موريتانيا الناجية من اضطرابات الساحل بوابة عبور للمهاجرين إلى أوروبا

الحكومة وجهت نسبة كبيرة من قواتها الأمنية لإدارة تدفق اللاجئين ما يضعف الاستجابة للتحديات الأمنية.
الأربعاء 2024/11/06
موريتانيا محطة عبور المهاجرين للوصول إلى جزر الكناري الإسبانية

نواكشوط - شهدت موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة موجة “غير مسبوقة” لمهاجرين غير نظاميين ولاجئين أفارقة حالمين بالعبور نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل وهربا من نزاعات مسلحة وأزمات اقتصادية تهز بلدانهم، ما جعل بروكسل معنية بحل الإشكالات التي تواجهها نواكشوط بهذا الشأن.

وباتت شواطئ مدينتي نواكشوط ونواذيبو، وجهة مفضلة للآلاف من المهاجرين، غالبيتهم من بلدان الساحل ومنطقة غرب أفريقيا، نظرا لموقعها الجغرافي القريب من جزر الكناري الإسبانية في عرض المحيط الأطلسي. ويعتمد تجار تهريب المهاجرين على زوارق خشبية مشابهة تماما لتلك التي تستخدم على نطاق واسع في الصيد التقليدي في موريتانيا، ما يصعب من مراقبتهم وتعقبهم.

ويرى محمد الأمين ولد خطاري، رئيس “المرصد الأطلسي الساحلي للهجرة”، أن موريتانيا كانت بلد عبور شبه دائم بطريقة لا تثير القلق بالشكل الذي أصبحت عليه خلال السنوات الأخيرة. ولفت في حديثه للأناضول إلى أن أبرز عوامل موجات الهجرة الأخيرة إلى موريتانيا تتمثل في ما تعانيه دول منطقة الساحل وحتى منطقة القرن الأفريقي من اضطرابات أمنية وحروب أهلية.

وأشار إلى أن مدينة باسكنو جنوب شرق موريتانيا تحولت إلى “ثاني أكبر تجمع سكاني في البلد بعد العاصمة نواكشوط، بسبب استضافتها مئات الآلاف من اللاجئين من دولة مالي وحدها”. وتستضيف موريتانيا نحو 120 ألف لاجئ من مالي، يتركز غالبيتهم في مخيم “أمبره”، وفق وسائل إعلام محلية. ويعتبر ولد خطاري أن “حالة الاستقرار في موريتانيا التي تصنف أوروبيا بأنها الناجي الوحيد من سلسلة الاضطرابات التي ضربت منطقة الساحل، جعلها وجهة مفضلة للمهاجرين واللاجئين”.

محمد سالم ولد مرزوك: تزايد تدفق المهاجرين تسبب في تحديات كبيرة تؤثر سلبا على التعايش السلمي
محمد سالم ولد مرزوك: تزايد تدفق المهاجرين تسبب في تحديات كبيرة تؤثر سلبا على التعايش السلمي

وأوضح أن “قرب شواطئ موريتانيا من جزر الكناري الإسبانية جعل الكثير من المهاجرين الأفارقة وحتى الآسيويين يفضلونها كمحطة عبور”. وسجلت الأشهر الأخيرة تزايدا كبيرا في أعداد المهاجرين واللاجئين ممن وصولوا الأراضي الموريتانية إما لغرض الإقامة أو للعبور إلى أوروبا.

وقال وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، إن بلاده تستضيف حاليا 400 ألف شاب مهاجر من بلدان الساحل الأفريقي وحدها، وهو ما يمثل 10 بالمئة من سكان موريتانيا البالغ نحو 5 ملايين نسمة. وأشار ولد مرزوك في تصريح صحفي بتاريخ 27 أكتوبر الماضي إلى أن مخيم “أمبره” الذي أقامته السلطات بمدينة باسكو (جنوب شرق) لاستضافة اللاجئين “بلغ أقصى طاقته الاستيعابية”.

وأوضح أن “الاكتظاظ الحاصل في المخيم دفع اللاجئين الجدد للتوجه إلى قرى أخرى جنوب شرق البلاد، وهي قرى متضررة أصلا من تأثيرات التغيرات المناخية”. وحذر الوزير من أن تزايد تدفق المهاجرين نحو بلاده “تسبب في تحديات كبيرة تؤثر سلبا على التعايش السلمي وتوفير المياه والصرف الصحي والمأوى والغذاء”.

ولفت إلى أن الحكومة وجهت نسبة كبيرة من موارد قواتها الأمنية لإدارة تدفق اللاجئين والمهاجرين “ما يؤثر على قدرتهم على الاستجابة للتحديات الأمنية الأخرى”. وفي ذات السياق، نبه وزير الدفاع حننه ولد سيدي، إلى أن تدفق المهاجرين واللاجئين نحو بلاده وصل إلى “عتبة حرجة”.

وأشار في تصريحات عقب مباحثات في نواكشوط مع نظيرته الإسبانية مارغريتا روبليس، في 29 أكتوبر الماضي، إلى أن “تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة يؤدي إلى تكثيف تدفق المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون من موريتانيا نحو إسبانيا”. واعتبر ولد خطاري أن مختلف التوقعات تشير إلى أن أعداد المهاجرين واللاجئين ستزداد خلال الفترة القادمة.

وأوضح أن موريتانيا تمكنت خلال العام 2023 من ترحيل 6500 مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم الأصلية، مشيرا إلى تضاعف العدد خلال الأشهر الماضية من العام 2024، موضحا أن السلطات الموريتانية رحلت 12 ألف مهاجر غير نظامي، ما يعني تضاعف عددهم بشكل مخيف”.

واستجابة للتدفق المتزايد للمهاجرين كثف خفر السواحل الموريتاني خلال الأشهر الأخيرة من دورياته في المياه الإقليمية للبلاد، والتي أسفرت عن توقيف عشرات القوارب المحملة بالمهاجرين أثناء عبورهم المياه الموريتانية نحو أوروبا. وعثر خفر السواحل في 31 أكتوبر الماضي على قارب قبالة شاطئ نواكشوط وعلى متنه 102 من المهاجرين بعد تعطله قبل ثلاثة أيام.

◙ شواطئ مدينتي نواكشوط ونواذيبو باتت وجهة مفضلة للآلاف من المهاجرين غالبيتهم من بلدان الساحل ومنطقة غرب أفريقيا

وقبل ذلك بيومين، أوقف خفر السواحل الموريتاني 81 مهاجرا على شاطئ نواذيبو، غالبيتهم يحملون الجنسية السنغالية. وفي 25 يوليو الماضي انتشل خفر السواحل الموريتاني 25 جثة لمهاجرين غير نظاميين، وتمكن من إنقاذ 103 آخرين، إثر غرق قاربهم قبالة سواحل العاصمة نواكشوط.

وقبل ذلك بنحو أسبوعين، عثر خفر السواحل أيضا على جثث 87 مهاجرا قرب شواطئ مدينة أنجاكو أقصى جنوب غرب البلاد. وسبب التدفق المستمر للمهاجرين غير النظاميين إلى موريتانيا ومنها إلى أوروبا، قلقا كبيرا للحكومات الأوروبية، وتحديدا إسبانيا.

ولمحاولة احتواء موجة الهجرة غير النظامية، كثف مسؤولون أوروبيون من زياراتهم لنواكشوط خلال الفترة القصيرة الماضية، كان آخرها لوزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس، في 29 أكتوبر، حيث التقت مسؤولين موريتانيين وبحثت معهم خططا للتصدي للمهاجرين. وجاءت زيارة وزيرة الدفاع الإسبانية بعد نحو شهرين من زيارة أخرى لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، للغرض ذاته.

وقبل ذلك في فبراير الماضي، زار سانشيز رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، نواكشوط وأعلن في ختام زيارته تقديم مساعدات بقيمة 522 مليون يورو لموريتانيا لتعزيز تنميتها الاقتصادية والتصدي للهجرة غير النظامية.

ونوه ولد خطاري أن الجانب الأوروبي وخاصة الإسباني بات يأخذ على محمل الجد حالة الضغط التي تعيشها موريتانيا جراء التدفق غير المسبوق للمهاجرين إلى أوروبا. وأضاف “في هذا السياق تأتي الزيارات المتتالية للمسؤولين الإسبان إلى موريتانيا، فمدريد أصبحت بوابة نواكشوط نحو بروكسل، حيث تعمل إسبانيا على التواصل مع أوروبا لحل الإشكالات التي تطرحها موريتانيا بخصوص الهجرة غير النظامية”.

وأشار إلى أن الأوروبيين باتوا يدركون أن موريتانيا “لا تستطيع منفردة مواجهة موجات الهجرة”، لكنه أكد أن الطرف الموريتاني “لا يبدو راضيا عن حجم الدعم الذي تقدمه أوروبا لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين”. وترتبط موريتانيا باتفاقيات في مجال التصدي للهجرة غير النظامية مع عدة دول أوروبية، وخصوصا إسبانيا.

4