مواجهة مفتوحة للظفر برئاسة المجلس الأعلى للدولة الليبي

يحتدم السباق بين الفاعلين في المشهد السياسي الليبي من أجل الظفر برئاسة المجلس الأعلى للدولة في البلاد، وسط ترقب سياسي وشعبي لنتائج تلك المواجهة التي تضع الرئيس الحالي محمد تكالة والرئيس السابق خالد المشري وجها لوجه مع اختلاف مستويات الدعم السياسي لهما.
طرابلس - يستعد المجلس الأعلى للدولة الليبي لعقد جلسة عامة بداية الأسبوع القادم، يتم خلالها انتخاب الرئيس الدوري للمدة النيابية القادمة، في ظل مواجهة مفتوحة بين الرئيسين الحالي والسابق ورئيس كتلة “الوفاق الوطني”، تعكس طبيعة الصراع المحتدم في صدارة المشهد السياسي بين إرادات الفاعلين الأساسيين.
وأول المرشحين هو الرئيس المنتهية ولايته محمد تكالة الذي يحظى بدعم قوي من رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ومن القوى الإسلامية المتشددة المقربة من رئيس دار الإفتاء في طرابلس الصادق الغرياني، وكذلك من أمراء الحرب المناهضين لأي محاولة تقارب بين غرب وغرب البلاد بخصوص تشكيل حكومة موحدة تبسط نفوذها على كامل التراب الليبي تمهيدا لتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وتكالة أكاديمي ليبي ولد عام 1966، بدأ ظهوره السياسي في العام 2012 عندما انتخب عضوا للمؤتمر الوطني العام عن مدينته الخُمس، في أول انتخابات برلمانية بعد الإطاحة بالنظام السابق، وتولى صفة مراقب بمكتب رئاسة المؤتمر الوطني العام، وعضوية لجنة المواصلات والاتصالات بالمؤتمر.
وانتقل آليا إلى عضوية مجلس الدولة الذي تشكل بموجب الاتفاق السياسي برعاية الأمم المتحدة، والموقع في مدينة الصخيرات المغربية في 2015، بهدف إعادة تدوير تيار الإسلام السياسي المنقلب على نتائج انتخابات 2014، ثم انتخب في السادس من أغسطس 2023 رئيسا للمجلس خلفا لخالد المشري بعد حصوله على 67 صوتا في الجولة الثانية للتصويت.
المرشح يجب أن يتحصل على تزكية 15 نائبا و15 عضوا بمجلس الدولة، ويصوت مجلس الدولة على المرشحين ثم البرلمان
وتم الحديث آنذاك عن صفقة عقدها الدبيبة مع عدد من أعضاء مجلس الدولة لإقناعهم بالتصويت لفائدة تكالة بما يعني الإطاحة بالمشري الذي كان قد وصل إلى توافقات مهمة مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح حول ضرورة تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يرفضه الدبيبة وحلفاؤه بقوة.
ويراهن تكالة، وهو قيادي في حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان في ليبيا، على الاستمرار في منصبه كرئيس لمجلس الدولة، لاسيما بعد مواقفه الأخيرة التي اتخذها ومنها رفضه التصديق على ميزانية الدولة للعام 2014، ومقاطعته للاجتماع الثلاثي الذي كان مقررا عقده في العاصمة المصرية وبدولة من جامعة الدولة العربية بينه وبين رئيسي المجلس الرئاسي محمد المنفي ومجلس النواب عقيلة صالح، مع تسريب معطيات بشأن الأسباب الحقيقية وراء المقاطعة وهي الزعم بتدخل المخابرات العامة المصرية في الاجتماعات التي يعقدها الفرقاء الليبيون داخل التراب المصري.
وأما ثاني المرشحين، فهو خالد المشري الذي يطمح إلى العودة إلى منصب رئيس المجلس بعد عام من إزاحته عنه، وذلك بهدف مواصلة مشواره السياسي الذي لا يقف عند حد، وفق أغلب المقربين منه.
وكان المشري قد انتخب في الثامن من أبريل 2018 رئيسا لمجلس الدولة خلفا لعبد الرحمن السويحلي الذي تولى رئاسة المجلس لولايتين ثم استمر على رأس المجلس إلى أغسطس 2023 عندما تمت الإطاحة به من قبل التحالف الموالي للدبيبة.
وانتمى المشري إلى جماعة الإخوان المسلمين الليبية وتعرّض للسجن مع بقية أفراد الجماعة بين عامي 1998 و2006، وهو عضو بالمكتب التنفيذي لحزب العدالة والبناء، وفي العام 2019 خرج المشري على الملأ ليعلن استقالته من جماعة الإخوان المسلمين، داعيا إلى العمل بعيدا عن أي تيارات قد تستخدم لضرب وحدة المجتمع.
وقال في بيان للرأي العام “أعلن استقالتي وانسحابي من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك انطلاقا من المقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، ومن باب الصدع بالقناعة والوضوح مع المواطن الليبي، مع استمراري في العمل السياسي والحزبي، والاحتفاظ بكل الود والاحترام لكل أعضاء الجماعة”، مطالبا أبناء الشعب الليبي بالعمل بعيدا عن أي شعارات أو أسماء قد تستخدم لضرب وحدة المجتمع.
يشترط حصول المرشح على تزكية 15 نائبا و15 عضوا بمجلس الدولة، ويصوت مجلس الدولة على المرشحين ثم مجلس النواب في جلستين علنيتين
وساهم المشري المعروف بقربه من تركيا وقطر، بدور كبير في إفشال خطة الجيش الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر للسيطرة على المنطقة الغربية بما فيها العاصمة طرابلس خلال معركة 2019 – 2020، لكنه لم يقطع جسور التواصل مع سلطات شرق البلاد، وخاصة مجلس النواب، حيث أعلن في أكتوبر 2022 بعد اجتماعات في المغرب مع عقيلة صالح، أنهما اتفقا على توحيد السلطة التنفيذية في أقرب الآجال، ووعد بـ”ألا تحل بداية العام 2023 إلا وقد توحدت السلطة التنفيذية والمناصب السيادية”، لكن لا شيء من ذلك تحقق على أرض الواقع نتيجة العراقيل التي فرضتها مراكز القرار الداخلي والنفوذ الخارجي.
وفي يوليو 2023 توصل المشري وصالح إلى اتفاق على خارطة طريق سياسية جرى التصديق عليه من قبل مجلس الدولة، وهي تحدد موعد إجراء الانتخابات بـ240 يوما (8 أشهر) منذ صدور القوانين الانتخابية التي اعتمدتها لجنة 6+6، وتنص على بدء إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة الموحدة، فور اعتماد المجلسين للخارطة إذ يفتح باب الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة لمدة 20 يوما.
ويشترط حصول المرشح على تزكية 15 نائبا و15 عضوا بمجلس الدولة، ويصوت مجلس الدولة على المرشحين ثم مجلس النواب في جلستين علنيتين، ويكون الفائز برئاسة الحكومة هو المتحصل على أكثر الأصوات في المجلسين، وعليه عندها تشكل حكومته خلال 20 يوما من تكليفه.
وتشترط خارطة الطريق توفر متطلبات قبل إجراء الانتخابات، وهي تنفيذ مشروع مراجعة بيانات السجل المدني والأرقام الوطنية، وتشكيل لجنة عليا لحل ملف الأرقام الإدارية نهائيا، وتنفيذ مشروع التعداد السكاني، إضافة إلى تركيب البصمة البارومترية للتحقق من هوية الناخبين.
وكانت اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة المعروفة بلجنة 6+6 والمكلفة بإعداد مشروعات القوانين الانتخابية في عقد اجتماعاتها بمنتجع أبوزنيقة المغربي في الفترة بين الثاني والعشرين من مايو والسادس من يونيو 2023، انتهت إلى التوصل إلى حلول توافقية حول المواد الخلافية المتعلقة بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للسباق الرئاسي.
خارطة الطريق تشترط توفر متطلبات قبل إجراء الانتخابات، وهي تنفيذ مشروع مراجعة بيانات السجل المدني والأرقام الوطنية، وتشكيل لجنة عليا لحل ملف الأرقام الإدارية نهائيا، وتنفيذ مشروع التعداد السكاني
وقد أدى التقارب الحاصل بين مجلسي النواب والدولة إلى حالة احتقان بين القوى المناهضة للحل التوافقي، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات بين الدبيبة والمشري بشكل غير مسبوق، وفي الثالث عشر من يوليو 2023 هاجم المشري، رئيس حكومة الوحدة الوطنية متهما إياه بـ”التضييق” على مجلس الدولة، ومنع إجراء الانتخابات، وأكد أن مجلسه “عازم وبشكل واضح وحقيقي على عدم حرف مسار اتجاه الانتخابات، واتخذ في ذلك كل الخطوات”، مضيفا أن هذه الجهود “قوبلت برفض قاطع وقوي من الحكومة (حكومة الوحدة الوطنية)، ومن قبل بعض القوى المسيطرة بحكم الأمر الواقع”.
وقال المشري إنه بعد تصويت مجلس الدولة على خارطة الطريق، التي تتضمن تغيير الحكومة، “جنّ جنون الحكومة والقوى المسيطرة بسلطة الأمر الواقع، وطلبت من الأجهزة الأمنية التابعة لها عرقلة جهود المجلس، لأنه يسعى لإيجاد حكومة موحدة، واليوم منع عدد من أعضاء مجلس الدولة كانوا ذاهبين إلى تركيا في مهمة رسمية من السفر، وجرت مصادرة جوازاتهم”، مردفا أن عددا من أعضاء مجلس الدولة تلقوا اتصالات هاتفية من جهاز الأمن الداخلي، قبيل انعقاد جلسة التصويت على خارطة الطريق، وطلبوهم للحضور إلى مقر الجهاز، مشيرا إلى أن تلك الاتصالات “جرت بتعليمات من رئيس الحكومة (عبدالحميد الدبيبة)”.
أما المرشح الثالث، فهو رئيس اللجنة القانونية بمجلس الدولة عادل كرموس الذي يبدو أقرب إلى المشري منه إلى تكالة، ومعروف عنه تقييمه للمواقف السياسية بالاعتماد على المرجعية القانونية، وهو رئيس كتلة “التوافق الوطني” التي شاركت في أغلب اللقاءات مع أعضاء مجلس النواب وآخرها المنعقد بالقاهرة، والذي قال عنه كان ناجحا، وفرصة لكسر الجمود السياسي الحالي، وأضاف أن اللقاء حقق أهدافه، خصوصا بعد بيان بعثة الأمم المتحدة، حيث يمكن البناء عليه كما أشارت البعثة، منوها بأن اللقاء لم يقص أحدا، مشيرا إلى أن “الهدف من اللقاء حل الأزمة السياسية بأي شكل من الأشكال، وإن لم نوفق في تنفيذ هذه الخارطة فنحن حركنا الجمود السياسي، ومن المفترض أن ترعى البعثة الأممية لقاء يضم أعضاء المجلسين، أو تلجأ إلى تنفيذ خططها السابقة”، معتبرا أن مسألة البقاء في حالة جمود تزيد من معاناة المواطن، المتضرر الأكبر الذي يعاني الانقسام المتسبب في المشاكل على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي.
في الأثناء، سعت بعض الأطراف الغربية للتدخل بهدف إقناع العنصر النسائي بالترشح لرئاسة المجلس، حيث استعرضت عضو لجنة الخدمات بالمجلس الأعلى للدولة نعيمة الحامي مع المستشارة السياسية بالسفارة الفرنسية ماري فافريال آلية عمل المجلس وفرص ترشح الأعضاء النساء وفوزهن بالانتخابات الدورية لرئاسة المجلس، لكن أغلب المراقبين يرون هذا الهدف يبقى بعيد المنال نتيجة سيطرة العنصر الذكوري على المجلس وكذلك طبيعة الوضع العام في البلاد بسبب حالة الاشتباك السياسي بين قوى تعتبر أنها في مرحلة حسم للمواقف بما يحدد ملامح المرحلة القادمة التي يتطلع المجتمع الدولي إلى أن تكون مناسبة لرسم خارطة الحل النهائي.