موازنة سعودية جديدة تتأقلم بمرونة مع المفاجآت

أعطت السعودية من خلال إقرار موازنة 2023 تأكيدا على أنها مستعدة للتعامل بمرونة أكبر فيما يتعلق بالإنفاق والفوائض التي من المرجح أن تتقلص قياسا بهذا العام لتفادي أي مفاجآت قد تبطئ قطار الإصلاحات حتى مع امتلاكها لأدوات التحول الاقتصادي.
الرياض - أقرت السعودية موازنة العام المقبل، والتي ستكون اختبارا للحكومة للتأقلم مع المفاجآت العالمية لمواصلة الإصلاح على كافة المستويات لاسيما بعد أن شهدت البلاد قفزات كبيرة في معظم القطاعات في الأشهر الأخيرة.
وتتوقع الحكومة تسجيل فائض في الموازنة للعام الثاني تواليا، وإن كان أقل بنسبة 84 في المئة عن فائض هذا العام، إذ من المرجح أن تلقي حالة عدم اليقين التي تكتنف المشهد الاقتصادي العالمي وانخفاض أسعار النفط بثقلهما على الإيرادات.
وقال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن “الفائض سيُوجه لتعزيز الاحتياطيات الحكومية ودعم الصناديق الوطنية، مثل صندوق الاستثمارات العامة، وتقوية المركز المالي للمملكة”.
وأكد أن بلاده تدرس حاليا إمكانية تسريع تنفيذ بعض البرامج والمشاريع الإستراتيجية ذات الأولوية.
وقال وزير المالية محمد الجدعان في تصريحات صحفية إن “معظم الفائض سيذهب على الأرجح لتعزيز الاحتياطيات النقدية، لكن لم يُتخذ قرار نهائي بعد”.
وأوضح أن تحقيق التنمية الشاملة وتوفير فرص عمل وأعمال جديدة ورفع جودة حياة المواطنين والمقيمين هي “الأولوية القصوى للحكومة”.
والموازنة التي تمت المصادقة عليها مساء الأربعاء الماضي بقيمة 1.114 تريليون ريال (296 مليار دولار) للعام المقبل، مع توقعات بتحقيق فائض قدره 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا من نسبة متوقعة تبلغ 2.6 في المئة خلال هذا العام.
ويبدو الإنفاق أقل قليلا من 300 مليار دولار هذا العام. ومن المتوقع أن تبلغ الإيرادات 300 مليار دولار انخفاضا من 330 مليار دولار هذا العام وسط ترجيح تراجع أسعار النفط عن مستويات هذا العام.
واستعبد محللون تسجيل السعودية أي منغصات لاقتصادها بسبب تقلص الإيرادات كونها تمتلك مجموعة من البدائل التي تساعدها في تحصيل المزيد من الأموال دون أي مشاكل.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين ببنك أبوظبي التجاري إنه “من المتوقع أن يكون التأثير الاقتصادي للخفض المعتدل في الإنفاق محدودا، لاسيما أن صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) يقود معظم النشاط الاستثماري”.
وساعد ارتفاع أسعار النفط في تحول الميزان المالي إلى تحقيق أول فائض منذ سنة 2013 هذا العام، وقد يبلغ 27.2 مليار دولار في 2022.
وهذا التعديل صعودي بالمقارنة مع توقع تحقيق فائض بنسبة 2.3 في المئة ضمن مؤشرات صدرت في سبتمبر الماضي. ومع ذلك فهو أقل من 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، الذي توقعه صندوق النقد الدولي في أغسطس الماضي.
وقال الجدعان إن “التعديل في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 مدفوع بشكل كبير بنشاط القطاع الخاص غير النفطي”.
وأوضح أن التخفيضات المستهدفة للإنتاج من قبل تحالف منتجي أوبك+ في نوفمبر وديسمبر هذا العام كان لها تأثير على الناتج المحلي الإجمالي لقطاع النفط.
وأضاف “الخفض تم تعويضه بتحسن أفضل في نشاط القطاع الخاص غير النفطي”. وتوقع تحقيق نمو مماثل أو أعلى في هذا القطاع خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
ولا تكشف السعودية عن سعر النفط الذي تعتمد عليه موازنتها. ويقدر صندوق النقد سعر التعادل المالي للنفط في السعودية عند 73.3 دولار للبرميل هذا العام و66.8 دولار للبرميل العام المقبل.
أرقام عن الموازنة
• 300 مليار دولار الإيرادات المتوقعة
• 296 مليار دولار حجم الإنفاق
• 253.6 مليار دولار الدين العام بانخفاض قدره 3.5 في المئة
• 106.4 مليار دولار الاحتياطيات النقدية بنهاية 2023
• 3.1 في المئة نسبة النمو من 8.5 في المئة هذا العام
وبينما أكدت مالك أن الموازنة تستند إلى سعر نفط يتراوح بين 78 و80 دولارا، قدره مازن السديري مدير إدارة الأبحاث في الراجحي المالية بنحو 78 دولارا.
ولكن الخبراء يعتقدون أن السعودية بحاجة إلى سعر خام يبلغ نحو 80 دولارا للبرميل للموازنة بين نفقاتها وإيراداتها.
ويرى الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن روبرت موجيلنيكي أن “جزءا كبيرا من الوضع المالي ومسار النمو يرتبطان بالطبع ارتباطا مباشرا بارتفاع أسعار الطاقة” وبشكل غير مباشر بالعوامل والأحداث الجيوسياسية “التي تحرك الأسعار”.
ومع ذلك، قال إن السعودية “تستحق الثناء لضبط أوضاع المالية العامة والإصلاحات، والتي ساعدت في إبراز الصورة الاقتصادية الشاملة”.
كما اعتبر مدير مؤسسة غولف إيكونوميكس الاستشارية جاستن ألكسندر أنه في حين أن الفائض “مرحب به”، لكنه كان من الممكن أن يكون أعلى بالنظر إلى أن التوقعات الأصلية التي بدت وكأنها تستند إلى أسعار تبلغ 70 دولارا للبرميل بينما ناهز المتوسط السنوي في النهاية 100 دولار للبرميل.
وبعد انهيار أسعار النفط في أعقاب الأزمة الصحية تعهدت السعودية بفرض قيود مالية، ولكنها عززت الإنفاق خلال هذا العام لتخفيف أثر التضخم على بعض مواطنيها.
وجاء هذا التحرك مع ارتفاع إيراداتها المالية من تجارة النفط بعدما وفرت الحرب في شرق أوروبا فرصة حقيقية لأكبر منتج للخام في العالم لتحقيق التوازنات المالية وجعلها مستدامة والاستفادة منها في التنمية الشاملة.
وقال الجدعان إن “السعودية اتخذت قرارات صعبة جدا بعدما استنفدت خلال السنوات الست أو السبع الماضية نحو تريليون ريال (270 مليار دولار) من الودائع الحكومية واقترضت نفس المبلغ تقريبا لدعم عجز الموازنة”.
ومن بين الإجراءات التي تم اتخاذها، زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها إلى 15 في المئة في مايو 2020.
وعندما سُئل عما إذا كانت بلاده تخطط لخفض الضريبة، قال الجدعان إن “مجرد وجود فائض لمدة عام أو عامين ثم التسرع في تغيير السياسات يعد تحركا سابقا لأوانه”.
وتتوقع السعودية أن يتباطأ النمو الاقتصادي إلى نحو 3.1 في المئة العام المقبل من 8.5 في المئة هذا العام، بزيادة نصف نقطة مئوية مقارنة بتوقعات ما قبل إقرار الموازنة.
ومن المرجح أن ينخفض الدين العام بواقع 3.5 في المئة إلى 253.6 مليار دولار العام المقبل، أو ما يوازي 24.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت وزارة المالية إنه “من المتوقع أن تصل احتياطيات الحكومة لدى البنك المركزي إلى 399 مليار ريال (106.4 مليار دولار) في نهاية العام المقبل”.
ومع تعطل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تعد إحدى الركائز الرئيسية في جدول الأعمال الاقتصادي لرؤية 2030 التي وضعها الأمير محمد بن سلمان، لأعوام زادت أهمية صندوق الثروة السيادية.
ويقول محللون إنه نظرا إلى تراجع استثمارات القطاع الخاص المحلي والخارجي، فإنه لا يوجد بديل عن الإنفاق الضخم للصندوق الذي يشمل تشييد مدينة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار في الصحراء وهي مدينة نيوم.
وتعهد الصندوق، الذي ضاعف أصوله إلى أكثر من 600 مليار دولار في عامين تقريبا، بإنفاق 800 مليار دولار في قطاعات جديدة على مدى الأعوام العشرة المقبلة، بما يشمل 40 مليار دولار محليا في السنة حتى عام 2025.
ويعتقد محللون أن صندوق الثروة والكيانات، التي يملكها أو يسيطر عليها، ستواصل رفع الدين من خلال البنوك والأسواق العامة في ظل تنامي احتياجاتها التمويلية.
وقال الجدعان إن الحكومة “ستواصل دخول أسواق الديون كما سيواصل صندوق الاستثمارات العامة الوصول إلى الأسواق الدولية”.
وجمع صندوق الثروة الأسبوع الماضي قرضا قيمته 17 مليار دولار لإعادة تمويل جزئي لقرض بقيمة 11 مليار دولار كان قد حصل عليه في 2018.
كما أصدر في أكتوبر الماضي سندات خضراء بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وهو شكل من الديون تخطط المملكة للاستفادة منه أيضا.