موازنات جزائرية ضخمة تضل طريقها إلى التنمية

الحكومة الجزائرية رصدت نحو 220 مليار دولار خلال العامين الأخيرين، من أجل تسيير شؤون الدولة، لكن النتائج الملموسة في الحياة العامة تبقى بعيدة عن سقف الإنفاق.
الجمعة 2023/12/08
مليارات الدولارات لا أثر لها على أرض الواقع

الجزائر- رصدت الحكومة الجزائرية للعام الثاني على التوالي موازنة مالية سنوية ضخمة تفوق سقف المئة مليار دولار، على أمل تحقيق نهضة شاملة في البلاد، والقطع مع المرحلة السياسية السابقة، غير أن النتائج العملية لموازنة العام الماضي لم ترق إلى مستوى تطلعات الشارع الجزائري، الذي وجد نفسه يتخبط في تدهور مطرد للمستوى المعيشي.

ويتزامن هذا مع تخوّف الجزائريين من تكرار السيناريو نفسه في العام الجديد، وحتى استنساخ تجربة المرحلة السابقة التي استنزفت خلالها البلاد 1500 مليار دولار، دون تحقيق نتائج ملموسة.

ومرّر البرلمان الجزائري بكل مرونة قانون الموازنة العامة لعام 2024، وسط تفاؤل لدى الدوائر الحكومية والكتل النيابية الممثلة للأحزاب التي تدور في فلك السلطة، حيث امتزجت الأرقام بالشعارات السياسية، لكن الشارع الجزائري مازال تحت وطأة مظاهر الغلاء والندرة والبطالة وتدهور الخدمات، وبات يتطلع إلى رخصة وزارية تسمح باستيراد مادة استهلاكية تلبي حاجته أكثر من متابعته شؤونَ الموازنة العامة.

رغم مليارات الدولارات المرصودة لا يزال الشارع الجزائري يعاني الغلاء وندرة المواد الأساسية والبطالة

ورصدت الحكومة مبلغا غير مسبوق في تاريخ موازنات الدولة قدر بـ110 مليارات دولار، مع توقعات بتحقيق نسبة نمو تفوق الأربعة في المئة، وبسعر نفط يناهز السبعين دولارا للبرميل الواحد، وبذلك تكون الجزائر قد خصصت أغلفة قياسية للعام الثاني على التوالي، من أجل تحقيق نهضة تنموية شاملة تنسي الجزائريين المرحلةَ السياسية السابقة، وتربطهم بسلطة جديدة تريد المرور إلى ولاية رئاسية ثانية في نهاية العام القادم.

غير أن تجربة موازنة العام الجاري، التي تم توجيهها إلى دعم أسعار المواد الاستهلاكية، وزيادة الرواتب والمعاشات واستحداث منحة بطالة، إلى جانب تحويلات اجتماعية أخرى، لم تحقق ما يصبو إليه البرلمان والحكومة، وجعلت من الصعب إقناع مختلف الفئات الاجتماعية بوجوب الانخراط في أجندة المتفائلين.

لكنّ لرئيس البرلمان إبراهيم بوغالي رأيا آخر؛ فقد صرح -على هامش التصويت على الموازنة- بأن مشروع الموازنة “جاء ليعزز المكاسب التي تحققت ويحدث تنمية متوازنة من المناطق، وأن ما قام به رئيس الجمهورية خلال الزيارة التفقدية ووقوفه على واقع التنمية من شأنه تعجيل وتيرة الإنجازات، وأن الزيارة إلى ولاية تندوف وإشرافه على انطلاق المشاريع الهامة دليل على الإرادة القوية والرغبة الصادقة في إقلاع اقتصادي كان قد وعد والتزم به”.

وبدوره رافع وزير المالية لعزيز فايد لصالح مقاربة الحكومة المتفائلة من خلال توقعاتها بتحقيق “استقرار في الوضعية الاقتصادية، وذلك نتيجة التحسن الذي شهدته المؤشرات الاقتصادية الكلية والميزانياتية (الموازناتية)، والذي يرجع أساسا إلى التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي”.

ولفت إلى أن “المشروع يهدف إلى الالتزام باستكمال رفع الأجور، وتعزيز الاستثمارات العمومية والتنموية على المستوى الوطني، ومكافحة الغش والتهرب الجبائيين، وتوسيع الوعاء الضريبي وتعبئة الموارد، بالإضافة إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وتعزيز عملية الرقمنة وتوسيع نطاق استعمالها ومواصلة المجهودات الاستدراكية لفائدة بعض الولايات (المحافظات)”.

وبهذا تكون الحكومة الجزائرية قد رصدت نحو 220 مليار دولار خلال العامين الأخيرين، من أجل تسيير شؤون الدولة، لكن النتائج الملموسة في الحياة العامة تبقى بعيدة عن سقف الإنفاق؛ فرغم تراجع الاحتجاجات الاجتماعية وحركة الإضرابات في السنوات الأخيرة ظلت مشاعر الغضب في ازدياد مطرد، خاصة حيال الغلاء والندرة غير المبررين.

ولم تعد الشعارات السياسية قادرة على تعبئة الشارع، كما أن براغماتية الحياة اليومية لم تعد تؤمن إلا بالملموس، خاصة وأن تجربة استنزاف 1500 مليار دولار خلال عقدي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة مازالت ماثلة للعيان، ولذلك فإن سيناريو ضياع 220 مليار دولار وارد، إذا كانت 1500 مليار دولار قد تبخرت في غضون 15 عاما.

وتبدو الخيارات الاقتصادية والاجتماعية حاليا غير مطمئنة، في ظل تبني الحكومة قرارات غير مدروسة ولا تحتكم إلى منطق التسيير الاقتصادي الناجع، ولذلك تحوم الاستفهامات حول جدوى الوجهة التي ذهبت إليها موازنة العام الجاري (106 مليارات دولار بعد التصحيح)، وموازنة العام القادم المرشحة لأن تصل إلى 120 مليار دولار بعد التصحيح أيضا.

وقد مُرر القانون في الغرفة الأولى للبرلمان، وينتظر عرضه على الغرفة الثانية (مجلس الأمة)، قبل توقيعه من طرف رئيس الدولة ونشره في الجريدة الرسمية، ليطلع الرأي العام على كيفية توزيع كل هذه الموازنة الضخمة على القطاعات، ولا شيء يوحي بأن الكفة ستتوازى أو ستميل إلى صالح قطاع التجهيز (الاستثمارات الحكومية) الذي يبقى القاطرة التي تقود عجلة الاقتصاد والتنمية المحلية.

1