موجة تضامن مع مؤدي أغنية ساخرة من الشرطة في تونس

الرئيس التونسي يرفض أي مبرر لاعتقال شابين وحرمانهما من الامتحانات.
الجمعة 2023/05/19
محاولات لاستعادة السطوة

انتشرت أغنية ساخرة من الشرطة التونسية على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم بعد اعتقال أصحابها لفترة وجيزة قبل الإفراج عنهم ورفض الرئيس التونسي قيس سعيد لهذا الاعتقال.

تونس - تحول ثلاثة شباب تونسيين إلى نجوم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد احتجاز اثنين منهما ثم الإفراج عنهما بسبب أغنية ساخرة من الشرطة، تضمنت انتقادات لاذعة لحملة الإيقافات التي تطال مستهلكي المواد المخدرة والفساد بأجهزة الأمن.

ووصلت الضجة التي أثيرت حول الشباب إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي وصف قرار القضاء توقيف شابين من طلبة الجامعات بسبب نشرهما أغنية ساخرة بأنه “أمر غير مقبول”. وقال سعيد في تصريحات له الخميس مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في القصر الرئاسي “نحترم القضاء المستقل. ليس هناك أيّ مبرر على الإطلاق لاعتقال طلبة وهم يستعدون لإجراء الامتحانات”.

وتابع “ما حصل غير مقبول وعلى القضاة الشرفاء أن يتصدوا لمثل هذه التجاوزات”. ونشر شبان هذا الأسبوع أغنية على تيك توك وفيسبوك ويظهرون فيها وهم يضحكون ويرددون أغنية ساخرة بعنوان “مرة في حينا زارنا الحاكم (الشرطي)”، تنتقد معاملة الشرطة للموقوفين وقانون المخدرات.

مراقبون اعتبروا أن اعتقال الشباب من قبل قوات الأمن جاء بدافع محاولتهم إعادة الهيبة لرجل الأمن الذي كان يثير الخوف والرهبة في نفوس المواطنين قبل الثورة

وبعد أيام قليلة من رواج الأغنية، أوقفت الشرطة الشابين ضياء نصير ويوسف شلبي فيما كانت تبحث عن ثالث، فيما حظي الطالبان اللذان يستعدان لاجتياز الاختبارات الجامعية، بحملة تضامن واسعة.

وأثار اعتقال الشابين غضبا واسعا بين النشطاء والمدونين الذين أعادوا نشر الأغنية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #سيّب الشّبيبة_تغنّي، (اترك الشباب يغنون) تعبيرا عن التضامن معهما، لتلاقي الأغنية انتشارا واسعا. وقال مدون فى فيسبوك:

أسامة سكمة

تم الإفراج عن شباب نابل أصحاب الأغنية الهزلية مرة في حينا زارنا الحاكم في الليل اللي تقلقت منها الداخلية، تحية لكل نفس مازال حر في البلاد واللي ساندوا الشباب بكلمة أو حتى بتبديل صورة بروفيل ولا عزاء للطبابلية والزكاكرية والمتسلقين و المتلونين..

وقال عضو من هيئة الدفاع عن الشابين، إن محكمة نابل قبلت طلب الإفراج عنهما الخميس. فيما ذكرت مصادر أن السلطات ستفتح تحقيقا في ملابسات عملية التوقيف.

وجاء الإفراج بعد يوم واحد من إصدار النيابة العامة في تونس، أمرا بالسجن في حق الطالبين.

وقال شوقي الحلفاوي رئيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بمدينة نابل في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية، إنّ “النيابة العمومية بنابل قررت الأربعاء إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد طالبين على خلفية ما عرف بفيديو الراب (نمط موسيقي) على فيسبوك”.

وتابع الحلفاوي وهو أيضا رئيس لجنة الدفاع عن الطالبين، أن “هيئة الدفاع فوجئت بهذا القرار خاصة أن الأمر يتعلق بمجرد أغنية هزلية لمجموعة من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي”.

ووفق المصدر ذاته، فإن “التهمة الموجهة للشابين تتمثل في الإساءة للغير عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي”.

ويمثل الشابان يوم الثلاثاء القادم بموجب الفصل 86 من مجلة الاتصالات بتهمة الإساءة للغير ونسبة أمور غير حقيقية لموظف عمومي والتي تتراوح عقوبتها ما بين سنة وسنتين وفق ما أدلت به المحامية إيمان السويسي.

وكانت منظمات وجمعيات قد نددت بإيقافهم حيث عبرت الجمعية التونسية للمحامين الشبان عن تضامنها مع الطلبة الموقوفين، مؤكدة أن ما صدر عنهم “لا يعدو أن يكون مجرد مقطع هزلي لا يقيم في جانبهما أي جريمة”.

ونددت بـ”مثل هذه الممارسات التي طالت طلبة من شباب تونس في وقت يتأهبون فيه لاجتياز امتحانات آخر السنة”، منبهة من “مغبة استسهال تتبع المواطنين وإيقافهم لأسباب واهية في تكريس واضح وجلي لدولة البوليس وقمع الحريات”، حسب بيان صادر عنها.

واعتبر مراقبون أن اعتقال الشباب من قبل قوات الأمن جاء بدافع محاولتهم إعادة الهيبة لرجل الأمن الذي كان يثير الخوف والرهبة في نفوس المواطنين قبل الثورة، لكن بعد الثورة خسر هذه السطوة بسبب المكسب الأكبر للتونسيين وهو حرية التعبير.

وسبق أن أثارت محاولات تمرير مشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداء على الأمنيين جدلا كبيرا عام 2020، حيث عبّر التونسيون عن رفضه.

الأغنية التي أثارت ضجة تنتقد الحكم المشدد على استهلاك مادة القنب الهندي المخدرة، وهي شائعة على نطاق واسع في تونس وتعرف بالـ"الزطلة"

ويبدو أن تدخل الرئيس قيس سعيد ضد هذا الاعتقال أجهض محاولات إعادة السطوة، حيث قال في تصريحاته “على مجلس القضاء أن يقوم بدوره كاملا في ضمان العدل لكل التونسيين. هذه الاعتقالات التي تمت فضلا عمّا يحصل في دوائر أخرى غير مقبول بالمرة”. وتعهد الرئيس بحماية حرية التعبير والصحافة غداة إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد في 2021.

وندد ناشطون على مواقع التواصل باستغلال الحادثة لمآرب سياسية من قبل الأحزاب المعارضة للسلطة، وجاء في تدوينة:

هنا كندار، هنا سوسة

كلنا مع حرية التعبير وسيب الطلبة.

أما إلي يحاول يستغلها لفائدة حزبه لازم يراجع نفسه ألف مرة على الجرائم إلي عملوها في حق الشعب. أما لازمهم يعرفو حقيقتهم ويزيهم من محاولة الركوب على الأحداث وتأليب الرأي العام.

القضية هي حرية الطلبة إلي نطالبو بيها وإلي عندو أهداف سياسية يمركيها بعيد على قضايا أولاد الشعب.

#سيب_الطلبة

يشار إلى أن الأغنية التي أثارت ضجة تنتقد الحكم المشدد على استهلاك مادة القنب الهندي المخدرة، وهي شائعة على نطاق واسع في تونس وتعرف بالـ”الزطلة”، لكن العقوبات المجرمة لها مشددة، وتطالب منظمات حقوقية منذ سنوات بمراجعات جذرية لهذه العقوبات التي تهدد مصير الآلاف ممن يزاولون تعليمهم في الجامعات والمدارس ويقبعون اليوم في السجون.

5