موانع اقتصادية تؤجل استكمال تعويم الدرهم المغربي

المغرب يبدأ في تحرير سعر صرف الدرهم باعتماد نطاق تقلُّب 2.5 في المئة.
الثلاثاء 2022/10/18
هل المغرب في حاجة إلى تعويم الدرهم

الرباط - دافع المغرب عن سياساته النقدية المتبعة بشأن استكمال برنامج تعويم الدرهم بوجه الضغوط المستمرة لصندوق النقد الدولي والتي بررها بوجود موانع اقتصادية تحول دون المضي قدما في هذا المسار.

وبدأ البنك المركزي المغربي في مطلع 2018 في تنفيذ البرنامج وقال حينها إنه سيكون على مراحل حسب ظروف السوق المحلية وكذلك وفق العوامل الخارجية للاقتصاد العالمي.

وقال محافظ المركزي عبداللطيف الجواهري في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الشرق إن “الصندوق يُمكن أن يطلب من المغرب القيام بمزيد من الخطوات بشأن تحرير سعر صرف الدرهم، لكنَّنا طلبنا منهم بالمقابل ألاّ يلحّوا على ذلك”.

عبداللطيف الجواهري: اقتصادنا مبني على الأعمال وهي غير مهيأة لأي تحرك
عبداللطيف الجواهري: اقتصادنا مبني على الأعمال وهي غير مهيأة لأي تحرك

وبرر الجواهري في تصريحاته على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد في واشنطن بأنَّ “سعر الدرهم غير مبالغ فيه أولا، ومواكب لوضعية البلاد الاقتصادية”.

وأضاف “كما أن لدينا نسيجا اقتصاديا يقوم على الشركات الصغيرة بنسبة 90 في المئة والمتوسطة بنسبة 9 في المئة، ولذا فإن هذا النسيج غير مهيّأ لتحريك سعر الصرف ولا زيادة سعر الفائدة بوتيرة متسارعة”.

وبدأ المغرب تحرير سعر صرف الدرهم باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5 في المئة صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3 في المئة كما في السابق.

وفي 2020 تمّ توسيع النطاق إلى حدود خمسة في المئة ارتباطاً بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60 في المئة والدولار بنسبة أربعين في المئة.

ولكن خبراء صندوق النقد استمروا بالإصرار على دعوة السلطات المغربية إلى المرور نحو مرحلة جديدة من التحرير لاستهداف التضخم. ومع ذلك أبدى المركزي مرارا تحفظه حيال ذلك ويَعتبر أنَّ الوقت غير مناسب لاسيما في الظروف الحالية.

وأكد الجواهري أن تعويم العملة المحلية نال حيزاً مهماً من المناقشات مع الصندوق. وقال “لقد أوضحنا لهم أنَّ أيّ خطوات متسرّعة على صعيد سعر الصرف أو الفائدة يمكن أن تجرّنا إلى متاعب”.

وأشار إلى أن “هدفنا الأساسي أن تمرّ الأزمة الحالية كما أكّدنا عليهم ألاّ ينظروا إلى الأمور من منظور الاقتصادات الكبرى فحسب، فلكل سوق خصوصيتها”.

وكانت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية قد أفادت عند اعتماد الآلية الجديدة لسعر الصرف، قبل عامين، أن الهدف هو “تقوية مناعة الاقتصاد المحلي بمواجهة الصدمات الخارجية، ودعم تنافسيته، والمساهمة في رفع مستوى النمو”.

وفي محاولة لبناء جدار صد مالي قوي، تسعى الرباط للحصول على قرض احتياطي من المؤسسة الدولية المانحة. وقال الجواهري “لا نريد الحصول على قرض آني، وإنما على خط ائتمان احتياطي دون أن نقوم بسحب الأموال حاليا”.

وأضاف “لدينا رصيد من العملة الأجنبية يغطي واردات البلاد لمدّة نصف عام”.

وكان المغرب قد حصل على خط ائتمان وقائي من الصندوق في عام 2018 بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ولم يقم بسحب المبلغ إلا في 2020 إبّان الأزمة الصحية.

وتواجه البلاد كغيرها من دول العالم معضلة التضخم التي تسببت في إنهاك القدرة الشرائية للمواطنين وهو ما يستعدي القيام بتمشّ يكبح المعدل القياسي الذي تم تسجيله في أسعار الاستهلاك.

وبالنسبة إلى توقعات رفع الفائدة عند اجتماع مجلس المركزي المقبل في ديسمبر، أوضح الجواهري أنَّ القرار غير محسوم بهذا الشأن.

المغرب يدافع عن سياساته النقدية المتبعة بشأن استكمال برنامج تعويم الدرهم بوجه الضغوط المستمرة لصندوق النقد الدولي

وقال الجواهري “من الصعب الإعلان عن خطوات استباقية لأنَّ الأوضاع متقلّبة داخلياً وخارجياً. لذلك، قررنا كبنك مركزي التعامل مع الواقع كل ثلاثة أشهر واتخاذ القرار المناسب بحسب الظروف”.

ورفع المركزي أواخر الشهر الماضي سعر الفائدة 50 نقطة أساس إلى اثنين في المئة بعد تريث دام أشهرا بسبب وصول التضخم إلى مستويات قياسية لم تشهدها البلاد منذ عقود.

وبدأت وتيرة ارتفاع التضخم في البلاد منذ سبتمبر 2021 لتصل إلى ثمانية في المئة بنهاية أغسطس الماضي، على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ مارس 1992، في حين بلغ متوسط معدل التضخم للأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي 5.8 في المئة.

ولم يرفع المركزي سعر الفائدة الرئيسي منذ 2008، كما لم يحرّكه منذ شهر يونيو 2020 عندما خفّضه بمقدار 50 نقطة إلى 1.5 في المئة.

وأكد الجواهري في حديثه مع بلومبرغ أن رفع الفائدة في سبتمبر يعود إلى سببين، الأول يتمثل في أنَّ التوقُّعات بتسجيل التضخم 5.7 في المئة هذا العام، وانخفاضه إلى اثنين في المئة العام المقبل، هي تقديرات لم تعد قائمة.

ومن المتوقع أن يرتفع التضخم إلى 6.3 في المئة هذا العام و3.4 في المئة العام المقبل، وهو المبرر الأول الذي اعتمده المركزي لرفع سعر الفائدة، علماً أن التقديرات الرسمية الأخيرة للبنك كانت تشير إلى تضخم بواقع 2.4 في المئة في 2023.

أما المبرر الثاني الذي كان حاسماً في زيادة سعر الفائدة، فيتمثل في كون التضخم لم يعد مستوردا فقط، بل تسرّب إلى سلع وخدمات داخلية، وهو ما دفع المركزي إلى الخروج من سياسة التريث لاتخاذ خطوة لكبح انتشار التضخم لتفادي الوصول إلى تضخم مرتفع ومستدام.

11