مواقع التواصل تهدد قطاع الآثار في مصر

تفاعل واسع على صفحات متخصصة للبيع تُحرك البرلمان نحو مضاعفة الرقابة.
السبت 2024/06/29
تاريخ للحفظ

تكفي مطالعة سريعة لموقع فيسبوك في مصر، لنرى حجم انتشار تجارة الآثار المزيفة وغير الشرعية، مع وجود صفحات متخصصة في هذه التجارة تعرض عمليات التفاوض والاتفاق على الاستعانة بخبير.

القاهرة - عمّقت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أزمة الاتجار في الآثار الفرعونية، ما دفع مجلس النواب إلى فتح نقاش حول القضية، ومطالبة ممثلي الوزارات المعنية للتحرك بمضاعفة الرقابة قبل أن يتحول الأمر إلى إدمان عند بعض المواطنين الباحثين عن الثراء السريع، بالاحتيال عير القطع الأثرية الحقيقية والمزيفة.

وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات متخصصة في تجارة الآثار على مستوى البيع أو الشراء، وسط تجاهل للتحذيرات التي أطلقتها الأجهزة الأمنية مؤخرا، من تعرض القائمين على هذه التجارة على شبكات التواصل لعقوبات صارمة. ودق البرلمانيون ناقوس الخطر وطالبوا بتخصيص جلسة لمناقشة الأمر، بحضور ممثلين عن الحكومة لوضع حد للظاهرة ومنع تناميها، فضلا عن التوصية بتعديل قانون حماية الآثار.

وتحفل صفحات عديدة على موقع فيسبوك بإعلانات لبيع قطع أثرية على أنها حقيقية، وينشر المعلنون بعض الصور ومقاطع الفيديو لكل قطعة، مع إشارات توحي بأنها ليست مزيفة عبر استخدام مصطلحات من قبيل “عجوز جدا” أو “معمّر فرعوني”، في تلميح إلى كون القطعة المعروضة قديمة جدا، أي أثرية وليست مقلدة.

وما فتح قضية الاتجار في القطع الأثرية على شبكات التواصل أن وزارة الداخلية ضبطت مؤخرا أفرادا قاموا بالإعلان عن امتلاكهم لآثار وروجوا لها بصور من خلال مقاطع فيديو بشكل علني، وعبر تتبع أجهزة الأمن للحساب تمت معرفة مكان صاحبه، وجرى ضبط مجموعة من الأفراد وإحالتهم إلى النيابة العامة، والاستعانة بخبراء في علم المصريات الذين أثبتوا أن القطعة المروج لها أثرية فعلا.

وليد حجاج: مواقع التواصل وسيلة سهلة للنصب والاحتيال بطرق مبتكرة مع غياب الوعي
وليد حجاج: مواقع التواصل وسيلة سهلة للنصب والاحتيال بطرق مبتكرة مع غياب الوعي

ويعد التنقيب غير الشرعي عن الآثار في مصر من أخطر الظواهر المنتشرة في العديد من المناطق، خاصة في جنوب البلاد المعروفة بكثافة الأماكن الأثرية، ويُقدم عليها كثيرون بغرض الربح السريع عبر بيع ما يعثرون عليه من قطع بأي وسيلة، لكن جاء تحول الأمر إلى البوح علانية عبر شبكات التواصل بالاتجار في الآثار ليشكل صدمة للرأي العام وأعضاء مجلس النواب الذين اتهموا الحكومة بالتقصير.

وتكفي مطالعة سريعة لموقع فيسبوك في مصر، لاكتشاف عدد الإعلانات الترويجية للقطع التي يقول أصحابها إنها أثرية، وهناك صفحات متخصصة في هذه التجارة تعرض ما لديها من قطع، ويسأل البعض عن السعر وطريقة التسليم لتبدأ عمليات التفاوض حول طريقة التأكد من أثرية القطعة وعدم زيفها، والاتفاق على الاستعانة بخبير يؤكد صحتها وقيمتها المادية.

وجذبت تلك الصفحات أعدادا كبيرة من المواطنين الباحثين عن مخرج لسوء الأوضاع المعيشية، لأن بيع قطعة واحدة أثرية يغني صاحبها بقية حياته من دون حاجة لمصدر دخل آخر، بحكم الثقافة التي تنتشر عند كثيرين بأن نسبة من الأغنياء في مصر وصلوا إلى هذه الأموال بطرق ملتوية، من أهمها التجارة في الآثار بعيدا عن أعين أجهزة الدولة خلال فترة التوترات السياسية والأمنية السابقة.

وتتبرأ بعض الجهات المعنية بملف الآثار في مصر من امتلاكها سلطة مراقبة ما يحدث في هذه التجارة الإلكترونية، فيما أكد اتحاد الأثريين المصريين أن النسبة الأكبر من القطع المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي مقلدة من الآثار الحقيقية، ومن الجنون أن يعلن شخص امتلاكه لقطعة آثار حقيقية، إذ يقدم نفسه للمحاكمة وبرفقته دليل الإدانة.

وهناك شخصيات تعمل في نحت الآثار بطريقة مبتكرة ليكون المنتج النهائي للقطعة أقرب إلى أصل القطع الأثرية، ما يضاعف من عمليات النصب والاحتيال على بعض المواطنين بإعلانات ترويجية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويخسر هؤلاء مبالغ مالية ضخمة أمام الهوس بالثراء، لكنهم يكتشفون في النهاية تعرضهم لخديعة.

التفاعل على عدد من الصفحات التي تروج للآثار على فيسبوك أظهر وجود أشخاص يستهويهم اقتناء قطع فرعونية قريبة من الأصل

ويقول خبراء في الحضارة المصرية القديمة إن اكتشاف تزوير القطع المنحوتة التي يتم الترويج لها إلكترونيا أمر صعب، لأن عملية تقليد التماثيل الأثرية تتم بموهبة عالية، وحسم مسألة أصلها يتطلب خبرة بالمصريات، لذلك ينخدع كثيرون بسهولة، ومع ذلك لا يكترث البعض بعمليات الاحتيال التي تحدث على فترات قصيرة.

وأظهر التفاعل على عدد من الصفحات التي تروج للآثار على فيسبوك وجود أشخاص يستهويهم اقتناء قطع فرعونية قريبة من الأصل، لكن ثمة شريحة تُدرك أنها قد تكون منحوتة باحتراف، ولا يُمانعون في الاتجار بها على أنها قديمة (أصلية)، ولهم طرقهم الخاصة في تسويقها عبر متخصصين تابعين لهم، يجيدون تلك الطريقة.

وتتضمن مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكات التواصل أحيانا قطعة أثرية مدفونة في الرمال أسفل الأرض ويتم تصويرها على أنها داخل مقبرة فرعونية لعرضها للبيع، ويتبين لاحقا أنها منحوتة بدقة وأعيد دفنها بطريقة تظهرها كأنها لم تُستخرج بعد، وهذه إحدى طرق الاحتيال التي يسقط البعض ضحايا لها من دون وعي.

وقال وليد حجاج الباحث والخبير في جرائم أمن المعلومات إن مواقع التواصل وسيلة سهلة للنصب والاحتيال بطرق مبتكرة، وهناك غياب وعي لكيفية التأكد من صحة ما يتم بثه، حيث يتم اللعب على وتر الراغبين في تحقيق أرباح مالية سريعة، والآثار أكبر دليل على ذلك، مع أن المنطق يقول إن أغلب القطع الأثرية الإلكترونية مزيفة.

وأضاف لـ”العرب” أن الرغبة في الربح أغرت شخصيات عادية لا تفهم في الآثار، بدخول هذه التجارة المشبوهة وأنها سوف تحقق مكاسب سريعة، مطالبا بتتبع أصحاب الصفحات التي تروج لكل ما هو أثري، لأن ذلك وسيلة للاحتيال، ومقدمة للإضرار بالقطاع السياحي، ومن الواجب تعظيم الوعي الأثري لدى المواطنين، وتحذيرهم من الدخول في مغامرات غير محسوبة على الشبكات الاجتماعية.

وطالب برلمانيون في مصر بمضاعفة الرقابة على مواقع التواصل لأنها تهدد قطاع الآثار، واستغلال منح القضاء لوزارة الداخلية الحق في مراقبة الصفحات التي تشكل خطورة على الدولة وتضر بالأمن القومي، لكن هذا الحق عرّض الحكومة المصرية لانتقادات من منظمات حقوقية بحجة أنها تنتهك حرية الرأي والتعبير.

ويعاقب القانون المصري كل من حاز أو أحرز أو باع أثرا بالسجن المشدد، وغرامة تصل عشرة ملايين جنيه، ومصادرة الأثر محل الجريمة، وهي عقوبات يمكن أن يتم تطبيقها على تجار شبكات التواصل كنوع من الترهيب والردع، لكن لا يوجد تركيز إعلامي كاف على العقوبات لتوعية المواطنين بمخاطر الاتجار في الآثار إلكترونيا.

5