موديز تضع الجدارة الائتمانية لتونس تحت المراقبة السلبية

الوكالة تخفّض تصنيفات الحكومة للعملتين الأجنبية والمحلية على المدى الطويل إلى سي.أي.أي 1 من سي.أي.أي 2.
الاثنين 2023/01/30
منعطف خطر

قوبل خفض النظرة المستقبلية للاقتصاد التونسي إلى سلبية، وهي درجة خطرة، بسبب احتمال تخلف البلد عن سداد ديونه، بموجة انتقاد من الأوساط الاقتصادية التي دعت السلطات مرة أخرى إلى وقف نزيف هذه المشكلة قبل أن تخرج عن السيطرة.

تونس - لوّحت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية بأنها قد تخفض تقييمها بشكل أكبر للاقتصاد التونسي بسبب المخاطر، التي تؤثر على التوازنات المالية المختلة أصلا وتجعل البلد في دائرة التخلف عن الوفاء بالقروض مع التباطؤ في تنفيذ برنامج الإصلاحات.

وفي أحدث تقاريرها، وضعت الوكالة تونس تحت المراقبة السلبية وخفضت جدارتها الائتمانية إلى مستوى مرتفع للمخاطر لتعزو ذلك إلى شّح الأموال، وارتفاع الديون وضعف مقاييس القدرة على تحملها، فيما يبدو أن عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية مرشحة للتفاقم.

وجاء نشر التقييم قبل ساعات من ذهاب التونسيين إلى صناديق الاقتراع خلال الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية بعد تسجيل نسبة مشاركة ضئيلة في الجولة الأولى لم تحسم من هم النواب الجدد.

وخفضت موديز تصنيفات الحكومة للعملتين الأجنبية والمحلية على المدى الطويل إلى سي.أي.أي 1 من سي.أي.أي 2، كما خفضت تصنيف البنك المركزي للديون غير المضمونة إلى سي.أي.أي 2 وغيرت التوقعات إلى سلبية.

وكالة موديز: عدم توفر تمويل يزيد من مخاطر التخلف عن سداد الديون
وكالة موديز: عدم توفر تمويل يزيد من مخاطر التخلف عن سداد الديون

وقال خبراء الوكالة إن التقييم “يدل على عدم وجود تمويل شامل حتى الآن لتلبية احتياجات التمويل الكبيرة للحكومة، وهو ما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد إلى درجة لم تعد تتناسب مع تصنيفها” السابق.

وحتى اليوم، لم تتمكن تونس من تأمين برنامج إصلاحات اقتصادية جديد مع صندوق النقد الدولي، يرافقه قرض مالي بقيمة ملياري دولار، رغم التوصل إلى اتفاق في أكتوبر الماضي.

وأدى هذا التأخر في الاتفاق النهائي مع الصندوق، إلى تفاقم وضع التمويل الصعب بالفعل، وتفاقم الضغوط على كفاية احتياطي النقد الأجنبي في تونس، بحسب وكالة التصنيف.

وتقدر موديز أن التوترات السياسية والمخاطر الاجتماعية الكبيرة، تفسر جزئيا وصول تونس إلى مثل هذا المنعطف الحرج.

وتعكس التوقعات السلبية وجهة نظر الوكالة، بأنه ما لم تتحسن آفاق التمويل الخارجي في الوقت المناسب، فإن احتمال التخلف عن السداد قد يرتفع إلى ما هو أبعد مما يتوافق مع تصنيف سي.أي.أي 2.

ومن شأن المزيد من التأخير المطول في تأمين برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، “أن يؤدي إلى تآكل احتياطيات النقد الأجنبي من خلال سحب مدفوعات خدمة الدين”.

وحدة إدمان تونس على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية تصاعدت بشكل لافت منذ 2013 فقد كانت تأمل في إحداث اختراق في جدار مشكلاتها الكثيرة بغض النظر عن التكاليف الباهظة لجبل الديون، الذي ما فتئ يكبر مع مرور الوقت، لكنها لم تفلح.

وتعطي البيانات التي أظهرها تقرير نشرته وزارة المالية والاقتصاد العام الماضي نظرة فاحصة بشأن التحديات، التي تواجه تونس من أجل الالتزام بسداد القروض وفوائدها، والتي تشكل عائقا أمام نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وأشار التقرير إلى أن الدين العام بلغ نحو 105.7 مليارات دينار (35 مليار دولار). وهو يتوزع بين دين داخلي بقيمة تبلغ 14.4 مليار دولار، ودين خارجي بقيمة 21.57 مليار دولار.

موديز خفّضت تصنيف البنك المركزي للديون غير المضمونة إلى سي.أي.أي 2 وغيرت التوقعات إلى سلبية

وكالعادة، انبرت أوساط اقتصادية بعد هذه الهزة المقلقة إلى التحذير من عواقب تقاعس الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الموعودة، فيما ربطه آخرون بتأخر حصول تونس على تمويل من المؤسسة المالية الدولية المانحة.

وحذر الخبير الاقتصادي معز حديدان في تصريح لإحدى الإذاعات المحلية من أن بلاده دخلت مع هذا التصنيف منعطفا خطرا قبل بلوغ مرحلة عدم الوفاء ببعض تعهداتها المالية، وأن الأمر يحتاج إلى إطلاق الإصلاحات فورا.

أما عبدالقادر بودريقة، وهو أستاذ المالية بالجامعة التونسية فأشار في تصريحات إعلامية إلى أن هذه الخطوة هي نتيجة لعدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد وتأكيد لحالة المراقبة التي وضعت الوكالة تحتها تونس منذ أكتوبر الماضي.

ولا تبدو هذه المواقف غريبة خلال أكثر من عقد من الزمن، حيث يشعر الكثيرون بإحباط متزايد بسبب الانحدار في مستويات المعيشة، والذي زاد من حدّته نقص المواد الغذائية في أعقاب اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل نحو عام.

كما أن خطة الإنقاذ المحتملة من صندوق النقد، قد تصاحبها تخفيضات في الإنفاق الحكومي ومصاعب اقتصادية إضافية، علما وأنه من غير الواضح حتى الآن مدى سرعة تدفق الأموال.

واستنادا إلى نمو مُقدر بحوالي 2.5 في المئة خلال العام الماضي، فإن حجم الاقتصاد التونسي مازال يصغُر عما كان عليه قبل 2011، وفي حين زاد عدد السكان إلى قرابة 12 مليون نسمة، فإن خمسهم يعيشون في الفقر، وفق التقديرات الرسمية.

Thumbnail

وتعرض الاقتصاد لعدة ضربات على مدى السنوات الماضية، حيث تسببت اضطرابات سياسية وهجمات مسلحة في الإضرار بقطاع السياحة الحيوي، حتى قبل بزوغ تحديات أخرى مثل جائحة كورونا وشح السلع العالمية بفعل حرب أوكرانيا.

ويرجح البعض أن يتسبب التضخم في المزيد من الألم للتونسيين هذا العام، بعد أن اجتاز مؤشر أسعار الاستهلاك عتبة العشرة في المئة، وهو أعلى مستوى له في ثلاثة عقود.

كما شهدت الأسواق التجارية نقصا، بشكلٍ متقطع، في المواد الغذائية الرئيسية على مدار الاثني عشر شهرا الماضية. وفي وقت سابق من يناير الحالي، أرسلت ليبيا القمح والأرز والسكر كمساعدة.

وتعكس المؤشرات، التي ساقها خبراء موديز من أن تخلف تونس عن سداد ديونها، وهو أمر قد يبدو بالنسبة إلى بعض المحللين، مستبعدا إلى حد كبير على مدى 12 شهرا مقبلة، قد يكلف القطاع المصرفي ما يصل إلى ثمانية مليارات دولار، أمرا غاية في الأهمية.

والسبب في ذلك أن النظام المالي قد يتضرر في خضم الوضع الاقتصادي القائم، إذ أن تكلفة التخلف عن السداد بالنسبة إلى البنوك ستوازي 102 في المئة من إجمالي حقوق الملكية للنظام المصرفي التونسي، وهو ما يعني غرق البلد في متاهة هي في عنى عنها.

وبمعنى آخر فإن الدولة لو التجأت إلى الاقتراض من البنوك المحلية حتى تسدد الديون الجديدة، التي قد تحصل عليها فقد يؤثر ذلك على القطاع المالي لأن الحكومة مطالبة أصلا بتفادي هذه الفرضية.

وحتى لو نجحت في مساعيها فإن المركزي ربما يقف عائقا أمام حصول الدولة على أموال من البنوك كما حصل في عام 2020 حينما اعترض المحافظ مروان العباسي على تقديم تمويل عاجل للحكومة لسداد ديون قديمة.

11