موسكو تغازل الرياض لإنقاذ أسعار النفط

أكدت روسيا أن علاقاتها مع السعودية جيدة في محاولة لقطع الطريق على تنسيق سعودي أميركي في أسواق النفط وفتح باب العودة إلى اتفاق خفض الإنتاج الذي أغلقته الرياض في وقت استعادت فيه أسعار النفط بعض خسائرها بدعم من برامج التحفيز المالي العالمية.
لندن - لوحت الحكومة الروسية، أمس، إلى محاولة التقرب من السعودية لتنسيق سياسات إنتاج النفط مجددا بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه التدخل في حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الجمعة، إن العلاقات بين روسيا والسعودية جيدة في ما يتعلق بأسواق النفط وإن موسكو لا ترغب في تدخل أي أحد في إشارة إلى ترامب.
وأضاف أن أسعار النفط المنخفضة غير مرضية، لكن روسيا لا تعتقد أن الوضع الحالي كارثي. وأضاف أن موسكو تملك احتياطيات حكومية كافية لمواجهة الأثر الاقتصادي الناجم عن ضعف أسعار السلع الأولية.
ورغم مكابرة موسكو إلا أن محللين يقولون إنها تبدو راغبة في إعادة فتح الأبواب التي أوصدتها الرياض، بعد انهيار محادثات تحالف أوبك+ لتمديد خفض الإنتاج في بداية الشهر الحالي.
واتخذت السعودية منذ ذلك الحين إجراءات واسعة لإغراق أسواق النفط واستخدمت كامل طاقتها الإنتاجية، لترفع الإمدادات إلى 12.3 في المئة اعتبارا من الشهر المقبل، وقررت زيادتها إلى 13 مليون برميل، بعد أن كانت تنتج أقل من 10 ملايين برميل يوميا.
وقال ترامب، الخميس، إنه سيتدخل في حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الوقت المناسب، لكنه أضاف أن أسعار البنزين المنخفضة جيدة للمستهلكين الأميركيين حتى لو كانت تضر بالقطاع.
وأدت تلك الإشارات من واشنطن وموسكو وإجراءات التحفيز المالي العالمية إلى ارتفاع أسعار النفط، الخميس، بنحو 24 في المئة وواصلت أمس ارتفاعها بأكثر من 6 في المئة ليتجاوز مزيج برنت حاجز 30 دولارا للبرميل.
لكن الأسعار لا تزال أقل بنسبة 60 في المئة عن مستويات بداية العام الحالي، وهو ما يلحق ضررا فادحا بمعظم المنتجين.
ويعد منتجو النفط الصخري الأميركي من أكبر المتضررين بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، الأمر دفعهم إلى بحث عمليات اندماج في ظل ترجيح تسارع خفض الإنتاج في ظل الأسعار الحالية.
ونسبت صحيفة وول ستريت جورنال إلى مصادر لم تكشف عنها، تأكيدها أن إدارة ترامب تدرس ممارسة ضغوط دبلوماسية لحمل السعودية على خفض الإنتاج والتلويح بفرض عقوبات على روسيا لإجبارها على تقليص إمداداتها أيضا.
تفرض الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا نورد ستريم 2 وعلى وحدة لشركة النفط الوطنية روسنفت لقيامها بتسويق الخام في فنزويلا. وأوقفت العقوبات المفروضة على خط الأنابيب المشروع قبل فترة وجيزة من إتمامه.
ويقول بعض المشرعين الأميركيين إن روسيا والسعودية تتعمدان استهداف صناعة النفط الصخري الأميركية بعد أن شرع ترامب في سياسة “هيمنة على قطاع الطاقة” بتصدير النفط والغاز إلى أوروبا وآسيا.
وبفضل طفرة النفط الصخري، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، متخطية السعودية وروسيا.
في هذه الأثناء رجح بنك غولدمان ساكس أن يؤدي كبح منتجين أساسيين في أوبك للإمدادات إلى ارتفاع أسعار النفط في الربع الثاني من العام مع احتمال تعزيز إجراءات أميركية لدعم سوق الأسعار في الأجل القريب.
وكشفت وول ستريت جورنال أن الجهات التنظيمية في تكساس ربما تكبح إنتاج النفط لتقليص الإمدادات العالمية والمحلية الأميركية، بانتظار إشارات عن تحركات كبار المنتجين مثل السعودية وروسيا.
وتواصلت أجواء التشاؤم، أمس، بعد ترجيح شركة فيتول، أكبر شركة لتجارة النفط في العالم، أمس انخفاض الطلب العالمي على النفط بأكثر من عشرة في المئة بسبب عمليات العزل المنتشرة في أنحاء العالم لمكافحة تفشي فايروس كورونا.
وقال جيوفاني سيريو رئيس الأبحاث لدى فيتول إن الانخفاض قد يكون أكبر بكثير إذا أدى الفايروس إلى عمليات عزل واسعة النطاق في الولايات المتحدة أكبر مستهلك في العالم للنفط.
وأضاف أن “حدوث عزل على غرار إيطاليا في الولايات المتحدة وارد فقط إذا خرج انتشار الفايروس عن السيطرة” وأن انخفاض الطلب الأميركي بنسبة عشرة بالمئة سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك بواقع مليوني برميل يوميا.
وتوقع أن “يهبط الطلب العالمي بسهولة بمقدار عشرة ملايين برميل يوميا أو أكثر” من مستوياته قبل أزمة انتشار الوباء البالغة نحو 100 مليون برميل يوميا.
وأشار إلى استحالة التنبؤ بالمدة التي سيظل فيها الطلب يتعرض لضغوط، لأن ذلك يعتمد على انتشار الفايروس وفترة استمرار عمليات العزل.
وقال إن “تضرر الطلب هذا العام يتوقف على عدد الدول التي ستقتدي بنموذج العزل الإيطالي، الذي أدى إلى انخفاض الاستهلاك في إيطاليا بشكل كبير. إذا امتدت ذلك إلى بقية أوروبا وإلى الولايات المتحدة، تستطيع أن تتوقع مسارا نزوليا كما يحلو لك”.
وذكر سيريو أن أرقام حركة السير في المدن الإيطالية منخفضة حاليا 60 في المئة، مما يهدد بتراجع الطلب على النفط بنسب تتراوح بين 40 إلى 50 في المئة.
وتقترب إسبانيا وفرنسا من فرض تدابير مماثلة وتتجه ألمانيا أيضا لتقليص حركة السير في المدن بنسبة 40 في المئة.
وقال سيريو إنه إذا اتبعت المملكة المتحدة هذا المسار، فإن نحو 40 في المئة من الطلب الأوروبي قد يصبح مهددا بما يمثل سبعة ملايين برميل يوميا أو سبعة في المئة من الطلب العالمي.
وفي الولايات المتحدة، كان الطلب حتى الأسبوع الماضي قويا وهو ما يقول سيريو إنه ربما يرتبط بملء الناس للصهاريج.
وأشار إلى أن الطلب الصيني يظهر مؤشرات على التعافي في بيانات حركة السير والأنشطة الصناعية، في ظل استفادة آسيا بوجه عام من انخفاض أسعار النفط.
وقال سيريو إنه إذا واصلت أوبك ضخ الإمدادات بمعدلات مرتفعة، فإن العالم سرعان ما سيشهد نفاد قدرات التخزين التجارية المتاحة في مراكز استهلاك كبرى، مما سيفرض المزيد من الضغط على أسعار النفط.