مواجهات دامية بين قوات الأمن وأنصار الخاسرين في الانتخابات العراقية

مقتدى الصدر يدعو المتظاهرين المعترضين على نتائج الانتخابات إلى عدم تلطيخ سمعة الحشد الشعبي.
السبت 2021/11/06
القوى الخاسرة تضغط بالشارع

بغداد - قتل شخص وأصيب أكثر من مئة آخرين بجروح الجمعة في بغداد إثر مواجهات بين قوى أمنية ومتظاهرين مناصرين لفصائل موالية لإيران كانوا يعترضون على نتائج الانتخابات النيابية، وذلك عندما حاول المحتجون اقتحام المنطقة الخضراء المحصنة في وسط العاصمة، بعد انتخابات برلمانية سجلت فيها القوى الموالية لإيران تراجعا.

وتجددت الصدامات في محيط المنطقة الخضراء ليلا بعد فترة من الهدوء الحذر، وفق مصدر في كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد الشعبي، ووسائل إعلام محلية. واتهم المصدر القوات الأمنية بإضرام النار في خيم المعتصمين المعترضين على نتائج انتخابية أمام مداخل المنطقة الخضراء.

وأفاد مصدر أمني بمقتل متظاهر "أصيب بالرصاص وفارق الحياة في المستشفى"، دون أن يحدد ما إذا كانت القوات الأمنية هي الجهة المطلقة للنار.

في الأثناء، تحدّثت وزارة الصحة العراقية في بيان عن إصابة "125 شخصا بجروح، بينهم 27 من المدنيين، والباقون من القوات الأمنية". وأضاف البيان أن "أغلب الإصابات بسيطة إلى متوسطة ولم تسجل أي إصابة بطلق ناري، كما لم تسجل أي وفاة".

وذكرت وكالة الأنباء العراقية نقلا عن قيادة العمليات المشتركة في ساعة مبكرة من صباح السبت، أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أمر "بتشكيل لجنة تحقيق عليا ضمت في عضويتها أمن الحشد الشعبي للنظر في الأحداث المؤسفة التي شهدتها تظاهرات الجمعة".

وقالت قيادة العمليات في بيان إن "اللجنة باشرت تحقيقاتها فور صدور الأمر للكشف عن الملابسات والتداعيات، التي أدت إلى سقوط شهداء وجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية".

وأضاف البيان "المقصرون سيقدمون للمساءلة القانونية لتقصيرهم ومخالفتهم أوامر القائد العام الصريحة، التي أكدت على عدم إطلاق الرصاص الحي تحت أي ظرف كان".

كما أمر الكاظمي بدفع تعويضات لضحايا الاشتباكات، وقرر القيام شخصيا بالإشراف المباشر على سير عمل التحقيق.

وهذا هو أول اشتباك عنيف بين القوات الحكومية ومؤيدي الأحزاب السياسية التي تدعم معظمها جماعات مسلحة وتتحالف مع إيران، منذ أن خسرت العشرات من المقاعد بمجلس النواب في الانتخابات التي أجريت في العاشر من أكتوبر.

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وجه دعوة إلى المتظاهرين في بغداد المعترضين على نتائج الانتخابات، قائلا "أمنيتي ألا تتلطخ سمعة الحشد"، مضيفا أن "الصِدام مع القوات الأمنية أمر مستهجن".

وقال الصدر في تغريدة على تويتر "لا ينبغي أن تتحول المظاهرات السلمية إلى مظاهرات عنف واستصغار للدولة"، مضيفا "كما لا ينبغي للدولة أن تلجأ للعنف ضد المتظاهرين السلميين".

العراق

ولم تصدر بعد النتائج النهائية الرسمية للانتخابات التي جرت في العاشر من أكتوبر، إذ لا تزال المفوضية العليا للانتخابات في المراحل الأخيرة لإعادة فرز الأصوات بناء على طعون قدمت لها، قبل رفعها للمحكمة المختصة وإعلان النتائج النهائية للانتخابات.

وحاز تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي المدعوم من إيران، على نحو 15 مقعدا فقط في الانتخابات، بحسب النتائج الأولية. وكان عدد أفراد كتلته في البرلمان المنتهية ولايته 48. وندّد قياديون في التحالف بـ"تزوير" في العملية الانتخابية.

وفي وقت سابق، قام المتظاهرون، و"غالبيتهم من مناصري كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق"، وهما من الفصائل الأكثر نفوذا في قوات الحشد الشعبي التي تشكل جزءا من القوات العراقية الحكومية، بإغلاق "ثلاثة من أصل أربعة مداخل للمنطقة الخضراء"، و"حاولوا اقتحام المنطقة الخضراء من جهة قريبة من وزارة الدفاع، وقاموا برمي الحجارة، لكن تم ردعهم من قوة مكافحة الشغب"، وفق مصدر أمني آخر.

وتضمّ المنطقة الخضراء التي استهدف محيطها قبل أيام بثلاثة صواريخ من نوع كاتيوشا، مقرات حكومية عديدة منها المفوضية العليا للانتخابات المعنية بدراسة الطعون وإعادة فرز الأصوات، بالإضافة إلى سفارات أجنبية منها السفارة الأميركية.

ويقول مراقبون إن الخسارة التي سجلها الحشد الشعبي تعود إلى خيبة أمل ناخبيه من أدائه السياسي وإخفاقه في تلبية تطلعاتهم، بالإضافة إلى العنف والممارسات القمعية المنسوبة للفصائل المكوّنة للحشد، لاسيما خلال تظاهرات أكتوبر 2019 التي طالبت بإسقاط الطبقة السياسية ونددت بنفوذ إيران.

ويتهم ناشطون الفصائل الموالية لإيران بالمسؤولية عن اغتيال وخطف العشرات من الناشطين خلال العام الماضي.

ودعا زعيم كتلة "دولة القانون" ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المقرّب من إيران، "المتظاهرين جميعا المعترضين على نتائج الانتخابات والمطالبين بحقوقهم المشروعة... إلى عدم التصعيد، واتباع السياقات القانونية في التظاهر والمطالبة بشفافية الانتخابات والابتعاد عن الاحتكاك بالقوات الأمنية او إثارتها".

من جهته، دعا الرئيس العراقي برهم صالح إلى "ضبط النفس وتقديم المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار"، مضيفا في تغريدة أن "التظاهر السلمي حق مكفول دستوريا، مع ضرورة عدم خروجه عن إطاره السلمي القانوني، والصدامات التي حصلت بين قوات الأمن والمتظاهرين مؤسفة ومرفوضة".

في الأثناء، أعربت بعثة الأمم المتحدة في العراق، التي شارك ممثلون عنها في مراقبة العملية الانتخابية، "عن أسفها لتصاعد العنف والإصابات التي أعقبت ذلك في بغداد"، داعية "الأطراف كافة إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، واحترام الحق في الاحتجاج السلمي، وأن تبقى المظاهرات سلمية".

وبدأ المئات من مناصري الحشد الشعبي، قبل أكثر من أسبوعين اعتصاما قرب المنطقة الخضراء، احتجاجا على "تزوير" يقولون إنه شاب الانتخابات التشريعية المبكرة. وأثار ذلك مخاوف من حصول توترات سياسية وأمنية.

وحصد التيار الصدري بزعامة الصدر أكثر من 70 مقعدا وفق النتائج الأولية، أي ستكون له مجددا الكتلة الأكبر في البرلمان، ولكنه لا يملك الغالبية فيه.

ويتطلب اختيار رئيس للحكومة وتشكّل الكتل السياسية والتحالفات في البرلمان الجديد وقتا طويلا، فيما المفاوضات جارية حاليا بين مختلف القوى السياسية.

وأفرزت الانتخابات برلمانا مشرذما ما يفتح الأبواب أمام سيناريوهات عدة، فيما يرجح محللون توافقا بين القوى الشيعية الأبرز حول مرشح للوصول إلى سدة رئاسة الوزراء.