مهنية الصحافيين لا تحميهم من تأثير الصور الصادمة على مدار الساعة

يتعرض الصحافيون في غرف الأخبار لمجموعة هائلة من الصور المؤلمة والصادمة تجعلهم عرضة للإصابة باضطرابات نفسية، وتشي بتأثيراتها السلبية على الجمهور، الأمر الذي مازال يثير جدلا واسعا حول العالم، بشأن أخلاقية استخدام الصور الصادمة في الصحافة.
الجمعة 2017/12/29
صورة خير من ألف كلمة

واشنطن - لطالما كانت الصور الصادمة جزءا من العمل الصحافي، ويضطر العاملون في ميدان الإعلام إلى التعامل معها بمهنية وحرفية، ولكن مع تسارع وتيرة الأخبار في دورة الـ24 ساعة ، فإن الصحافيين ومن يعملون في وسائل الإعلام معرضون لأخبار سلبية لم يسبق لها مثيل، ومهددون بتداعياتها.

ويقول غافين ريس من مركز دارت أوروبا، وهو مبادرة مخصصة لتحسين تغطية وسائل الإعلام للقضايا الصادمة، إنه لاحظ في البداية كيف يتعرض العاملون بغرف الأخبار لصور انفعالية.

وأضاف لشبكة الصحافيين الدوليين “لقد حدد ذلك سابقا، كانت هناك صور مروعة تم نشرها خلال حرب العراق الأولى والإبادة الجماعية في رواندا. ما اختلف الآن هو قوة المادة، يتم التقاطها بوضوح تام من المستخدم لتصل إلى الصحافي”.

وكان الصحافيون سابقا قادرين على الاختيار ما إذا كانوا يريدون الذهاب إلى مناطق النزاع أم لا، لكن الآن ليس بيدهم الكثير من الخيارات للسيطرة على الصور التي يتعرضون لها، حتى وإن كانوا وراء مكاتبهم ولا يبرحون أماكنهم.

ولا تزال العديد من مدارس الصحافة لا تعلم الطلاب كيف أن تغطية صدمات يمكن لها أن تؤثر على القراء والمراسلين في آن معا. ورغم ذلك يقول ريس إن غرف الأخبار تتحسن في طريقة تعاملها مع الصور الصادمة وتبعاتها على موظفيها.

وأشار إلى أن الناس بدأوا يزدادون وعيا، مضيفا “نحن نميل للحاق بالركب بعدما تصاعدت المشاكل بشكل أكبر من السابق، وهذا الأمر حساس عندما يتعلق بأشخاص يعانون من مشكلة الصدمة لأن هذا يعد وصمة عار والناس لا يحبون أن يعرفوا بالضعف”.

وتابع “الدراسات أظهرت أن الصحافيين يميلون ليكونوا أكثر ليونة من عامة الناس، لأنهم يميلون نحو الشعور بالهدف والإيمان بقيمة عملهم، ما يساعدهم على حماية أنفسهم من الأوضاع الضاغطة، لكن مع هذا فإن الصحافيين ليسوا بمنأى تماما عن المعاناة من الآثار السلبية للتعرض الدائم للصور الصادمة”.

غافين ريس:غرف الأخبار بحاجة إلى الموازنة بين إعلام الجمهور والحماية من الصدمة

وأمر واحد يعتبر مقلقا هو أن الصحافيين الذين تتطور لديهم اضطرابات ما بعد الصدمة يتأخرون بالإبلاغ عن عوارضهم.

ويميل التعرض إلى صور صادمة لجعل الناس يشعرون بالعاطفة والخدر، ولكن هذه المشاعر ليست بالضرورة غير طبيعية. وأولى الإشارات على بدء الصحافي يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة هي البدء بعدم الثقة بزملائه وفق ما يشير ريس.

ويضيف “دماغهم يستجيب للأوضاع العنيفة أمامهم. إذا خسرت الشعور بالأمان خلال رؤيتك لهذه الصور، فإنك تميل للشعور بعدم الأمان حول أمور أخرى أيضا، مثل ما إذا كان بإمكانك الوثوق بزملائك أو إدارتك”.

ومن المهم أيضا أن يدرك المدراء هذه المسائل كي يشعر الموظفون بأمان أكبر. ويرى ريس “إن المدراء الأفضل الذين توصلنا إليهم كمثال منفتحون على هذه القضايا ولا يخشون الاعتراف بردات فعلهم حول المواد القوية”.

وتتطور الممارسات الإعلامية بشكل أفضل نحو حماية كل من العاملين بمجال الأخبار والجمهور من الصور الصادمة. فالتطور في الابتكارات التكنولوجية، التي يمكن أن تعرض صورا صادمة تلقائيا، يمكن أن يساعد المشاهدين من خلال تحذيرهم. ويسود الاعتقاد بأن غرف الأخبار لا تزال بحاجة إلى العمل على الموازنة بين واجبها بإعلام الجمهور وحماية نفسها والناس من الصدمة، بحسب ريس.

ويقول ريس “إن هناك أوقاتا من أجل رؤية الناس ما يحصل حقيقة في العالم قد تعني عرض صور مزعجة ومؤلمة”.

وكانت مجموعة من الخبراء بحثت في تداعيات وأخلاقيات استخدام صور غرافيك في الصحافة خلال محاضرة أجريت في مركز تاو للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا، وأوردت بعض الأفكار لوضعها في الاعتبار عند مناقشة استخدام صور أو فيديوهات صادمة في غرفة الأخبار.

وقال بروس شابيرو، المدير التنفيذي في مركز دارت للصحافة والصدمات، “على مدار عقود، كانت هناك معطيات ومعلومات قليلة جدا تلك التي كانت معروفة عن الآثار النفسية لمشاهدة صور غرافيك، ورغم ذلك، فمع ظهور صحافة المواطن طور علماء النفس المعاصرون فهما مشتركا لقدرة هذه الصور على إحداث ضرر”.

وأضاف “هناك مجموعة كاملة من الأبحاث تنظر خصوصا في أحداث 11 سبتمبر، وتفجيرات بوسطن، وساندي هوك والأحداث المماثلة، والتي تقول نعم، إن مستويات الضغط النفسي لدى مستهلكي الأخبار والمشاكل الصحية الجسدية وغيرها من الأمور تبدو مرتبطة باستهلاك كميات كبيرة من صور غرافيك لأحداث مثل هذه”.

وأوضح أن الآثار النفسية لصور الغرافيك تعبر عن نفسها بطرق عدة، منها الضيق والضرر المعنوي الذي يتعرض له مستهلكو الأخبار، وإمكانية تحريض المقلّدين الذين يرغبون في محاكاة جريمة ظهرت في صورة أو فيديو. وأخيرا، هناك احتمال الصدمة غير المباشرة التي تؤثر في العاملين في صناعة الأخبار والذين تعد وظيفتهم مشاهدة هذه الصور.

وقد أثيرت هذه القضية بشكل واسع مؤخرا عندما كافأت جائزة بايو- كالفادوس لمراسلي الحرب، تحقيقا مصورا للصحافي العراقي علي أركادي، يدين لجوء قوات مسلحة عراقية إلى التعذيب.

وأثارت الجائزة “جدلا حادا” بين أعضاء لجنة التحكيم التي تألفت من خمسين صحافيا. وأفاد عضو في اللجنة طلب عدم ذكر اسمه بأنه يشعر بالقلق إزاء المسائل الأخلاقية التي تثيرها تلك الصور “الصادمة”.

وقال جيريمي بوين مراسل الحرب المخضرم من هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن تلك الصور التي التقطها المصور الكردي علي أركادي “إنها أكثر الصور الشريرة والمزعجة التي شاهدتها في حياتي”.

وقال بوين الذي رأس لجنة التحكيم لجائزة بايو-كالفادوس، “إن الصورة ليست قوية حقا فحسب، بل إنها شريرة”.

18