مواقع التواصل مكبر صوت للمحتجين في إيران

طهران - أدت قيود الحكومة الإيرانية على الإنترنت وقمع الشرطة للاحتجاجات إلى تزايد اعتماد الإيرانيين على منصات التواصل الاجتماعي التي باتت وسيلة لا غنى عنها للحصول على معلومات موثوقة وتبادل المعلومات فيما بينهم.
ودخلت الاحتجاجات في إيران شهرها الثالث منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني خلال احتجازها من قبل “شرطة الأخلاق” المثيرة للجدل بزعم ارتدائها ملابس “غير محتشمة”. وأشعلت وفاة مهسا في سبتمبر الماضي موجة من الاحتجاجات في العديد من المدن الإيرانية ضد سياسات الحكومة المناهضة للمرأة وخاصة فرض الحجاب الإلزامي.
وخلال التظاهرات السابقة، كانت مواقع التواصل الاجتماعي منصة هامة للإيرانيين للحصول على معلومات موثوق بها، لكن في الآونة الأخيرة تزايد اعتمادهم على هذه المنصات التي أضحت تشكل أهمية أكبر للحصول على المعلومات وتبادلها.
قبل فرض الحكومة الإيرانية القيود على الإنترنت كان موقعا إنستغرام وواتساب شائعين حيث شكل عدد مستخدمي إنستغرام في العام الماضي نحو 89 في المائة من سكان البلاد
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن معدل انتشار الإنترنت في إيران يبلغ 84 في المئة، فيما ذكرت بيانات الشهر الماضي أن ما يقرب من 27 في المئة من الإيرانيين يستخدمون موقع “بينتيريست” ثم مواقع مثل إنستغرام وريديت وتويتر بنسبة 17 في المئة و13.3 في المئة و10.4 في المئة على التوالي.
وفي سياق متصل، قال الرئيس التنفيذي ومؤسس تيليغرام بافيل دوروف إن “التطبيق يحظى أيضا بشعبية كبيرة بين الشباب الإيراني في ضوء وجود أكثر من 40 مليون مستخدم في البلاد، أي ما يعادل حوالي نصف تعداد سكان إيران البالغ 90 مليون نسمة”.
وقبل فرض الحكومة الإيرانية القيود على الإنترنت في سبتمبر الماضي، كان موقعا إنستغرام وواتساب شائعين، حيث شكل عدد مستخدمي إنستغرام في العام الماضي نحو 89 في المائة من سكان البلاد.
ونقل موقع “دويتشه فيله” الألماني، عن مهدي ساريميفار الصحافي الإيراني المتخصص في العلوم والتكنولوجيا والمقيم في كندا إن النظام الإيراني يسيطر على كافة أشكال الاتصالات في البلاد سواء المواقع الإخبارية أو منصات التواصل الاجتماعي.
وأضاف ساريميفار أن “مشغلي شبكات الهواتف وأيضا مزودي خدمات الإنترنت في إيران هي شركات خاصة تتم مراقبتها من قبل النظام عبر شبكة معقدة من الشركات التجارية والاستثمارية لتصل في نهاية المطاف إلى أربع مؤسسات اقتصادية هي الهيئة التنفيذية لأوامر الإمام ومقر خاتم ومؤسسة قدس رضوي ومؤسسة مستضعفان”.
وإزاء ذلك، يعتمد الكثيرون في إيران على شبكات التواصل الاجتماعي للحصول على أخبار محايدة وموثوق بها، ولاسيما من خلال خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة أو ما يعرف بـ”في.بي.أن”، فيما أدت القيود على الإنترنت من قبل الحكومة إلى تزايد سخط المتظاهرين.
وفي ذلك، قال ساريميفار إن قمع الشرطة للمتظاهرين سواء بشن حملات اعتقالات وتعذيب أو إصدار أحكام وصلت إلى عقوبة الإعدام أدى إلى زيادة زخم الاحتجاجات. وأضاف أنه في ضوء ذلك، باتت وسائل التواصل الاجتماعي “تتولى وظيفتين أساسيتين في إيران تتمثل الأولى في إبلاغ الناس بأحدث المستجدات وتوثيق الأحداث لصالح المنظمات الحقوقية، فيما تكمن الوظيفة الثانية في استغلال المتظاهرين لمنصات التواصل للتنسيق فيما بينهم بشكل يومي”.
بدوره، قال كامران وهو إيراني يعيش في طهران وأحد مستخدمي الشبكات الافتراضية الخاصة، إن الفضاء الإلكتروني بات أفضل طريقة لتبادل المعلومات حول “جرائم الجمهورية الإسلامية”، مضيفا أن “شبكات التواصل الاجتماعي تساعد الإيرانيين في معرفة مستجدات موجة الاحتجاجات وتبادل المعلومات”.
أما الشابة الإيرانية شيرين والتي تستخدم إنستغرام منذ العام 2013 فتؤكد أن التطبيق يساعدها في البقاء على تواصل مع الأصدقاء، قائلة إن “التطبيق يعتبر طريقة سريعة وسهلة لنشر آرائي وأفكاري”. وأضافت “عندما أنشر منشورا أتلقى ردود فعل إيجابية، وهو ما يحفزني على نشر المزيد ويساعدني ذلك على معرفة وجهات النظر المختلفة. أتواصل مع الآخرين بشكل أكثر فعالية عبر منصات التواصل الاجتماعي”. وتؤكد شيرين أن القيود على الإنترنت تؤثر على الولوج إلى العديد من المواقع الإلكترونية، فرغم قدرتها على الدخول إلى حساباتها إلا أنها تعاني من بطء الإنترنت، مضيفة “في نهاية الأمر، أفقد صبري”.
في الوقت الذي يعاني فيه العديد من الإيرانيين من صعوبة الوصول إلى الإنترنت، يسعى النشطاء خارج البلاد إلى مساعدة المجتمع الدولي على فهم حقيقة ما يحدث داخل البلاد
وأشارت إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تسبب لها و لغيرها من الناشطات الإيرانيات مشاكل، وتضيف أنها تشعر “ببعض الإحباط في معظم الأوقات بسبب ردود فعل البعض الذين يتعاملون بالطريقة ذاتها التي ينتهجها النظام الإيراني، إذ يتبنى هؤلاء وجهات نظر استبدادية ولكن على نطاق شخصي”. وقالت “عندما أكتب وأنشر تعليقات تؤيد حقوق المرأة أتعرض لمضايقات من المستخدمين الذكور، لذلك أقوم بفرض قيود على التعليق أو التوقف عن نشر المزيد”.
وفي الوقت الذي يعاني فيه العديد من الإيرانيين من صعوبة الوصول إلى الإنترنت، يسعى النشطاء خارج البلاد إلى مساعدة المجتمع الدولي على فهم حقيقة ما يحدث داخل البلاد.
فعلى سبيل المثال، نقل المذيع الألماني الشهير يوكو فترشايدت حسابه على موقع إنستغرام إلى الناشطة الإيرانية المقيمة في كندا أعظم جانغرافي لمساعدتها في نشر تعليقاتها المتعلقة بالاحتجاجات في إيران. وقالت إن حساب يوكو الذي يتابعه أكثر من مليوني شخص ساعدها في الوصول إلى جمهور دولي أكبر، مضيفة أن “استخدام مثل هذه المنصات للوصول إلى جمهور أوسع يساعد في زيادة التوعية حيال ما يحدث في إيران، خاصة نضال الإيرانيات ضد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان”.
وأكدت أن منصات التواصل باتت مقصدا للصحافيين لمعرفة مستجدات الأحداث في إيران، مضيفة “نرى أن الصحافيين ووكالات الأنباء يستخدمون بشكل متكرر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات خاصة في الأماكن التي قد يكون الوصول إليها مستحيلا أو محفوفا بالخطر”.
بيد أن تزايد انتشار منصات التواصل الاجتماعي لم يكن في صالح المتظاهرين والمتظاهرات على الدوام، حيث ساهم في نشر معلومات مضللة وأخبار كاذبة أيضا حول المظاهرات، إذ انتشر خبر يُفيد بإصدار السلطات الإيرانية عقوبة الإعدام بحق 15 ألف متظاهر، لكن تبين لاحقا أن خمسة أشخاص فقط صدرت بحقهم أحكام بالإعدام.
ورغم ذلك، تؤكد جانغرافي أن منصات التواصل الاجتماعي كانت مؤثرة وفعالة وصبت في صالح النشطاء المعارضين للنظام.