موسيقى إبراهيم معلوف تمزج بين العربية والجاز للحث على تقبل الاختلاف

عازف البوق الفرنسي اللبناني يتعامل مع الموسيقى على أنها رسالة إنسانية باستطاعتها مساعدة الإنسان المتضرر في كل مكان وزمان.
الثلاثاء 2022/06/14
الموسيقى تتحد في الاختلاف

باريس- منذ احترافه الفن في العقد الأول من الألفية الثانية، قدم الفرنسي اللبناني إبراهيم معلوف الموسيقى بصفتها فنا إنسانيا عالميا، لا يحدّه اختلاف ولا تقيّده انتماءات فكرية وأيديولوجية، وصارت الموسيقى لديه سلاحا ناعما في وجه التعصّب.

وبمزيج بين النغمات العربية والبرازيلية وموسيقى الجاز، يطلق عازف البوق الفرنسي اللبناني إبراهيم معلوف من مدارج مدينة أرل في جنوب فرنسا جولة عالمية جديدة، في مشروع فني يحتفي بـ”تقبل الاختلاف” في مجتمعات تشهد تنامياً للتعصب.

وسينطلق العرض الذي يحمل عنوان “كاباسيتي تو لوف” “القدرة على الحب” في 25 يونيو الجاري ضمن مهرجان “ليزيسكال دو كارغو” في أرل.

ويقول معلوف إنه اختار العمل على هذا العرض بالذات بناء على أن “العصر الذي نعيش فيه مليء بالتصادم، لا سيما عندما نواجه شيئا مختلفا، فغالبا ما يأتي رد الفعل عنيفا ورافضا”.

ويوضح الموسيقي الأربعيني المحب لاستكشاف أنواع موسيقية متنوعة “نعيش في مجتمع يتزايد فيه التعصب أكثر فأكثر. “القدرة على الحب” هي نوع من المفتاح أو الحل، ونحن نفتقد كثيراً القدرة على الحب وقبول الاختلافات”.

وبعد عرضه في أرل الفرنسية، يجوب معلوف أوروبا، مع المشاركة خصوصا في مهرجان مونترو في سويسرا و”نورث سي جاز” في هولندا، قبل استكمال الجولة في كندا والولايات المتحدة في الخريف.

بالإضافة إلى العرض الموسيقي، قرر عازف البوق الشهير أن يندد بالاضطرابات التي يشهدها العالم بسبب الحروب والأوبئة، بأن يضفي لمسة “سعادة واحتفال وطيبة” على ألبومه السادس عشر الذي سيصدر في نوفمبر، مع ضيوف في “كل مقطوعة تقريباً”.

ويقول معلوف المولود في بيروت قبل 41 عاما خلال فترة الحرب اللبنانية (1975-1990) “أنا آتِ من بلد لا خيار أمام الناس فيه سوى الاستمرار في العيش رغم كل شيء، وتربية أطفالهم في سعادة رغم كل شيء”.

وبالفعل اكتسب معلوف من اللبنانيين صمودهم في وجه القبح وتشبّثهم بالحياة وتفاصيلها اليومية الجميلة، واختار أن تكون موسيقاه مزيجا بين الحضارتين العربية والغربية وعلاجا للآفات التي تسكن النفس البشرية فتجعلها مظلمة رافضة للحياة وللآخر المختلف.

وسينطلق هذا العرض العالمي بشعار يتردد باللغة البرتغالية مفاده أن “الموسيقى هي العلاج”، وهي المقطوعة الأولى ضمن المجموعة الموسيقية الجديدة، ويتردد الشعار على إيقاعات بايلي فانك الذي يعزف موسيقى وُلدت في مدن الصفيح وألفتها المغنية البرازيلية فلافيا كويلو، بالتعاون مع منسق الأسطوانات توني روميرا.

ويقول معلوف “إنه العالم كما أراه بكل هذا التنوع والطيبة، هذا التنوع وُضع في خدمة الطيبة. ثمة أيضا الراقصون الذين يأتون من جميع القارات في خدمة فتاة صغيرة فقدت لعبتها”، في إشارة إلى الفيديو المصاحب للأغنية.

وتظهر هذه اللقطة الطويلة المتسلسلة إبراهيم معلوف وفلافيا كويلو والراقص ساليف غويي وغيرهم يحاولون وهم يرقصون أن يعيدوا للفتاة دبها القماشي.

ويقول إبراهيم معلوف إنه “يكتشف كل يوم” جسورا بين الموسيقى والقارات. فعندما أعاد تقديم عمل لـ”كوكب الشرق” أم كلثوم بنمط الجاز، قال له محبو الموسيقى العربية “لا تقترب من أعمال أم كلثوم، فإنك ستخربها!”.

ويضيف “قال لي العارفون في موسيقى الجاز: أم كلثوم تغني بألحان موسيقية عربية، ولا يمكن تقديم أغانيها في قالب مرتبط بموسيقى الجاز”، لكنه يوضّح: “لدينا المصدر نفسه، بين موسيقى الجاز والموسيقى العربية، إنها أفريقيا، البلو نوت، هو ربع الصوت العربي”.

ولا يخشى معلوف ضياع الهوية وسط هذا التمازج، بل يتساءل “ماذا يعني فقدان الهوية؟ الهوية في ذاتها شيء من المفترض أن يتغير. من الواضح أننا نتطور، ونختبر الأشياء، ونلتقي بثقافات أخرى، ولا يمكن لتعريف من نحن أن يقف في حالة ركود”.

ويوضح الموسيقي الذي نشأ في فرنسا، البلد الذي صعد فيه اليمين المتطرف مرة أخرى إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية هذا العام، “أرفض ربط عملي الفني بخطاب سياسي”، لكن “مثل أي شخص آخر، أنا متفرج، وبالتالي رغماً عني، هناك ترجمة لهذه الملاحظات في عملي وفي الرسائل التي أريد إيصالها”.

ومعلوف الفرنسي اللبناني، يتعامل مع هويته على أنها هويتان متكاملتان، وعلى أن ذلك أمر واقعي لأنه نشأ بين حضارتين. فقد عاش القسم الأكبر من حياته في فرنسا وليس في لبنان. لكنه كبر وسط عائلة لبنانية وعلى قيم ومبادئ لبنانية وعربية.

واستطاع العازف العربي إقناع المجتمعات الغربية بـ”إنسانيته”، ورغم تعرضه للتنمّر، وانتشار وصف الإرهابي للعرب في الغرب، إلا أنه لم يتوقف عن تنظيم الحفلات الموسيقية المشجعة على تقبل الاختلاف وعدم التسرع في الحكم على الآخر.

ويتعامل معلوف مع الموسيقى على أنها رسالة إنسانية باستطاعتها مساعدة الإنسان المتضرر في كل مكان وزمان، وكانت له في السابق عروض موسيقية مخصصة لمساعدة الكثيرين ومنهم حفل موسيقي أقامه في فرنسا في العام 2020 وجمع فيه نحو مليوني يورو لصالح لبنان وضحايا انفجار أغسطس.

15