موسيقى الريغي تترك بصماتها عالميا محاولة الاحتفاظ بأصالتها

تأثير بوب مارلي مستمر في المغنّين الجمايكيين.
الاثنين 2023/06/05
موسيقى تحكي مشكلات الشعوب

تشهد موسيقى الريغي التي كانت منتشرة بكثرة في السبعينات والثمانينات تراجعا بعد وفاة الرواد واتجاه المغنين الجدد نحو أنماط موسيقية أخرى، في حين يحاول بعضهم الحفاظ على أصالة موسيقاهم بالعودة إلى الأوائل الذين أسهموا في ازدهارها، ولعل أشهرهم المغني الراحل بوب مارلي.

كينجستون - لا يوجد كثيرون من رواد موسيقى وغناء الريغي العظماء على قيد الحياة اليوم، ففي خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، فارق الحياة أساطين الغناء منهم مثلا توتس هيبرت، ولي “سكراتش” بيري، وبوني ويلر.

وتوفى النجم بوب مارلي متأثرا بمرض السرطان عام 1981، وقتل زميله في الفريق الغنائي بيتر توش عام 1987. وقبل خمسين عاما كان كلاهما محورا لنوعية الموسيقى الجامايكية، التي كانت على  وشك أن تأخذ ألباب العقول.

وأصبحت المغنية ريتا مارلي وهي أرملة بوب، تعاني من الوهن بعد أن أصيبت بجلطة دماغية، ولكنها ما زالت تمارس نشاطها، وفقا لما يقوله هيرمان ديفيس الذي يشتهر باسم بونجو هيرمان، وهو مغن وعازف إيقاع جامايكي.

قبل خمسين عاما كان بوب مارلي وبيتر توش محورا للموسيقى الجامايكية، التي كانت على وشك أن تأخذ ألباب العقول

يجلس بونجو عازف الإيقاع البالغ من العمر 79 عاما، داخل كشك في متحف بوب مارلي، بمدينة كينجستون عاصمة جامايكا، وتزدان الجدران من حوله بصور وتذكارات، صور بونجو وهو يلعب كرة القدم مع مارلي، ويقرع الطبول مع الأمير تشارلز، إلى جانب قصاصات الصحف، وتصف إحداها بونجو بأنه “مايسترو الإيقاع”، بالإضافة إلى وجود عدد من التسجيلات والهدايا التذكارية التي يبيعها.

وشارك عازف الإيقاع مع الكثير من مشاهير غناء الريغي بمن فيهم مارلي، وكانت فرقته الموسيقية المعروفة باسم “ذي ويلرز”، تتألف منه إضافة إلى بيتر توش وبوني ويلر، ولقي الفريق شهرة في جامايكا، حتى قبل أن يبرز الريغي كنوعية موسيقية جديدة عام 1968.

غير أن الأموال كانت شحيحة في جامايكا، وهي جزيرة كائنة في البحر الكاريبي، ويقول بونجو “لم يكن من المعتاد أن نحصل على أجر مقابل الحفلات الغنائية التي ننظمها، إلا النزر القليل”.

وعندما أصبحت فرقة “ذي ويلرز” عالقة في لندن بدون أموال عام 1972، قررت الاتصال بكريس بلاكويل، مؤسس ورئيس شركة “أيلاند ريكوردز” للتسجيلات الغنائية.

وعلى الرغم من أن الفرقة لم تكن على معرفة شخصية ببلاكويل، فإن هذا الرجل الذي نشأ في جامايكا وعاش في بريطانيا، قام بتوزيع بعض تسجلات الفرقة المبكرة من أغاني “السكا”، وهو نوع من الموسيقى الشعبية الجامايكية سريعة الإيقاع.

وتمكنت فرقة ذي ويلرز من نيل إعجاب بلاكويل منتج التسجيلات الغنائية، الذي يقول عن الفرقة “إنها الشيء الحقيقي، خاصة بعد خروج المغني جيمي كليف من التعاقد معي”. ويعد كليف من أكثر من غنوا موسيقى الريغي نجاحا.

موسيقى لها عشاقها

واجتذب بلاكويل المغني كليف من جامايكا حيث كان يعاني من قلة المال والشهرة، وجاء به إلى إنجلترا، ووعده بأنه سيجعل منه نجما في غضون عامين، وقال ديفيد كاتز مؤلف كتاب عن السيرة الذاتية لجيمي كليف إن بلاكويل حاول أولا أن يجعل كليف يؤدي أغاني “السول” أو الروح التي تتسم بكثافة الأحاسيس، ولكن الفكرة تعثرت سريعا.

ثم رتب بلاكويل أن يقوم كليف ببطولة فيلم جامايكي، ولكن الفيلم تأخر عرضه طويلا، وبعد ذلك لم تحقق الإيرادات تكلفة إنتاجه، إلا بعد عدة سنوات. وهذا أدى إلى نفاد صبر ومال كليف، مما جعله يترك شركة التسجيلات التي يمتلكها بلاكويل، الأمر الذي أفسح الطريق لدخول فريق ذي ويلرز بدلا منه.

ووقع بلاكويل عقدا مع الفرقة في أبريل 1973، وأطلقت الفرقة ألبوما باسم “كاتش فاير” أي أمسك النار، الذي يضم أغنية “ستير أب” التي حققت نجاحا مدويا، وجذبت جمهورا عالميا، حيث مزجت الموسيقى الجامايكية بملامح من موسيقى الروك.

ويقول كاتز إن هذا الألبوم ساعد على تدشين المغني بوب مارلي وفرقة الويلرز، في عالم الشهرة العالمية. وقامت الفرقة بجولة غنائية في الولايات المتحدة عام 1973، وساعدت طبيعة مارلي المتمردة، وصوته الرخيم، على أن يصبح أيقونة عالمية في عالم الغناء.

وكان متحف بوب مارلي، الكائن في حي راق بالعاصمة كينجستون، هو المقر الجامايكي لشركة “أيلاند ريكوردز”، قبل أن يسلم بلاكويل العقار لبوب مارلي. ولا يزال المتحف يمثل وجها لموسيقى الريغي وجذورها.

ويقول عازف الإيقاع بونجو هيرمان، وهو يؤكد على العدد الكبير من محبي موسيقى الريغي من خارج جامايكا، إن “بوب هو في الحقيقة موهبة فذة في عالم الغناء، ولا يمكن لموسيقى الريجي أن تموت، فهي ستعيش إلى الأبد”، ونشأ هيرمان في حي ترنش تاون بكينجستون، الذي يسوده العنف والفقر، في نفس الوقت الذي عاش فيه مارلي.

غغ

ويضيف أن بعض مغني الريغي اليوم مع ذلك، ضلوا طريقهم وانجرفوا بعيدا ليتبنوا أساليب موسيقى الهيب هوب، مؤكدا أن الموسيقى الحقيقية تحتاج إلى الموسيقيين الحقيقيين، ويتابع “إن الكثيرين منا لا يزالون على قيد الحياة ويمارسون الإبداع”.

الريغي مصطلح يتضمن أساليب من الموسيقى الجامايكية الكاريبية الأفريقية، ظهرت في آخر الستّينات، كما يتضمن مصطلح ريغي أيضا الموسيقى المعاصرة الشعبية الجامايكية الموجودة في وطنهم وحتى التي توجد خارج حدوده كما تنتشر بين الجاليات الجاميكية. قد يعود أول استخدام شائع للكلمة “ريغي” إلى التاريخ الذي نشرت فيه الأغنية الشعبية “إعمل الريغي” لتوتس والمايتالس وهذه في 1968، كما بلغت هذه الأغنية بكلمة “ريغي” العالمية بشكل كبير.

وتعبّر موسيقى الريغي عن الأخبار الجارية والأحدايث الاجتماعية وأيضا تعلّق أغاني الريغي كثيرا على الأوضاع السياسية، وقد يتم استخدام كلمات أغاني ريغي كمرجع لدراسة التاريخ الشعبي الجاميكي في آخر نصف القرن العشرين.

14