موسكو تربك واشنطن في ساحتي عمليات أوروبية وأسيوية

عمق نجاح روسيا في احتواء الأزمة في كازاخستان بسرعة لافتة ارتباك الاستراتيجيات الأميركية في آسيا الوسطى، فيما يرى مراقبون أنه لا يمكن فصل الاشتباك الاستراتيجي بين روسيا وحلف الناتو في شرقي أوروبا عن محاولة الالتفاف الأميركية على روسيا من حدود كازاخستان.
ألماتي (كازاخستان) - تعكس الإشارات الأميركية بشأن التدخل الروسي المباشر في الأزمة الكازاخستانية انحسارا في فهم التطورات في آسيا الوسطى، وهو ما دفع موسكو إلى الاستخفاف بالبيانات الأميركية المنددة بتدخلها ووصفها بالثرثرة والهراء.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ردا على تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بشأن دور روسيا في كازاخستان “إن الأمر يتعلق برهاب روسيا، ومجرد ثرثرة طفولية وهراء ولا تستند إلى أي أدلة”.

ماريا زاخاروفا: تصريحات بلينكن حول دورنا في كازاخستان ثرثرة
وأشارت زاخاروفا إلى أن “إرسال قوات حفظ سلام من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان تم بشكل قانوني تماما”.
وأكدت زاخاروفا أن “رد الفعل الأميركي كان هجوميا وفظا”، منوهة إلى أنه “لا يمكن للولايات المتحدة أن تكذب بعد الآن وأن تستخدم معايير مزدوجة عند وصف الوضع في كازاخستان بأنه احتجاجات، فمن الواضح أنها ليست سلمية”.
وبرهنت روسيا -من خلال سرعتها في إرسال وحدات أمنية إلى كازاخستان (السرعة في انتقالها تؤشّر على أنها كانت جاهزة لتنفيذ أي عمل أمني خارج الحدود) ونجاح الأخيرة في احتواء الوضع بشكل واضح، بعد تصريحات الرئيس الكازاخستاني المتعلقة بذلك- على أنها كانت تضع في حسبانها ما يمكن أن تتعرّض له أي دولة مجاورة لها أو مؤثرة فيها، تماماً كما حدث في كازاخستان، وأن قرار إنشاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي (والتي تضم كلاً من روسيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وتأسست على خلفية استباقية لما يمكن أن يهدّد تلك الدول، وخصوصاً روسيا المستهدَفة الأولى من الغرب) كان قراراً استراتيجياً، ويحمل رؤية بعيدة وعميقة بشأن ما يمكن أن تتعرّض له روسيا من تهديدات مباشِرة أو غير مباشرة.
ويقر محللون بوجود تخبط في استراتيجيات واشنطن في آسيا الوسطى، المنطقة الحيوية الخاضعة تقريبا لنفوذ روسي تاريخي، من جهة أنها لا تزال تعتمد على استراتيجيات قديمة في مناكفة روسيا وهي إثارة التوترات في فنائها الخلفي وعلى حدودها والتي أثبتت التجارب السابقة أنها تأتي بنتائج عكسية لصالح موسكو لا عليها.
ولعل أبرز هذه الأمثلة احتلال موسكو لأجزاء من جورجيا في 2008 عندما اندلعت احتجاجات ضد النظام الموالي لروسيا، اعتبرته موسكو آنذاك عملية أميركية مدبرة تمهد الطريق لتمركز واشنطن في فنائها الاستراتيجي.
ويقول محللون إن التراجع الحاصل في نفوذ واشنطن في آسيا الوسطى إنما سببه استمرار موسكو في استعادة مواقعها في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
ويشير هؤلاء إلى أهمية الخطوات التي اتخذتها موسكو على صعيد إحلال الأمن في آسيا الوسطى، ودورها الهام في التحكم في طرق التجارة هناك، فيما تعكف واشنطن على دعم المنظمات الحقوقية الناشطة في بلدان المنطقة بما يتعارض مع توجهات النخب الحاكمة فيها.
وخلص تقرير أعده مركز بحوث البرلمان الأوروبي مؤخرا إلى أن الحضور العسكري الأميركي في آسيا الوسطى في تراجع مستمر نتيجة “لتعاظم النفوذ الروسي”، وأن السبب الرئيسي من وراء هذا التراجع يكمن في عودة المنطقة إلى فضاء النفوذ الروسي.
وأضاف التقرير أن “كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان عادت حلفاء عسكريين لروسيا التي استطاعت سنة 2014 إقناع قرغيزستان بعدم التمديد للقاعدة العسكرية الأميركية على أراضيها”.
ولم يقتصر التراجع الأميركي أمام روسيا على المسار العسكري والسياسي، بل يتجلى كذلك على صعيد التجارة التي ضاعفتها روسيا مع بلدان المنطقة على حساب تراجع التجارة الأميركية التي انخفضت حصتها مع هذه البلدان إلى 2.4 في المئة سنة 2016، فيما ازدادت حصة التجارة الروسية معها إلى 18 في المئة من إجمالي تجارتها، أي تجارة آسيا الوسطى مع دول وكيانات العالم.
إقرأ أيضا
وخلص التقرير الأوروبي في الختام إلى أنه ما من شيء قد يسهم في إعادة تطوير العلاقات بين “واشنطن وأنظمة بلدان آسيا الوسطى الشمولية، سوى الحد من تركيزها على قضية حماية حقوق الإنسان في هذه البلدان”.
وميدانيا أعلنت الرئاسة في كازاخستان الأحد توقيف 5800 شخص وفتح 125 تحقيقاً على خلفية الاضطرابات غير المسبوقة منذ الاستقلال عام 1989 في هذا البلد الغني بالنفط والغاز والبالغ عدد سكانه 19 مليون نسمة.
وأشار بيان صادر عن الرئاسة -عقب اجتماع أزمة ضم رئيس البلاد قاسم جومرت توكاييف- إلى أنّ “الوضع استقر في كل المناطق”، في حين لا تزال قوات الأمن تجري عمليات “تطهير”.
وبدأت الاحتجاجات في مناطق ريفية الأحد الماضي عقب رفع سعر الغاز قبل أن تمتد إلى مدن كبيرة ولاسيما ألماتي حيث أطلقت الشرطة الرصاص الحي على متظاهرين اقتحموا مباني رسمية.
وأعلنت وزارة الداخلية أن التقديرات الأولية لقيمة الأضرار المادية الناجمة عن هذه الاضطرابات بلغت حوالي 175 مليون يورو.