موسكو تتهم واشنطن بالتستر على قصف أوكرانيا لمدينة بوتشا

بوتشا (أوكرانيا) - استنكر السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف ما سمّاه بتكتم الولايات المتحدة على حقيقة أن القوات الأوكرانية قصفت مدينة بوتشا بعد انسحاب الجيش الروسي منها، وذلك بعدما زادت مشاهد تلك المجازر من منسوب التوتر المتصاعد أساسا بين موسكو والغرب.
وأشار أنطونوف في حديثه مع مجلة "نيوزويك" إلى أن "الولايات المتحدة تكتمت عمدا على حقيقة أنه فور انسحاب القوات الروسية، عرّضت القوات المسلحة الأوكرانية مدينة بوتشا لنيران المدفعية، وقد يؤدي ذلك إلى خسائر في صفوف السكان المدنيين".
وأضاف أنه من الواضح أن "نظام كييف يحاول تحميل روسيا مسؤولية كل الفظائع التي ارتكبها".
ودعت موسكو إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الاثنين، للبحث في المزاعم حول ارتكاب القوات الروسية فظائع ضد مدنيين أوكرانيين في مدينة بوتشا الواقعة خارج كييف.
وكتب نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي على تويتر "في ضوء الاستفزازات البغيضة من جانب المتطرفين الأوكرانيين في بوتشا، طلبت روسيا عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الاثنين الرابع من أبريل".
وجاء ذلك بعد أن اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحد القادة الروس بارتكاب عمليات "تعذيب" و"قتل"، بعد اكتشاف مقابر جماعية في بوتشا بمنطقة كييف والعثور على المئات من الجثث العائدة لمدنيين.
وقال زيلينسكي الأحد لقناة "سي.بي.أس" الأميركيّة "هذه إبادة جماعيّة. إلغاء الأمّة الكاملة والناس (...) وهذا يحدث في أوروبا في القرن الحادي والعشرين".
ونفت موسكو قتل مدنيين. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن صور الجثث في شوارع المدينة هي "إنتاج جديد لنظام كييف من أجل وسائل الإعلام الغربية".
وندّدت مسؤولة في الإدارة الأميركيّة بطلب روسيا عقد اجتماع لمجلس الأمن. وعلى تويتر، كتبت مسؤولة الوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية سامانثا باور، وهي سفيرة سابقة لبلادها لدى الأمم المتحدة، أنّ "روسيا تلجأ إلى السيناريو نفسه كما في القرم وحلب".
وأضافت أنّ روسيا "المجبرة على الدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه (هنا فظائع بوتشا)، تطالب باجتماع لمجلس الأمن الدوليّ حتى تتمكّن من التظاهر بالغضب وتدعو إلى المحاسبة"، معتبرة أنّ "لا أحد يصدّق ذلك".
ولم تعلن الأمم المتحدة بعدُ ما إذا كان الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن سيُعقد الاثنين.
وأسفرت الحرب في أوكرانيا التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير، عن مقتل الآلاف من الأشخاص على الأقلّ، وأجبرت نحو 4.2 مليون أوكراني على الفرار، 90 في المئة منهم نساء وأطفال.
وميدانيا، أعلنت أوكرانيا أنّ القوّات الروسيّة تنسحب من مدن أساسيّة في محيط العاصمة كييف وتشيرنيهيف في الشمال، لإعادة الانتشار في الشرق والجنوب بهدف "الحفاظ على السيطرة" على المناطق التي تحتلّها هناك.
وبعد أكثر من شهر على بدء الهجوم الروسي، أعلنت مساعدة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار السبت "تحرير إيربين وبوتشا وغوستوميل ومنطقة كييف بكاملها من الغزاة".
وقُتل شخص وأصيب ثلاثة آخرون الأحد في قصف روسي لمستشفى في روبيجني في شرق أوكرانيا، وفق ما أعلن حاكم المنطقة سيرغي غايداي. كما قُتل سبعة أشخاص وأصيب 34 آخرون في قصف روسي الأحد طال حيا سكنيا في خاركيف، المدينة الكبيرة في شمال شرق أوكرانيا، وفق ما أفادت النيابة المحلّية.
وأعلنت مسؤولة حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني ليودميلا دينيسوفا أنّ القوّات الروسيّة فتحت النار الأحد لتفريق تظاهرة ضدّ وجودها في مدينة خاكوفكا المحتلّة في جنوب أوكرانيا، ما أدّى إلى إصابة عدد غير محدّد من الأشخاص.
وعُثر على جثث تعود إلى 410 مدنيّين في أراض في منطقة كييف استعادتها القوّات الأوكرانيّة في الآونة الأخيرة من القوّات الروسيّة، وفق ما أعلنت النائبة العامّة لأوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا الأحد.
وعبّرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الأحد عن صدمة إزاء ظهور أدلّة جديدة على قتل مدنيّين في أوكرانيا، وحذّرا من أنّ تراجع القوّات الروسيّة من محيط كييف قد لا يكون إشارة إلى انسحاب تامّ أو إنهاء للعنف في أوكرانيا.
وقال وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن الأحد لقناة "سي.أن.أن"، "لا يسعك إلّا التعامل مع هذه الصور بوصفها ضربة مؤلمة"، مضيفا "هذا هو واقع ما يحصل كلّ يوم ما دامت وحشيّة روسيا ضدّ أوكرانيا مستمرّة".
وأكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الأحد أنّه "ليس متفائلا جدا" بشأن ما تقوله روسيا عن سحب قوّاتها من محيط كييف.
وقال لقناة "سي.أن.أن"، "ما نراه ليس تراجعا، بل نرى أنّ روسيا تعيد تمركز قوّاتها"، مضيفا "ينبغي ألا نكون مفرطين في التفاؤل لأنّ الهجمات ستتواصل، ونحن قلقون أيضا بشأن احتمال تزايد الهجمات".
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس في تصريح "علينا تسليط الضوء بالكامل على هذه الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي"، مشدّدا على "وجوب محاسبة مرتبكي هذه الجرائم ومن خطّط لها"، ومطالبا خصوصا بإفساح المجال أمام منظّمات دوليّة لدخول المنطقة و"توثيق هذه الفظائع".
واستنكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد الصور "التي لا تُحتمل" من بوتشا الأوكرانيّة، مطالبا بمحاسبة "السلطات الروسية".
واعتبرت الأمم المتحدة الأحد أنّ العثور على مقابر جماعيّة في بوتشا يثير تساؤلات جدّية عن "جرائم حرب محتملة"، مؤكّدة أهمّية الاحتفاظ بكلّ الأدلّة.
وأعرب الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش عن "صدمته العميقة لصور المدنيّين القتلى في بوتشا"، قائلا "لا بدّ من تحقيق مستقلّ يتيح محاسبة" المسؤولين عن الجريمة.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأحد "الهجمات الدنيئة" لروسيا على مدنيّين في بوتشا بأنّها "جرائم حرب"، واعدا بتشديد العقوبات على موسكو.
ودان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الأحد عمليّات القتل "الفظيعة والمروّعة" لمدنيّين في مدينة بوتشا، قائلا إنّ روسيا يجب أن تحاسَب.
وأبدى البابا فرنسيس الأحد "استعداده" للمساعدة في إسكات السلاح في أوكرانيا، قائلا إنّه جاهز لزيارة كييف، ومندّدا بـ"الحرب الدنسة" في هذا البلد.
وأعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الأحد على تويتر عن "صدمته حيال الصور المخيفة للفظاعات التي ارتكبها الجيش الروسي في منطقة كييف المحرّرة"، مضيفا "الاتحاد الأوروبي يساعد أوكرانيا والمنظمات غير الحكومية في جمع الأدلة الضرورية لملاحقات أمام المحاكم الدولية".
وقال مسؤول الإغاثة في بوتشا سيرهي كابليتشني إن 57 جثة إضافية دُفنت في مقبرة جماعية في بوتشا.
وقال أناتولي فيدوروك، رئيس بلدية بوتشا التي استعادها الأوكرانيون من القوات الروسية، إن "كل هؤلاء الأشخاص أعدِموا، قتِلوا برصاصة في مؤخر الرأس"، مشيرا إلى دفن نحو 300 شخص "في مقابر جماعية".
وأضاف "في بعض الشوارع نرى خمس عشرة إلى عشرين جثة على الأرض"، لكن "لا يسعني أن أقول كم من الجثث لا تزال في أفنية المنازل وخلف الأسوار"، موضحا أنه عُثر على عدد من القتلى مكبّلين بواسطة شريط قماش أبيض يستخدم للإشارة إلى أنهم غير مسلحين.
وشهدت بوتشا ومدينة إيربين المجاورة بعضا من أعنف المعارك منذ بدء الغزو في الرابع والعشرين من فبراير، فيما كانت القوات الروسية تحاول تطويق كييف، وتعرّضتا لقصف مركّز تسبب في دمار كامل.