مهرجان قرطاج الدولي يصدح بأصوات أفريقيا دفاعا عن قضاياها

يمثل الفن وسيلة مهمة لنشر الوعي، وهو ما يعيه جيدا الفنانون الأفارقة اليوم، فاستغل الكثير من مغني القارة السمراء الموسيقى للتعريف بالقضايا التي تواجهها أفريقيا اليوم، سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو الأمني أو السياسي أو الاقتصادي أو على مستوى الهجرة وغيرها من الرهانات الصعبة، أمام بلدان تعاني رغم ثرواتها. ويتبنى الفنانون الأفارقة قضايا القارة، وهو ما يؤكده حفل انتظم مؤخرا ضمن فعاليات مهرجان قرطاج الدولي في تونس.
تونس - ترجم العرض الأفريقي للثنائي يامي آلادي وتيكن جاه فاكولي انفتاح تونس على الثقافات الأخرى والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع التونسي ومجتمعات أفريقيا؛ فتونس التي أعطت اسمها القديم (إفريقية) لهذه القارة هي دولة تجمع ولا تفرق وتظل بحاضرها ومستقبلها وفية لمميزاتها الحضارية كأرض لتلاقح الحضارات والتسامح بين الشعوب.
وحمل الحفل الأفريقي رسائل الحرية والسلام في دلالة على انفتاح تونس وقبولها للآخر المختلف دينا ولونا وعرقا وثقافة، وانخراطها في الدفاع عن قضايا القارة السمراء التي تنتمي إليها.
رسالة فنية
تيكن جاه فاكولي حمّل أغانيه رسائل حول المناخ والجفاف والمجاعات والهجرة وغيرها من القضايا التي تواجهها أفريقيا
كانت سهرة الفنانة النيجيرية يامي آلادي والفنان الإيفواري تيكن جاه فاكولي، ليلة الخامس عشر من أغسطس الجاري ضمن برمجة الدورة الـ57 من مهرجان قرطاج الدولي، أفريقية خالصة ومميزة بإيقاعات الريغي والجاز والأفروبوب. وجاد خلالها المغنيان على جمهور قرطاج بأغاني الحرية والحب والسلام، في سهرة سجلت حضور وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي ووزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار، إلى جانب المئات من الأفارقة المقيمين بتونس وعدد كبير من التونسيين عشاق هذه الأنماط الموسيقية الأفريقية.
وبدت إطلالة يامي آلادي على جمهور قرطاج مثيرة وحماسية وهي بزيها الأزرق، بما يحمله هذا اللون من دلالات عديدة المعاني منها الروحانية والصفاء والتناغم والهدوء، ولكنها في المقابل حولت المسرح إلى اهتزازات على إيقاعات موسيقاها المستمدة من العمق الأفريقي للقارة مثل “Tumbum” و”Africa” و”Mama”، وهي أغان تبرز تعلق المجتمعات الأفريقية الشديد بهويتها وإيمانها بالحرية.
كما تصور مقاطع الموسيقى جانبا من العادات والتقاليد لدى شعوب القارة كحفلات الأعراس والمناسبات الدينية وغيرها، وهو ما يتجلى في طابعها الاحتفالي في ظاهرها، أما في مقاصدها فهناك دلالات عديدة منها الحب والسلام والحرية والتعلق بالأرض.
رسالة يامي آلادي الموسيقية الموجهة إلى العالم تتضمن دعوات لإحلال السلام ونشر قيم الحب والعدالة والانتصار للذات الإنسانية
ويامي آلادي هي مغنية ومؤلفة أغان نيجيرية أطلق عليها معجبوها لقب “ماما أفريكا” لحبها لوطنها الأم نيجيريا. وقد جادت على جمهورها بالعديد من الأغاني الإيقاعية والاحتفالية. وتميز أداؤها بحضور ركحي متفرد وأنيق على خشبة المسرح، فلم تهدأ ولم يفتر حماسها طيلة العرض، بل ظلت مشدودة إلى حماس الجمهور الراقص على إيقاعات موسيقاها التي نالت من خلالها لقب نجمة الأفروبوب الأولى على الصعيد الأفريقي.
وعبرت آلادي في تصريح لها عن فخرها واعتزازها الكبيرين بالغناء على مسرح قرطاج العريق وإعجابها الشديد بالطاقة الإيجابية التي بدا عليها الجمهور التونسي والأفريقي، وهو ما زادها حماسا على الخشبة. وأكدت أن رسالتها الموسيقية الموجهة إلى العالم تتضمن دعوات لإحلال السلام ونشر قيم الحب والعدالة والانتصار للذات الإنسانية.
دفاعا عن العدالة
لم ينتظر الجمهور طويلا حتى أطل الفنان الإيفواري تيكن جاه فاكولي بزيه الأفريقي حاملا عصا الحكمة والمعرفة، ترافقه مجموعة موسيقية يرتدي أفرادها أزياء عسكرية وسلاحهم آلاتهم الموسيقية وهم عازمون على الالتزام بالدفاع عن شعوب القارة الأفريقية وقضاياها.
وهذا المغني الذي عُرفت عنه شراسته واستماتته في الدفاع عن وحدة أفريقيا وحق شعوبها في الخروج من الفقر والتحرر من السياسات التي تبقيها في تبعية للدول الغربية، عمت موسيقاه أرجاء المسرح الروماني بقرطاج، لاسيما موسيقى الريغي وإيقاعاتها الثائرة في معركته للدفاع عن الحرية والعدالة الإنسانية.
وتواصل الحفل إلى حدود الساعة الواحدة ليلا، وارتدى خلاله تيكن في موسيقاه سترة المحارب عن قضايا البيئة والمناخ، فحمّل أغانيه رسائل حول المناخ والجفاف والفيضانات والمجاعات والهجرة، وهي من القضايا التي تهدد سكان القارة الأفريقية.
ويقول مخاطبا الجمهور من فوق خشبة المسرح بين الفينة والأخرى إن “أفريقيا التي تناضل من أجل الحرية ستحقق ذلك يوما ما”، مرددا بحماس أن “أفريقيا هي المستقبل”.