موريتانيا ترفض محاولة جزائرية لفرض وصاية على إعلامها

إقالة السفير الجزائري بعد شكوى موريتانية من تدخله لفرض عقوبات على موقع مستقل.
السبت 2025/01/04
محاسبة المتجاوزين

رفضت السلطات الموريتانية طلب السفير الجزائري فرض عقوبات على موقع “أنباء.إنفو” الموريتاني، بسبب عدم تبنيه لموقف الجزائر بخصوص الصحراء المغربية، وذلك قبل ساعات من تنحية السفير الذي سبق أن أثار مشاكل عديدة في محاولته فرض أجندة بلاده على الإعلام الموريتاني.

نواكشوط - أكدت تقارير إعلامية عديدة أن الحكومة الموريتانية رفضت بشكل قاطع طلبا من الجزائر لفرض عقوبات على موقع موريتاني، في مؤشر على محاولة الجارة فرض أجندتها على الإعلام الموريتاني الرافض للمزاعم الجزائرية بخصوص الصحراء المغربية.

وذكرت مصادر إعلامية أن الطلب الجزائري جاء على لسان سفير البلاد في نواكشوط، محمد بن عطو الذي تمت إقالته بعد ساعات من اجتماع رسمي عقده في 30 ديسمبر الماضي مع وزير الاتصال الموريتاني، زعم خلاله أن الموقع ينتهج خطا معاديا لبلاده.

ويتعلق الأمر بموقع “أنباء.إنفو” الإخباري التحليلي الذي يحافظ على نهجه التحريري المستقل وينتقد السياسات الجزائرية، رغم ما يتعرض له من ضغوط وحرمان من الدعم المالي والإعلانات الحكومية، ويواصل تغطية القضايا الإقليمية والدولية بطريقة مستقلة لا تخضع لأجندات الحكومات.

ورغم محاولات السفير السابق الضغط على السلطات الموريتانية لاتخاذ إجراءات ضد الموقع، فقد أبدى المسؤولون موقفا واضحا برفض التدخل في حرية الإعلام، حيث أكد وزير الاتصال الموريتاني أن الحكومة ليست لديها صلاحية لإغلاق الصحيفة أو معاقبتها، مشيرا إلى أن الجزائر يمكنها اللجوء إلى القضاء الموريتاني إذا رأت أن هناك تجاوزات تستدعي المحاسبة، إلا أن هذا الرد لم يرض السفير الجزائري، الذي هدد باتخاذ “إجراءات” ضد الموقع.

وأوردت وسائل إعلام أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد؛ حيث قدمت وزارة الخارجية الموريتانية شكوى رسمية إلى السلطات الجزائرية بشأن تصرفات السفير، ما يعكس استياء نواكشوط من التدخل والنهج التصعيدي الذي تبنته الجزائر تجاه وسائل الإعلام الموريتانية.

تغيير السفير بعد ساعات من إثارته المشكلة واجتماعه مع وزير الاتصال الموريتاني، ربما يكونان من بين الأسباب الرئيسية لتنحيته

ولم يصدر تأكيد رسمي بشأن شكوى وزارة الخارجية، لكن هناك من ألمح بأن تغيير السفير بعد ساعات من إثارته المشكلة واجتماعه مع وزير الاتصال الموريتاني، ربما يكونان من بين الأسباب الرئيسية لتنحيته.

وسبق للعلاقات الموريتانية – الجزائرية أن عرفت توترات بسبب تدخل مسؤولين جزائريين في شؤون الإعلام الموريتاني، حيث أدلى السفير نفسه في نوفمبر سنة 2023 بتصريحات علنية اتهم فيها وسائل إعلام موريتانية بأنها “موالية لدولة معادية”، في إشارة واضحة إلى المغرب، مدعيا أن هذه الوسائل الإعلامية يتم “تجنيدها” عبر وسائل غير مشروعة، مثل تقديم تأشيرات سفر ورشاوى مالية.

وكان بن عطو قد طالب السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية في موريتانيا باتخاذ إجراءات ضد وسائل إعلام محلية، ورغم ذلك فإن الحكومة الموريتانية اتخذت موقفا للدفاع عن استقلالية الإعلام، مع معاقبة وسائل إعلامية في بعض الحالات التي اعتبرت أنها تجاوزت الحدود.

وسبق أن استجابت السلطة الموريتانية لشكوى السفير دون أن تغلق الموقع كما يريد، بل اكتفت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية في موريتانيا (هيئة حكومية) توبيخ موقع “أنباء إنفو”، وأصدرت ضده عقوبة.

الخارجية الموريتانية قدمت شكوى رسمية للسلطات الجزائرية بشأن تصرفات السفير، ما يعكس استياء نواكشوط من النهج التصعيدي الذي تبنته الجزائر تجاه وسائل الإعلام الموريتانية

وجاء القرار ضد موقع “أنباء إنفو” ضمن وثيقة صادرة عن هيئة السلطة العليا للصحافة تحمل توقيع رئيس الهيئة بتاريخ 9 مارس2024. واتهمت الوثيقة موقع “أنباء إنفو” الذي تأسس عام2007 بنشر خبر تضمن إساءة مقصودة وتحاملا وتحريضا مكشوفين ضد حكومة الجزائر.

غير أن صحافيين موريتانيين استنكروا ممارسات السلطات الجزائرية ممثلة بالسفير ومحاولة السيطرة والهيمنة على إعلامهم معتبرين أن ما قام به السفير الجزائري خرجة غير مسبوقة وفريدة من نوعها في الممارسة الدبلوماسية، وذلك بعد أن نشر بن عطو بيانا صحافيا يهاجم فيه الإعلام الموريتاني بشدة.

واعتبر الصحافيون أن بيان السفير “يكشف عدم احترامه حتى للبلد المعتمد لديه، وقد تجاوز كل الحدود، ليس فقط في صلاحياته، ولكن أيضا حدود اللياقة بشكل عام.”

وأضافوا أن “هذا السفير، الذي لا يعلم ربما أنه توجد قنوات حضارية للرد على المقالات الصحفية، مثل التوضيح أو حق الرد، ظن نفسه أنه في أرضه واختار إهانة وسائل الإعلام الموريتانية بإطلاق أقذع الأوصاف.”

واشتكى بن عطو في بيانه مما سماه “سلسلة مقالات مستوحاة من شبكات غامضة لمكتب دبلوماسي لبلد معروف بكراهيته للجزائر، ويريد بكل الوسائل إفشال ومضايقة التعاون الجزائري الموريتاني.”

صحافيون موريتانيون استنكروا ممارسات السلطات الجزائرية ممثلة بالسفير ومحاولة السيطرة والهيمنة على إعلامهم

ولم يتم ذكر وسائل الإعلام المتهمة ولا البلد “المعروف بكراهيته للجزائر” بالاسم، ولكن البيان الصحفي وصف صحافيين موريتانيين بأنهم فاسدون و”مرتزقة” في “عبودية مخزية” لبعثة دبلوماسية في نواكشوط، التي تدفع لهم “رشى وتمنحهم تأشيرات سفر مجانية ورحلات سياحية وأظرفة مالية” مقابل “مقالات كاذبة تزور الحقائق.”

واعتبر مراقبون أن السفير تجاهل كل القنوات الرسمية الموريتانية التي كان ينبغي له أن يتوجه إليها مباشرة وعلى سبيل الأولوية، سواء كانت وزارة الخارجية، وهي المحاور الرئيسي للبعثات الدبلوماسية الأجنبية، أو وزارة الاتصال الوصية على القطاع، أو الهيئة العليا للصحافة والقطاع السمعي البصري، المشرف على تنظيم قطاع الإعلام المحلي.

وأضافوا أن توزيع بيان صحفي مباشرة على نفس وسائل الإعلام التي ينتقدها، يكشف ازدراء السفير الجزائري لموريتانيا، التي ينظر إليها على أنها ليست أقل من ولاية جزائرية أخرى، كما يصفها بعض المسؤولين.

والمفارقة أن البيان يصف كتابات الإعلام الموريتاني بأنها “تدخل خارجي في المشهد الإعلامي لدولة ذات سيادة، في بلد يضمن اليوم حرية الصحافة.” وذهب إلى القول إن وسائل الإعلام هذه “ليست لها مصداقية أو تأثير في الرأي العام” الموريتاني وبأنها “أبواق تابعة ولا تخدم سوى الأنا المتضخمة لرئيس التحرير في نواكشوط.”

وذكر متابعون أن استنفار السفير السابق جاء بعد نشر العديد من المقالات طوال الأسبوع الماضي في مختلف الصحف والمواقع الموريتانية التي تتحدث عن معرض المنتجات الجزائرية الذي أقيم هذه الأيام في نواكشوط. حيث استهدفت الانتقادات بشكل أساسي الاستبعاد الفاضح لفاعلين موريتانيين في تنظيم الأحداث والحفلات. وذهبت صحيفة إلى حد القول بأن الجزائريين قد احتقروا الفاعلين الاقتصاديين الموريتانيين لدرجة أنهم لم يتركوا لهم سوى “علب القمامة وغيرها من المخلفات من المعرض” لجمعها.

وفي انتظار رد فعل السلطات الموريتانية على هذا البيان الذي يسيء إلى البلاد وصحافتها، سارعت وسائل الإعلام التابعة للنظام الجزائري إلى الإشادة به وتضخيمه، متهمة بدورها المواقع الموريتانية بالخضوع لدولة أخرى في إشارة إلى المغرب. وتجاهلت واقعة أبريل 2015 المتعلقة بالمستشار الأول للسفارة الجزائرية في موريتانيا بلقاسم شرواطي. فقد تم طرد هذا الأخير من موريتانيا بعد ضبطه متلبسا بنشر مقال في أعمدة موقع موريتاني، اعتبرته السلطات في نواكشوط ضارا بالعلاقات المغربية الموريتانية الجيدة.

5