موسيقيون يشخصون مشاكل الموسيقى الأردنية ويحددون مواطن الخلل

هيئات ثقافية وفنية تسعى لإرساء فعل فني ينهض بالحالة الموسيقية الأردنية ويعمق امتدادها العربي مرتقيا بالذائقة الفنية لدى المجتمع.
الأربعاء 2022/03/30
الموسيقى تتجاوز الترفيه

محمود الخطيب

عمان - في الوقت الذي تسعى فيه هيئات ثقافية وفنية لإرساء أو تقديم فعل فني ينهض بالحالة الموسيقية الأردنية ويعمق امتدادها العربي، مرتقيا بالذائقة الفنية لدى المجتمع، تغيب عناصر أساسية تحمل هذا المشروع وتسير به نحو حالة تنويرية تثقف المجتمع، ومنها التربية والتعليم والبنى التحتية والتشريعات والقوانين الناظمة.

وفي اليوم الذي تحتفي فيه الموسيقى بيومها العربي التسعين، تغيب بوصلة الموسيقى الأردنية عن تأصيل حالة إبداعية مجتمعية تعكس مدى المهارة التي يمتلكها أفراد وموسيقيون أردنيون يشار إليهم بالبنان، بالنظر إلى مشاريعهم التي انطلقت من الأردن نحو أفق عربي وعالمي، دون أن يحظوا هم وغيرهم من المواهب بقاعدة يستندون إليها، ويعلون من أسسها المهنية لنشر ثقافة الموسيقى في المجتمع الأردني واكتشاف المواهب والطاقات القادرة على تأسيس حالة جمعية تعرف نفسها عربيا ثم دوليا.

وتقول الأكاديمية رولا جرادات إن المجتمع عامل أساسي وحاسم في قبول تعليم الموسيقى، وتشجيع أصحاب المواهب منذ الطفولة على الانخراط في دورات تصقل مواهبهم وتنمي خبراتهم.

وتضيف جرادات "الموسيقى هي مقياس حضارة أي دولة، ونحن نعاني من عدم تقبل المجتمع لفكرة توجه الناس نحو دراسة الموسيقى وتعليمها، فكل أصحاب التجارب الناجحة الذين حققوا حضورا مهما على مستوى عالمي، حظوا بتشجيع الأهل على الانخراط في الحراك الموسيقي".

الموسيقى في الأردن تحتاج إلى تصحيح صورتها النمطية الخاطئة وإلى الاهتمام أكثر بتدريسها كوسيلة لتحقيق التنوير

وتؤشر مؤسسة فرقة "نايا" النسائية إلى موضوع الخلل بالقول "لا توجد مهرجانات موسيقية متخصصة في الأردن على غرار مهرجانات المسرح مثلاً، علينا تثقيف المجتمع موسيقياً وتنظيم مهرجانات متخصصة في كل الآلات".

ويتفق المؤلف الموسيقي وعازف العود علاء شاهين مع رأي جرادات، مبيّنا أن معظم أبناء المجتمع الأردني يعتبرون مهنة الموسيقى أمرا ثانويا، ولا ترتقي إلى المهن الأخرى، مؤكدا أنه "لا بد من ترسيخ أهمية الموسيقى في أذهان الناس، وتعريفهم بأنها مادة علمية لها قواعدها وتدرس بأرقى الجامعات، وأنها مهنة تدر الكثير من الأموال في حال تم العمل عليها بصورة صحيحة".

من جهته، يقول الفنان وأستاذ الموسيقى أحمد الكردي إنه عمل معلما للموسيقى في إحدى المدارس الخاصة بعمّان، لكن الكردي يشكو من عدم توفر المعينات اللازمة لخلق جيل موسيقي.

أما المؤلف الموسيقي وأستاذ الموسيقى في الجامعة الأردنية هيثم سكرية فيقول إنه كان رئيسا للجنة مراجعة الخطط الاستراتيجية لدى وزارة التربية والتعليم للوقوف على خطة تفعيل الموسيقى وإعطائها للطلاب بشكل يستحق، وأن اللجنة أشرفت على إعداد مناهج تربية موسيقية من الصف الأول حتى العاشر، لكن المشروع توقف بدون إبداء أسباب.

ويلفت إلى أنه في سياق التنوير ومحاربة مختلف أشكال التعصب والتطرف، فإنه لا يوجد موسيقي لا يتقبل الرأي الآخر، والموسيقي منفتح على الحوار مع الآخرين، فوظيفة الفن تهذيب المجتمع وتحصين أفراده من أي عوامل خارجية متطرفة.

وحول إنشاء دار أوبرا، يرى سكرية أنه "لا توجد إرادة حقيقية لإقامة دار الأوبرا لوجود أيدولوجيات ترفض الفكرة بسبب عدم القناعة بأهمية ورمزية دار الأوبرا لتقديم أنماط فنية للمجتمع الأردني الذي يتعطش للنمط الراقي من الموسيقى ولا تزال هذه الفكرة لا تتبلور عند المسؤولين".

ويجد المؤلف الموسيقي وأستاذ الموسيقى العربية في جامعة اليرموك الأكاديمي محمد غوانمة أن سبب إحجام أبناء المجتمع الأردني عن التقدم لدراسة الموسيقى سببه قلة الوظائف التي يحصل عليها خريجو الموسيقى مقارنة بالمهن الأخرى، لأن الاعتماد الأساسي يكون على اختيار المواهب ذات القدرة الفنية العالية.

المجتمع عامل أساسي وحاسم في قبول تعليم الموسيقى
المجتمع عامل أساسي وحاسم في قبول تعليم الموسيقى

وتطرق غوانمة إلى ضرورة تفهم أولياء الأمور لأهمية الموسيقى، وتشجيع أبنائهم على ممارستها، مشيرا إلى أن الكثير من أولياء الأمور يجدون أن الموسيقى تُلهي عن مذاكرة المواد التعليمية الأخرى. ويقول "لا بد لوسائل الإعلام توضيح أهمية الموسيقى في التربية والتعليم والمجتمع والثقافة، وأهميتها للأسرة في المجتمع الأردني، حتى تتقدم عملية التعليم الموسيقي في المدرسة".

وبدوره، يرى رئيس جمعية جوقة وأوركسترا النغم الفنان مصطفى شعشاعة أن مفهوم التعليم الموسيقي لدى العديد من أولياء الأمور في عالمنا العربي يعد شكلا من اللهو والترفيه.

وفي هذا الصدد يبيّن أن هذا مفهوم خاطئ يدل على أننا لم نعمل على شرح وإيضاح الأهداف قصيرة وبعيدة المدى من عملية تعليم الموسيقي للكبار وللأطفال، من خلال حصة التربية الموسيقية في المدارس.

ويوضح شعشاعة، الذي قام بتدريس مادة التربية الموسيقية في عدد من المدارس منذ عام 1986 ولفترات عديدة، أن للموسيقى جانبها التربوي والترفيهي، حيث تخرج الأطفال من أجواء التعليم الإلزامي الذي يكون مُملا أحيانا أو مرهقا للذهن أحيانا أخرى، فالاستماع للموسيقى يجعلهم يستمتعون بعملية التعلُّم ويكون إنتاجهم وفهمهم أكثر من باقي نظرائهم الذين لم يتم منحهم الفرصة لتعلم الموسيقى.

وكان المجمع العربي للموسيقى الذي يتخذ الأردن مقرا له أصدر بيانا صحافيا أكد فيه ضرورة الاحتفاء بيوم الموسيقى العربية الذي يصادف الثامن والعشرين من مارس، وهو اليوم الذي شهد افتتاح مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة عام 1932، بإبراز ديمومتها، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وجذب أفراد المجتمع العربي على اختلافهم وتنوعهم إليها.

13