير ومنح كتبهم خمس نجمات لرفع درجة التقييم.

وأشار لـ”العرب”، إلى أن الغريب في الأمر، أن هؤلاء الكتاب يتفاخرون على صفحاتهم بأن تقديرهم 4.5 نجمة مثلا، ويتندرون بأن تلك الدرجة أعلى من تقدير القراء لرواية “أولاد حارتنا” للأديب المصري نجيب محفوظ.

أوهام ثقافية

يشبه ذلك بيع الوهم، المصاحب للوسط الثقافي والمنتشر في سوق الكتب، ويتساوى مع لجوء بعض دور النشر لطباعة خمسمئة نسخة من عمل أدبي بعينه وطرح كل مئة نسخة باعتبارها طبعة جديدة، بغرض إيهام الناس أن الكتاب سريع الانتشار وصدرت منه طبعات متتالية.

ولفت الليثي إلى أن هناك مؤلفين معروفين بالاسم في الوسط الثقافي المصري يدفعون مكافآت شهرية لمحترفي الترويج عبر “غود ريدرز”، ما يعني أن الأمر تحول إلى عمل احترافي.

ومن الظواهر الملحوظة أن اتساع مساحات الهجوم والنقد تجاه كتب بعينها قد يؤدي إلى المزيد من الانتشار لها كرد فعل مضاد من جمهور القراءة، والذي يتبدل بين لحظة وأخرى.

سمر نور: الإلكتروني محل اهتمام جيل جديد من القراء
سمر نور: الإلكتروني محل اهتمام جيل جديد من القراء

وتعرضت رواية “هيبتا” للكاتب محمد صادق والصادرة عام 2014 في مصر، لحملات هجوم حادة على “غود ريدز” بعد نفاذ ثلاث طبعات لها خلال أقل من شهرين، غير أن تلك الحملات ساهمت في ذيوعها بشكل أكبر ما دفع الناشر أن يزيد من عدد الطبعات إلى نحو أربعين طبعة، ثُم تعاقدت إحدى دور الإنتاج السينمائي عليها ليتم تحويلها عام 2016 إلى فيلم سينمائي بطولة عمرو يوسف وماجد الكدواني وياسمين رئيس.

يرى أصحاب النوايا الحسنة من المثقفين أنه حتى لو لم تكن عمليات اغتيال بعض الكُتاب أمرا مقصودا، فإن الخطورة في قبول نقد القراء، ومعظمهم من المبتدئين في مجال الثقافة، باعتباره تقييما، كما لو كانوا درسوا أصول النقد وطبقوا أسسه بموضوعية.

ويؤكد الناقد الأدبي علي حامد لـ”العرب” أن ما يكتبه بعض المستخدمين انطباعات شخصية وليس نقدا علميا، وقد يكون أحد المستخدمين كارها لحياة القرية فينفّر من رواية ما عن حياة القرية، أو يكون بعيدا عن الرومانسية فيعتبر قصة حب ما نوعا من السذاجة.

ويدين البعض بالفضل لـ”غود ريدز” بسبب مساهمته في دخول قراء من جنسيات مختلفة إليه، في توسيع مدارك الشباب المقبل على القراءة، ودفعهم للتوسع في قراءات بعينها، وساهم أيضا في منح القراء نوافذ حرة للتعبير عن استحسانهم للغة وأسلوب كاتب ما دون وصاية من نقاد أو أكاديميين.

وأوضحت الروائية المصرية سمر نور، أنه من حق القراء باختلاف آرائهم وأذواقهم التعبير عما بداخلهم تجاه كتاب ما أو مؤلف بعينه، وأن التقييم الإلكتروني محل اهتمام جيل جديد من القراء، ويجب احترام وسائطه وأدواته وقنواته للتعبير عن آرائه.

14