موسم حصاد وفير يعزز تطلعات الجزائر لتقليص فاتورة استيراد الغذاء

الزراعة الصحراوية ملاذ تحقيق الأمن الغذائي وتعويض تآكل مساحات الشمال.
الجمعة 2024/05/17
رهان على المناطق الصحراوية لتحقيق الاكتفاء الذاتي

الجزائر - تتطلع الجزائر إلى تقليص فاتورة واردات الحبوب، خاصة وأنها تعتبر ثاني مستورد للقمح في العالم، بغلاف مالي يقدر بأربعة مليارات دولار، وذلك بتثمين وتطوير الزراعة الصحراوية، حيث تتوقع إنتاج نحو خمسة ملايين طن خلال العام الجاري، في ظل موسم الحصاد الوفير الذي بدأ في محافظات جنوبية، والمعول عليه لبلوغ نصف الواردات وتعويض مواسم الشح السابقة.

وتتواصل في محافظات وبلدات بالجنوب الجزائري على غرار أدرار والمنيعة وغرداية واليزي وبسكرة.. وغيرها، حملة الحصاد في طقس فاقت فيه درجة الحرارة سقف الأربعين درجة تحت الظل، حيث تم تسخير إمكانيات بشرية ولوجيستية ضخمة من أجل إنجاح الموسم الذي يؤشر إلى تحقيق نتائج غير مسبوقة في تاريخ الزراعة الصحراوية.

وفي محافظة المنيعة لوحدها تتوقع مصادر رسمية إنتاج نحو 100 ألف طن من القمح، ليكون بذلك بادرة غير مسبوقة في تاريخ الزراعة الصحراوية الجزائرية، المرشحة لأن تكون سلة الغذاء الجزائري في المدى القريب والمتوسط، بعد التراجع المسجل في المحافظات الشمالية بسبب زحف العمران.

وتتوقع الجزائر إنتاج الكميات المذكورة التي تقربها إلى نصف فاتورة واردات الغذاء، بينما ظل الإنتاج المحلي طيلة السنوات الماضية لا يحقق إلا ثلث الحاجيات، بسبب السياسة الزراعية المنتهجة.

ويبدو أن السلطات المختصة تتجه إلى تثمين وتطوير الزراعة الصحراوية، بعدما فرضت نفسها كملاذ غذائي لنحو 45 مليون نسمة، مدفوعة بتشجيع الحكومة للاستثمار، ووفرة المساحات الزراعية والمياه الجوفية، وهو ما لم يعد متاحا في ناحية الشمال.

الحكومة تولي أهمية بالغة لإنجاح موسم الحصاد، خاصة فيما يتعلق بتوفير الماكنات وأماكن التخزين والوسائل الضرورية

وفي هذا الإطار انطلقت يوم أمس الخميس، أشغال الاجتماع الخاص بـ”المقاربة المدمجة لتأطير الاستثمار الفلاحي في المناطق الجنوبية”، والذي جمع قطاعي الطاقة والفلاحة والري والمالية والبيئة والبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية والطاقات المتجددة. ويهدف الاجتماع إلى مناقشة الدراسات التقنية والخرائط التي تم إنجازها من طرف مختلف المصالح المختصة حول القدرات الفعلية من حيث توفر المياه والتربة في ولايات الجنوب.

وحسب التلفزيون الحكومي، فإن الاجتماع يهدف إلى “تحديد المحيطات الكبرى التي ستستقبل المشاريع الاستثمارية المدمجة، والتي تتطلب مرافقة خاصة من قبل كل القطاعات المعنية لتجسيدها ميدانيا في أقرب الآجال”.

وكشف وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، عن “تسخير الموارد اللازمة لضمان ربط أكثر من 100 ألف مستثمرة فلاحية بالكهرباء 57 ألف منها تم ربطها فعليا، وأن معدل الربط سيصل بحلول نهاية العام الجاري إلى أكثر من 70 من المئة من إجمالي عدد المزارع التي تم تحديدها”.

ومن جهته أكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة، على “توفير كل الإمكانيات اللازمة التي تضع الفلاحين في أحسن الظروف لتحقيق وفرة في المنتوج الفلاحي والتموقع في الخارطة الدولية للمنتجات الفلاحية”.

الجزائر تتوقع إنتاج نحو خمسة ملايين طن من الحبوب خلال هذا الموسم، وهو ما يقربها إلى نصف فاتورة واردات الغذاء

وأضاف “وضع خارطة دقيقة للقدرات الطبيعية لإنجاز مشاريع استثمارية في المجال الفلاحي بولايات الجنوب، سيسمح بتفعيل المخطط الوطني لتطوير الزراعات الإستراتيجية، والزراعة الصحراوية عرفت قفزة نوعية من حيث المساهمة في تغطية الحاجيات الوطنية من الإنتاج الفلاحي بفضل توسيع الرقعة الفلاحية المسقية التي تمت بالدعم القوي للدولة”.

وأوضح “لتجسيد ذلك، يتطلب الأمر تظافر جهود الجميع على المستويين المركزي والمحلي، للمساهمة في تسريع وتيرة إنجاز عدة برامج على غرار ربط المشاريع الفلاحية بالكهرباء وتسهيل إجراءات حفر الآبار وتثمين المياه غير التقليدية”.

وبغرض تحديد المساحات الكبرى التي ستستقبل المشاريع الاستثمارية المدمجة التي تتطلب مرافقة خاصة من قبل كل القطاعات المعنية لتجسيدها ميدانيا في أقرب الآجال، تم في جلسة عمل مغلقة، عرض ومناقشة الدراسات التقنية والخرائط التي تم إنجازها من طرف مختلف المصالح المختصة حول القدرات الفعلية من حيث المياه والتربة المتوفرة في ولايات الجنوب.

ولفت إلى الأهداف المنوطة بتعزيز الأمن الغذائي، والمتعلقة بإنتاج الاحتياجات الغذائية واسعة الاستهلاك، على غرار الحبوب والبقول الجافة والبذور الزيتية والحليب والسكر، تجسيدا لالتزامات الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي حث على ضرورة التوجه نحو استصلاح مستدام للأراضي بالجنوب لتطوير الزراعات الصناعية.

يبدو أن السلطات المختصة تتجه إلى تثمين وتطوير الزراعة الصحراوية، بعدما فرضت نفسها كملاذ غذائي لنحو 45 مليون نسمة

وتولي الحكومة أهمية بالغة لإنجاح موسم الحصاد، خاصة فيما يتعلق بتوفير الماكنات وأماكن التخزين والوسائل الضرورية، خاصة وأن النهوض بالزراعة الصحراوية ضمن تعهدات الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون الانتخابية، وهو الذي يريد الظهور أمام الرأي العام بالشخصية التي رفعت التحدي أمام معضلة الأمن الغذائي.

وتحدث مدير النقل بالديوان الجزائري للحبوب بومدين عمراني، خلال وصول قافلة الشاحنات والآليات إلى مشاريع منطقة المنيعة، عن “اهتمام وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بإنتاج الحبوب بالجنوب، وتسخير إمكانيات بشرية ولوجيستية ضخمة من أجل إنجاح الموسم”.

وتأتي حالة التفاؤل التي تطبع الموسم الزراعي في الجزائر، لتقنع رأس المال المحلي والأجنبي للاستثمار في الجنوب، خاصة وأن الجزائر أبرمت اتفاقية ضخمة مع القطريين لتربية الأبقار وإنتاج مسحوق الحليب واللحوم والأعلاف، قدرت بثلاثة مليارات ونصف المليار دولار.

ودخلت زراعة الأعلاف على خط زراعة الحبوب. ويذكر المزارع محمود حجاج، أنه كان “أول من بدأ بصناعة الذرة المحصودة، لكنه اليوم ليس الوحيد في المنطقة فهناك الكثير من المستثمرين من يحصد محصولين خلال العام، الحبوب ثم الذرة أو الذرة العلفية”.

وأظهر برنامج دعم القطاع الزراعي الممول من الاتحاد الأوروبي، بالموازاة مع عمل المختصين، “أنه في حالة زراعة البطاطس في محافظة الوادي، من الممكن تقليل كميات المياه المستخدمة من خلال الري الموضعي واستخدام مجسات قياس رطوبة التربة بشكل مستمر”.

4