مهى بيرقدار الخال شاعرة ورسامة وزوجة رجل مهم

شاعرة ورسامة سورية عاشت إلى جانب "بابا" الحداثة الشعرية في العالم العربي تعلمت منه الكثير واجتهدت وكافحت من أجل أن تكرّس حضورها الشخصي بعيدا عن رعايته.
الأحد 2025/03/02
الجمال رافقها عبر سنيّ حياتها

كلما مر ذكر الشاعرة والرسامة مهى بيرقدار الخال التي رحلت عن عالمنا قبل أيام يتم التطرق إلى تجربة زواجها الفاشل من عرّاب الحداثة الشعرية العربية يوسف الخال، والذي ظل اسمه مرتبطا بلقبها، وقد أنجبت منه فتى وفتاة، هما يوسف وورد، اللذين صارا فيما بعد نجمين في عالم التمثيل. وفي ذلك نوع من الشطب على شخصيتها المستقلة المتمردة التي كانت تقف وراء اندفاعها للزواج برجل كان يكبرها بـ31 سنة.

زوجة "بابا" الحداثة

ولدت مهى عام 1947 فيما كان الخال قد ولد عام 1917. ولأن الشاعر قد صرح غير مرة أنه يحب معاشرة النساء، ولكنه لا يحبهن، فقد فشل زواجه بالرسامة هلن الخال (1923 ــ 2009) وللأسباب نفسها لم يكن زواجه بمهى ناجحا.

غير أن ما لا تُفهم أسبابه أن هلن لا يتم التعريض بحكاية زواجها الفاشل من الخال، بل تتم الإشادة بتجربتها الفنية، كونها جزءا من جيل الحداثة الفنية الثاني إلى جانب شفيق عبود وإيفيت أشقر وفريد عواد وجورج غي ومنير عودو وميشال بصبوص، في حين أن بيرقدار التي أصدرت أكثر من أربعة كتب شعرية وأقامت عددا من معارض الرسم كما أنها أدارت غاليري “one” ما بين 1970 و1975 وهي القاعة التي أدارتها هلن الخال يوم تأسيسها عام 1963، لا تخرج الكتابة عنها من مضيق الفشل في الزواج. وكما يبدو فإن الشهرة التي كتبت عددا من كتب الأطفال وزيّنتها برسومها كانت قد ظُلمت بزواجها كما ظُلمت بالكتابة عنها.

التقيت مهى بيرقدار الخال غير مرة في ثمانينات القرن الماضي ببغداد. كانت تدعى دائما باعتبارها شاعرة، وكنت مهتما بها رسامة ومديرة سابقة لغاليري كان قد احتضن تجارب رسامين عراقيين صارت لهم في ما بعد مكانة مهمة في المشهد الفني العراقي، مثل رافع الناصري وضياء العزاوي ومحمد مهر الدين. لقد فوجئت أنها كانت تسعى دائما إلى التذكير بأنها شاعرة على الرغم من غنى تجربتها رسامة.

عاشت كما تحب

في “حكايا العراء المرعب” وهو الكتاب الذي ختمت به حياتها تنكشف على تلك المسافة الروحية والعاطفية التي تفصل بين الجانبين. ذهبت بيرقدار إلى بيروت من أجل طباعة كتابها الشعري لدى دار النهار، غير أنها تزوجت من مدير الدار ولم تنشر كتابها، بل إن أيا من كتبها لم تصدر عن الدار المذكورة. لقد صارت زوجة الرجل الذي كانت له سطوة غير محدودة على الحداثة الشعرية العربية ويمكن أن يُلقب بـ”بابا” الحداثة الشعرية في العالم العربي.

◄ المرأة التي عاشت إلى جانب "بابا" الحداثة الشعرية في العالم العربي

وكما أرى فإن المرأة التي التقيتها في عز شبابها كانت شجاعة في إشهار شعرها المختلف في ظل هيمنة أفكار زوجها على المشهد الشعري.

 لم ترغب المرأة التي تحدّت مجتمعها وتزوجت زواجا مدنيا في قبرص ومن ثم عمّدت طفليها على طريقة الموارنة في أن تضع موهبتها في خدمة الوصفات الجاهزة التي وضعتها مجلة شعر على الطاولة. كان شعرها يقلقها. وهو ما لاحظته وأنا أسعى إلى تحريضها للحديث عن رسومها على الرغم من أنها كانت تظهر تمنعها وأنا أقول لها “أحبك رسامة.”

ولدت مهى بيرقدار في دمشق لعائلة مسلمة. عام 1967 اختيرت ملكة جمال لدمشق. درست إدارة الأعمال في دمشق وميونخ، كما درست الرسم في مركز الفنون التشكيلية بدمشق. في سنّ مبكرة كتبت الشعر وبدأت ترسم.

عام 1970 حاولت أن تنشر كتابها الشعري الأول ضمن منشورات دار النهار، غير أنها بدلا من أن تنشر ذلك الكتاب تزوجت من مديرها. فيما بعد أصدرت بيرقدار عدة كتب شعرية منها “عشبة الملح” و”رحيل العناصر” و”الصمت” و”علاج الروح”.

كتبت ورسمت كتبا للأطفال كما ألفت الكثير من الأغاني الموجهة إليهم. عملت بيرقدار في الإذاعة والتلفزيون السوريين وإذاعات لبنانية محلية منتجة ومقدمة برامج ثقافية. عملت في مجلة الصياد بين عامي 1980 و1987. أقامت بيرقدار 15 معرضا شخصيا. كتبت فيلمي “قطرة حب” و”ما بعد الزمان” ومثلت فيهما إلى جانب ابنتها ورد وولدها يوسف.

◄ رسامة أفضل من كونها شاعرة

وكما يبدو فإن مهى عاشت الحياة كما تحب. كتبت ورسمت ومثلت وسافرت واشتهرت غير أن ذلك كله لم يشكل تعويضا لخيبتها في الزواج من شاعر أحبت بأن تقف إلى جانبه شاعرة ورسّامة وفي الوقت نفسه زوجة سعيدة. وهو ما لم تستطع تحقيقه بشكل كامل، إذ تقول في خاتمة كتابها الأخير “حكايا العراء المرعب” الذي كان أشبه بتصفية حساب مع الماضي “ليس من عادتي أن أنكأ الجراح، وها أنا أعتذر سلفاً من كل من سيقرأ هذا الكتاب، لأنه شهادة صادقة رغم إمعانها في السواد، لقد نئتُ تحت وابل الحروب التي عشتها والأحزان التي حملتها، وبرأسي المليء بالشظايا والذكريات الأليمة.”

وتضيف “عندما قررتُ أن أكتب هذا الكتاب، كنتُ في حالة نفسية متردية، كنت كالسائر على حبل رفيع، إما أن أحافظ على توازني، وإما الوقوع في الهاوية. الفكرة أرجعتني إلى أصعب القرارات، أي الكتابة، لأنني كنتُ هجرت الرسم والتأليف.”

صورتها الأخيرة

تقول مهى بيرقدار في قصيدة بعنوان “البحث عن وطن”،  “بحثت في غابات السماء/ عن اسم أدعوه الوطن/ ما انهمر ثمر/ ثقل الصمت في كفي/ تلعثمت في الدرب خطاي/ تراميت، تراكمت عليّ/ كالعناقيد آخر القطاف/ خارج الأقواس ركضت/ فرسا خشبية/ رجع خطاها يشوّش الآفاق/ كُسرت جسوري عند الضفاف/  قلت: هذا الصمت أسكنه/ وهذا لا يضني/ كالوطن حين يمطرك بالجراح/ أرسلت للأمس نظري/ عاد النظر مكللا بالمياه/ رقصت مع وحشتي قليلا/ ورميت للهواء وشاح الصراخ.”

يمكن أن تكون تلك القصيدة واحدة من أفضل قصائدها وهو ما يعني أنها كانت شاعرة عادية. لذلك فإنها حين تندب حظها لأنها تزوجت شاعرا كان له دور عظيم في التبشير بالحداثة في العالم العربي لا لشيء إلا لأنه أهملها زوجة كما تقول، فإنها تكون قد ارتكبت خطأً كبيرا. فلولا أنها ارتبطت بيوسف الخال حتى وفاته عام 1987 وحملت لقبه إلى جانب لقبها العائلي لما حظيت بالاهتمام الذي رافقها عبر سنيّ حياتها.

 كانت شاعرة متواضعة ولم يكن في إمكانها أن تقف إلى جانب الرسامات اللواتي ملأن المشهد الفني بحضورهن على الرغم من أنها كانت من وجهة نظري رسامة أفضل من كونها شاعرة. كل هذا لا يلغي حقيقة أن المرأة التي عاشت إلى جانب “بابا” الحداثة الشعرية في العالم العربي سبعة عشر عاما تعلمت منه الكثير واجتهدت وكافحت من أجل أن تكرّس حضورها الشخصي بعيدا عن رعايته. غير أن حجم موهبتها هو ما وهبها صورتها الأخيرة.

◄ زواج فاشل أثّر في حياة بيرقدار

 

8