موسيقار سوري يتحدى رحلة لجوئه الصعبة بتأليف مقطوعات فنية

هشام حمرا فر من الأوضاع في سوريا إلى ألمانيا كي يخوض تحديات كبيرة لإثبات موهبته منتميا إلى فرقة كولوراج.
الخميس 2024/05/23
فنان أخذ وطنه معه في أوتار عوده

فولفجانج يونج

فرانكفورت (ألمانيا) - عندما يداعب الموسيقار السوري هشام حمرا أوتار عوده، تغمره في الكثير من الأحيان من بعيد أطياف وصور ولمحات من وطنه سوريا. ويقول "من حين لآخر أغمض عيني، وأتنقل بخيالي من بيتنا في دمشق إلى شقة صديق داخل رأسي، ثم أتنسم رائحة الياسمين التي تعبق شوارع دمشق". و"الياسمين" أيضا اسم قطعة موسيقية ألفها لفرقة كولوراج الموسيقية بمدينة لودفيجشافن الألمانية، الكائنة تقريبا بين الحدود مع فرنسا وبين فرانكفورت.

وكلمة كولوراج هي لعب بالكلمات يتسم بالشاعرية، وتعبير شعري للمزج بين الألوان والألحان، واختارت الفرقة الموسيقية هذه الكلمة كاسم لها حتى توضح سعيها إلى إحداث تقارب موسيقي بين الألحان الشرقية والأنغام الغربية، في توليفة يتقبلها جمهور المستمعين.

وتضم الفرقة ثمانية عازفين بعد أن تأسست منذ أربعة أعوام، من جانب أوركسترا ولاية راينلاند بلاتينيت، وأكاديمية الموسيقى الشرقية بمدينة مانهايم، وأكاديمية مانهايم للموسيقى. وينحدر بعض الموسيقيين في الفرقة من أصول تركية أو سورية مثل هشام. ويمكن سماع نغمات العود المميزة في الوقت الحالي، بينما تمارس فرقة كولوراج تدريباتها في مقر أوركسترا ولاية راينلاند بلاتينيت بمدينة لودفيجشافن.

ويقول هشام "أبي موسيقار أيضا، وكان الطلاب الراغبون في تعلم الموسيقى يأتون إلى منزلنا من حين لآخر، وكنت أحضر هذه الدروس دائما، وتعلمت العزف على العود في عمر صغير للغاية، وكنت أطمح دائما لأن أصبح موسيقيا". ولكن أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تحولت الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد إلى حرب أهلية.

ويقول هشام “غادرت سوريا متوجها إلى دبي في نهاية عام 2011، وعملت هناك مع فرقة موسيقية، ولكن طموحي كان يفوق هذا الوضع، فكنت أريد أن أمارس حياة جديدة، ومن هنا توجهت جوا إلى تركيا عام 2016، ثم ركبت زورقا من هناك حتى اليونان ثم توجهت إلى ألمانيا سيرا على الأقدام، وبعد رحلة استغرقت 25 يوما وصلت إلى مدينة باساو في ولاية بافاريا". وعندما سئل عما إذا كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر؟ رد قائلا "نعم، ولكنك لا تعيش سوى مرة واحدة".

وبعد أن وصل إلى ألمانيا شارك هشام بالعزف في حفل موسيقي بمدينة مانهايم، حيث عزف على عود استعاره من صديق، وبعد ذلك طلبوا منه أن يحضر دورة دراسية بأكاديمية مانهايم للموسيقى. وحصل إثر ذلك على منحة دراسية أهلته للحصول على شهادة جامعية في الموسيقى العالمية، ودرس التأليف الموسيقي في أكاديمية مانهايم، وفي نفس الوقت حرص على تعلم اللغة الألمانية.

◙ هشام جاء إلى ألمانيا وهو خالي الوفاض وأصبح الآن يؤلف مقطوعات موسيقية للفرق الأوركسترالية
◙ هشام جاء إلى ألمانيا وهو خالي الوفاض وأصبح الآن يؤلف مقطوعات موسيقية للفرق الأوركسترالية

يقول هشام ضاحكا "أدركت منذ اليوم الأول لي في ألمانيا أنني أحتاج هذه اللغة رغم أن الأمر لم يكن سهلا، غير أن التلفزيون ساعدني قليلا خاصة مسلسلات الأطفال". وأصبحت درجة إجادته للألمانية حسنة بشكل ملحوظ. ويقول هشام إنه أحيانا لا يكاد يصدق حسن الحظ الذي حالفه، فقد جاء إلى ألمانيا وهو خالي الوفاض، وأصبح الآن يؤلف مقطوعات موسيقية للفرق الأوركسترالية.

ويعلق أندريه أولنر مدير المشاريع بفرقة كولوراج على قصة نجاح هشام قائلا "إن ما حققه في مسيرته الفنية يثير الإعجاب، ولا يرجع هذا الثناء فقط إلى أن قضايا نقص عدد العمال المهرة والهجرة أصبحت من الموضوعات الساخنة في ألمانيا". ويضيف أولنر أن "هشام يعمل بجد واجتهاد بشكل لا يصدق، وحتى أستاذه سيدني كوربيت بأكاديمية مانهايم للموسيقى، يقول عنه إنه لم يكن يعتقد على الإطلاق أنه بإمكان أحد أن ينجز هذا الحجم الكبير من العمل في مثل هذا الوقت القصير".

ويرى أولنر أن "فرقة كولوراج، التي تأسست بفضل التمويل المقدم من المؤسسة الثقافية الفيدرالية الألمانية، معنية في المقام الأول بفن الموسيقى، وتناقش مسائل مثل كيف ينظر إلى الموسيقى في مناطق أخرى من العالم، وعندما أنظر إلى هذه الموضوعات يغمرني ضوء الأمل وتتفتح الآفاق أمامي”. ويقول إن "كل فرد في الفرقة يجلب معه نوعا من الفضول، ويطرحه على الطاولة للنقاش إلى جانب قدر من التسامح المتبادل". حصل هشام الآن على الجنسية الألمانية التي تتطلب إجادة مستوى معين من مهارات اللغة، بالإضافة إلى الإلمام بمعلومات عن ألمانيا.

غير أنه يؤكد أنه لن يتوقف أبدا عن التعلم، ويسعى دائما للحصول على إجابات عن أسئلة تراود تفكيره، يقول متسائلا "لماذا يبدع المقطوعات الموسيقية؟ ولماذا يصعد على خشبة المسرح؟ وما الذي يدفع الناس إلى حضور حفل موسيقى؟ وما الرابط بين الفنان والجمهور؟ أنا مهتم بكل هذه التساؤلات، بل حتى مهتم بما يجري وراء الكواليس، مثل كيف يتم اتخاذ القرارات في الفرقة الموسيقية، وما هي أنواع العقود التي يتم توقيعها مع الموسيقيين".

ثم إن هناك عالم الموسيقى الذي يغرق هشام نفسه فيه، فإلى جانب مقطوعته الموسيقية الشهيرة “ياسمين” قام بتأليف مقطوعة أخرى بعنوان “رحلة”، تعبر عن رحلته للهروب من بلده. ويلقي أولنر الضوء على قصة الإلهام الذي ساعد هشام على تأليف مقطوعة "رحلة"، فيقول إن "هشام جاء إلى ألمانيا عن طريق البلقان، وليس بحوزته سوى هاتف محمول وبطاقة ائتمان، وفي الطريق غمغم بمجموعة ألحان سجلها على هاتفه المحمول".

ويضيف أن هذه النغمات أصبحت أساسا للحن السائد في المقطوعة، وعزفت أوركسترا ولاية راينلاند بلاتينيت في مطلع العام الحالي مقطوعة "رحلة" في أول حفل للمقطوعة في العالم. ويؤكد أولنر أن "هشام استغل الفرصة المتاحة له جيدا واستفاد منها إلى أقصى حد، من خلال موهبته ومثابرته وعمله الجاد والدؤوب".

13