موجة أف أم غيرت تاريخ الراديو لكن المستقبل للبث الرقمي

شركات إذاعية ألمانية تعتبر أن صناعة الراديو ستموت دون موجة أف أم.
الخميس 2019/02/28
حان وقت التغيير

على مدى سبعين عاما شكلت موجة أف أم الإذاعية قصيرة المدى ذاكرة المستمع الألماني، ورغم بداياتها التي كانت أقرب إلى الحل الطارئ.. إلا أنها استمرت وتفوّقت على غيرها من التقنيات، لكن التحول الرقمي سيكون لها بالمرصاد مثل جميع الميادين الإعلامية الأخرى.

ميونخ (ألمانيا) – بدأت قصة نجاح الراديو في ألمانيا قبل 70 عاما، عندما بدأت أول محطة إذاعية ألمانية تبث بموجة أف أم منطلقة في عام 1949 من ساحة إذاعة راديو بافاريا في ميونخ، وقد كان البث يتم من إحدى الثكنات.

قالت إذاعة بافاريا في تقريرها الأسبوعي “بدأ أول بث إذاعي في المنطقة الخاضعة للإدارة الأميركية باستخدام موجة أف أم في 28 فبراير، في تمام الساعة 30.16 من حي فرايمان بمدينة ميونيخ”، وكانت الإذاعة تستخدم الموجة 90.1 ميغا هيرتس.

ويقول هِلفين ليش، رئيس القسم الرئيسي للبث والمراقبة “في البداية كان البث عبر موجة أف أم أقرب إلى الحل الطارئ.. ولكن هذه التقنية تفوّقت على غيرها في ما بعد، لأنها كانت أكثر أمانا ضد الأعطال، وكان عرض النطاق أكبر، لذلك كان من الممكن عرض عدد أكبر من البرامج، فلو استمر البث على الموجتين المتوسطة والطويلة لما كان لدينا هذا التنوع”. وأصبحت جميع الترددات المتوفرة اليوم مشغولة بمئات البرامج الإذاعية.

وحسب ليش فإن عدد هذه البرامج يتراوح بين 250 و350 برنامجا، ولكن يبدو أن التردد البالغ القصر في سبيله للنهاية في ألمانيا، حيث يتوقع الخبراء المعنيون أن يحدث ذلك في الفترة بين 2025 و2028.

وتعود أسباب ذلك إلى أن الإذاعة الرقمية تنتشر بشكل واضح، حيث إن نحو 12.7 مليون شخص في ألمانيا يستطيعون الوصول إلى البث الإذاعي الرقمي، وذلك وفقا لتقرير الرقمنة الخاصة بالمؤسسات الإعلامية لشهر سبتمبر 2018، أي بزيادة قدرها 1.8 شخص عما كان عليه عام 2017. ويعلق شتيفان راوه، رئيس الإذاعة الألمانية على ذلك بالقول “مستقبل الراديو رقمي”.

محطات البث الإذاعي الرقمي تستطيع العمل بواحد بالمئة من الطاقة التي تعمل بها محطات أف أم والمزيد من التنوع

وحسب ليش “يرى البعض أن الراديو الرقمي يتناسب بشكل أفضل مع عالم الإعلام اليوم حيث أصبح الناس أكثر انتقاء اليوم في ما يتعلق بذوقهم الموسيقي”، مضيفا “فلم يعد البرنامج الإذاعي الذي يدمج العديد من أنواع الموسيقى، يحظى اليوم بنفس الاهتمام الذي كان يحظى به سابقا”.

ويتفق أستاذ الصحافة الألماني، كلاوس ماير، من الجامعة الكاثوليكية بمدينة إيششتيت إنجولشتات مع هذا الرأي، قائلا “تراجع استخدام البرامج الإذاعية سابقة لدى الشباب بالذات”، مشيرا إلى أن 80 بالمئة من الشباب في سن 14 إلى 29 عاما كانوا قبل 20 عاما يستمعون إلى الراديو، في حين تراجع هذا العدد حاليا إلى نحو الثلثين “ولا يعني ذلك أن الشباب لا يسمعون الراديو على الإطلاق، حيث أن نسبة الثلثين لا تزال تعنى بالراديو، ولكنهم يتجهون أكثر إلى الإذاعة الحية عبر القنوات الرقمية”.

وأصبحت تطبيقات مكبرات الصوت المرتبطة بالإنترنت تلعب دورا، وهي مكبرات تعمل من خلال تطبيق سيري الخاص بأبل أو تطبيق أليكسا التابع لشركة أمازون، أو تطبيق مساعد غوغل.

ويعتقد ماير أن المحطة الإذاعية ستضطر مستقبلا للرهان على التعاون مع الجهات العارضة، وكذلك مع الشركات المصنعة للهواتف الذكية، “فلا يزال الكثير من الناس يسمعون الراديو في السيارة”. وبالنسبة للقنوات العامة فإن الاستخدام الإعلامي المتغير ليس سوى سبب لتوديع موجة أف أم، ببطء، والانطلاق نحو البث الإذاعي الرقمي.

Thumbnail

ويؤكد ليش، يضاف إلى ذلك أن محطات البث الإذاعي الرقمي تستطيع العمل بواحد بالمئة من الطاقة التي تعمل بها محطات أف أم “قليل من الاستهلاك للطاقة، والمزيد من التنوع”.

ووفقا لمركز الإعلام الجديد في ولاية بافاريا فقد أصبح باستطاعة كل مستمع في ألمانيا اليوم استقبال نحو 20 برنامجا عبر موجات أف أم، مقارنة بنحو 100 برنامج في حالة الراديو الرقمي.

وربما كانت المنافسة المتزايدة هي السبب في أن بعض المحطات التي لديها الآن مساحة في مجال أف أم المحدود، تنظر للأمر بعين الشك، وتتمسك بالاستقبال عبر موجة أف أم.

وقال ميشائيل تينبوش، من اتحاد الشركات العاملة في العروض الإذاعية في ميونيخ، عام 2018 “صناعة الراديو ستموت دون موجة أف أم”، وأضاف “من وجهة نظري فإن محاولة تحديد موعد للتوقف عن البث باستخدام موجة أف أم، هي اعتداء على صناعة الراديو، فنحن نكسب المال من خلالها”.

ويرى هلفين ليش أن مسألة إيقاف موجة أف أم، ستحدث أم لا؟ هي إحدى أصعب الأسئلة التي تناقش على ساحة السياسة الإعلامية، بينما يقول أستاذ الصحافة كلاوس ماير إن الراديو الرقمي أصبح يمثل خيارا جيدا لموجة أف أم، لأنه مثلما كانت موجة أف أم مهمة في تطور الساحة الإذاعية، فإن الموجة بالغة القصر تعاني من نقاط ضعف هي الأخرى، ”إذ لا تزال هناك حتى اليوم ثغرات بث بموجة أف أم في بافاريا”.

18