مودي في السعودية وشراكة استراتيجية شاملة تتعزز بدعم الدفاع والطاقة

جدة - يزور رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، المملكة العربية السعودية اليوم الثلاثاء في مسعى لتعزيز العلاقات الثنائية المتنامية بين البلدين في مختلف المجالات الحيوية، وعلى رأسها الدفاع والطاقة والتجارة والاستثمار.
وتأتي هذه الزيارة، التي تستغرق يومين، بدعوة رسمية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتؤكد على عمق الروابط التاريخية والطموحات المشتركة بين نيودلهي والرياض.
وفي مقابلة مع صحيفة "عرب نيوز" اليوم الثلاثاء، عشية لقائه المرتقب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أكد على انفتاح بلاده على شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص السعودي في مجال الصناعات الدفاعية المتطورة، مشيراً إلى أن بعض هذه الصناعات الهندية تصدر بالفعل منتجاتها إلى المملكة.
وعبّر مودي عن تفاؤله بمستقبل التبادل التجاري بين البلدين، متوقعا نموا إضافيا مدعوماً بالاتفاق المرتقب حول معاهدة الاستثمار الثنائي.
وكشف عن دراسة جدوى مشتركة لمشروعات ضخمة في قطاعي المصافي والبتروكيماويات، وهما قطاعان حيويان لكلا الاقتصادين، مؤكدا على العمل الحالي لربط شبكات الكهرباء بين البلدين في إطار مبادرة الممر الاقتصادي الطموح الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.
وأشار مودي إلى أن العلاقات الهندية السعودية راسخة الجذور وتمتد لقرون من التبادل الحضاري، وقد شهدت نمواً تصاعدياً منذ عام 2014، وصولاً إلى إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية في عام 2019 الذي وصفه بـ"المحطة البارزة" في تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
وأكد على أن الثقة وحسن النية المتبادلة ترسخ هذه العلاقة في وجه التحديات العالمية، مشيداً بدور القيادة السعودية الرشيدة في تعزيز هذه الشراكة.
وأعرب رئيس الوزراء الهندي عن إعجابه العميق بشخصية ورؤية ولي العهد السعودي، مشيراً إلى "رؤيته الثاقبة وتفكيره الاستشرافي وشغفه بتحقيق تطلعات شعبه". كما أشاد بالتحول النوعي الذي تشهده السعودية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في عهد الأمير، والإصلاحات "التي تخطّت توقعات المنطقة لتسحر العالم بأسره" في إطار تحقيق أهداف رؤية 2030.
واستذكر مودي باعتزاز اللحظة التي منحه فيها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وسام الملك عبدالعزيز في عام 2016، معتبرا إياها علامة فارقة في مسار العلاقات الثنائية.
وأكد مودي أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين "قديمة قدم الرياح الموسمية" وتستند إلى القرب الجغرافي والتكامل الاقتصادي. وأشار إلى نمو التبادل التجاري في قطاعات الطاقة والزراعة والأسمدة، وتعزيز الشراكات الاستثمارية بين الشركات الهندية والسعودية، حيث تلعب المملكة دور الشريك الرائد في مجال الطاقة، بينما تساهم الهند في الأمن الغذائي للمملكة.
كما دعا الشركات السعودية للاستفادة من الفرص الهائلة في الهند في قطاعات البنية التحتية والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة والرعاية الصحية والابتكار، مؤكداً على أهمية تعزيز الشراكات الثنائية بين الشركات لدعم النمو الاقتصادي المشترك.
وأكد مودي على أن الطاقة كانت وستظل ركيزة أساسية للشراكة الاقتصادية، مشيداً بدور السعودية كشريك قوي وموثوق في مجال إمدادات النفط. وأشار إلى اتفاق البلدين على أن التعاون في هذا المجال يتجاوز البيع والشراء ليشمل دراسة إمكانية تنفيذ مشاريع مشتركة في مصافي النفط والبتروكيماويات، بالإضافة إلى التعاون في مجال التحول الأخضر والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وفي مجال الدفاع، لفت مودي إلى النمو المستمر في التعاون والزيادة في التدريبات المشتركة، مؤكداً على أن تنامي هذا التعاون يعكس ثقة متبادلة والتزاماً مشتركاً بالاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات الأمنية. وأشار إلى التقدم في مكافحة الإرهاب والتطرف وتمويل الإرهاب وتهريب المخدرات والأمن السيبراني، بالإضافة إلى المناورات البرية والبحرية المشتركة، ودعم تعميق التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، حيث أصبحت الهند مورداً مهماً للمعدات الدفاعية، معرباً عن سعادته بتلبية بعض احتياجات القوات المسلحة السعودية والترحيب بالاستثمارات السعودية في هذا القطاع في الهند.
وأكد على الأهمية الاستراتيجية لمبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، التي أُطلقت في نيودلهي عام 2023 بحضور ولي العهد السعودي، معتبراً أنها سترسم مستقبل الترابط والنمو في المنطقة وستكون بمثابة "طريق الحرير الجديد للقرن الحادي والعشرين". وأكد التزام الهند بالعمل مع السعودية وشركائها لتحقيق رؤية هذا الترابط الشامل.
وتأتي زيارة مودي إلى السعودية بعد يوم واحد من محادثات رفيعة المستوى أجراها مع نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس في الهند.
وتسعى نيودلهي إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع واشنطن وتجنب فرض رسوم جمركية عقابية محتملة، مما يضفي بعدا إضافيا على أهمية تعزيز الشراكة مع الرياض كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية.
وتُعد السعودية موردا رئيسيا للنفط إلى الهند، التي تعتبر أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وذلك منذ سنوات طويلة.
ويعتمد اقتصاد الهند سريع النمو بشكل كبير على واردات النفط، وتصنف السعودية كثالث أكبر مورد للنفط إلى الهند وفقا لوزارة الخارجية الهندية.
كما تستضيف المملكة الخليجية أكثر من مليوني مواطن هندي، لعبوا دورا محوريا في سوق العمل السعودي وساهموا بشكل كبير في تنفيذ العديد من المشاريع الضخمة في البلاد، بالإضافة إلى تحويل مليارات الدولارات سنوياً إلى بلادهم.
وخلال زيارته التي تستغرق يومين، من المقرر أن يلتقي مودي بأفراد من الجالية الهندية المقيمة في المملكة، وهو ما يعكس الاهتمام المتبادل بالعلاقات الشعبية والثقافية بين البلدين.
ويُذكر أن كلا من ناريندرا مودي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد عززا علاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى.
وفي سياق متصل، أُعلن ترامب عن زيارة مرتقبة إلى السعودية الشهر المقبل، والتي ستكون أول رحلة خارجية له في ولايته الرئاسية الثانية، مما يضيف بعدا جيوسياسيا مهما لهذه الزيارة.
وتعكس زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى السعودية عمق العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين. وتشمل هذه الشراكة مجالات حيوية مثل الدفاع والطاقة والتجارة والاستثمار، بالإضافة إلى الروابط الثقافية والاقتصادية التي تربط شعبي البلدين.
ومع التوجهات الاقتصادية والسياسية المتغيرة على الساحة الدولية، يبدو أن الهند والسعودية تسعيان إلى تعزيز تعاونهما المشترك كقوتين اقتصاديتين وإقليميتين لهما ثقل كبير على الساحة العالمية.
ومن المتوقع أن تسفر هذه الزيارة عن مزيد من الاتفاقيات والمشروعات المشتركة التي ستعزز هذه الشراكة الاستراتيجية في المستقبل القريب.