مهرجان ترداد يعيد الحياة إلى الأنشطة الثقافية في لبنان

بيروت – ينطلق الجمعة في العاصمة اللبنانية بيروت مهرجان ترداد الثقافي والفني الذي تقيمه منظمة اليونسكو، والذي يسعى في ظل “سياق قاتم” إلى إحياء النشاط الثقافي الذي يعاني تبعات أزمة اقتصادية واجتماعية حادة فاقمتها جائحة كورونا.
ويهدف المهرجان الذي يستمر ثلاثة أيام إلى إعادة إطلاق الحياة الثقافية في لبنان واستعادة الأصداء الإبداعية لمدينة بيروت مجدّدا وإسكات أصوات الانفجارات.
وكلمة ترداد تعني الأصوات التي يتردّد صداها، وبذلك قصد المنظمون جعل أصداء بيروت الإبداعية أقوى من ضوضاء الانفجار، من خلال بثّ روح الفرح والنشاط والثقافة والتأمل والتعمّق في ثلاثة أيام متتالية.
ويضمّ المهرجان الذي يقام في دورته الأولى بالتعاون مع خمس جمعيات وفرق مختلفة الاختصاص تعنى بالمسرح والموسيقى والسينما والرقص والرسم، 16 عملا متنوّعا لفنانين لبنانيين، إضافة إلى ورش عمل، وتتوزّع نشاطاته المجانية على العديد من المواقع في العاصمة اللبنانية في المدارس والساحات الثقافية لمار مخايل والجميزة والكرنتينا وسرسق.
وقالت المستشارة لمبادرة إعادة إحياء الحياة الثقافية في لبنان لدى اليونسكو ليلى رزق إن غاية مهرجان ترداد تتمثل في “إعادة إطلاق الحياة الثقافية في لبنان” ومعاودة “الأنشطة الإبداعية التي تشتدّ الحاجة إليها اليوم لاستعادة الحياة الطبيعية، والشعور بنبض الحياة من جديد”.
كلمة ترداد تعني الأصوات التي يتردّد صداها، وبذلك قصد المنظمون جعل أصداء بيروت الإبداعية أقوى من ضوضاء الانفجار، من خلال بثّ روح الفرح والنشاط والثقافة والتأمل والتعمّق في ثلاثة أيام متتالية
وأصيب القطاع الثقافي والفني في لبنان بشلل تام بعد انفجار مرفأ بيروت في الـ4 من أغسطس الماضي، إذ تلقّت دور السينما والمعارض والمسارح والمتاحف والمدارس وأستوديوهات التسجيل والمساحات الثقافية ضربة قوية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اجتماعية واقتصادية وتأثير مدمر لجائحة كوفيد – 19.
كما يقدّم المخرج إيلي خليفة في عرض أول فيلمه “قلتلك خلص” ذا الطابع الكوميدي، والذي تمّ تصويره خلال 18 شهرا، ويروي العمل حكاية مخرج يخلط بين شخصيات القصة التي يكتبها وبين شخصيات الواقع الذي يتعامل معه.
وفي برنامج الأفلام القصيرة يحضر فيلم “بركات” الذي يروي قصة جبران الذي يستعدّ لعرس حفيده ويحاول التكيّف مع الشكل الجديد للحياة في بيروت. فبعد الحرب فقدت بيروت الحديثة وشعبها جذورهما في علاقة لا ذاكرة لها، إذ تحوّلت المدينة التي أعيد بناؤها إلى نصب تذكاري ثمين من الغرور والتراث السلعي والوهم الاجتماعي، بسبب المتاجر الفاخرة ولكنها فارغة والشقق باهظة الثمن وغير المأهولة.
وعن “مانيفيل” الرجل الأسطورة الذي قدّم كهدية إلى لبنان بمناسبة ذكرى الاستقلال سنة 1945، يتابع جمهور المهرجان فيلم “آخر أيام رجل الغد” للمخرج فادي باقي، مستعرضا قصة الرجل الآلي ذا الشهرة الواسعة وهو يدخل القصر الجمهوري ليقدّم القهوة ويحضر الاجتماعات الرئاسية، ويتشرّف بحضوره الزعماء الذين يلتقطون معه الصور الفوتوغرافية، إلى أن يحضر مانيفيل إحدى المفاوضات العنيفة إثر ما يعرف بأزمة عام 1958 في قصر القنطاري في بيروت، ويتعطّل بعد أن سكب عليه الرئيس كميل شمعون القهوة التي نفذت إلى جهازه الداخلي وأفسدته، فيتدخّل مصلّح الماكينات فارتان أوهانيان لإنقاذ “الرجل الجديد”.
وفي باب الفنون التشكيلية يقدّم المهرجان عروض رسم مباشر بالساحات البيروتية، وذلك من خلال الرسم الحي وبالتعاون مع جمعية “السمندل” المختصّة في القصص المصوّرة، وقد اختارت جمعية “ارتجال” أربعة موسيقيين لمرافقة رسوم حية لفناني السمندل أثناء رسمهم المباشر.

كل هذه العوامل أدّت إلى توقّف الأنشطة الثقافية، ولم يبق لجيل موهوب من الفنانين اللبنانيين الشباب سوى أمل واحد هو الرحيل.
ويصف القائمين على المهرجان أنه يقام “في هذا السياق القاتم”، ولاحظت رزق أن الأعمال المشاركة “تعكس ما يشعر به الفنانون في الوقت الراهن”، إذ ترك لهم المنظمون “الحرية في اختيار ما يودّون التعبير عنه”.
ويتضمّن المهرجان أعمالا مرتبطة بالواقع اللبناني، أعدّت خصيصا للمناسبة، وأخرى أُنتجت قبل العام 2019 ولم يتمكن أصحابها من عرضها أمام الجمهور.
وفي هذا السياق يقدّم المهرجان عروضا مختلفة يأتي في مقدّمتها الـ”هيب هوب سينك” مع رالف وروجيه قبلان اللذين يقدّمان عرضهما في “متحف سرسق” في أداء ديناميكي، فيما يقدّم أيضا بسام أبودياب في عرض راقص يحمل عنوان “تحت الجلد” تجربةَ شخصية حول علاقة جسد مع قنبلة، في إطار كوميدي ساخر يطرح تساؤلا حول جدوى مواجهة الخطر وما هي ردّات فعل الجسد في مواجهة حالات الموت والقصف وكيفية البقاء. كما يقدّم ألكساندر بوليكيفيتش في عرض راقص جديد تحت عنوان “عليهم” تجربته الشخصية في الخسارة والألم والإيذاء الجسدي والتمرّد.
وبعيدا عن الرقص يقدّم ترداد عروضا مسرحية على مدى الأيام الثلاثة من بينها “رحلة إلى..” في جزأين، وهو عبارة عن “موكب أدائي” يجمع بين المسرح والموسيقى والسيرك والرقص وتحريك الدمى ويصوّر رحلة سريالية لمجموعة من البدو أثناء تنقلهم بين اختبارات وتحوّلات مختلفة.
وأيضا تحضر مسرحية “هو الذي رأى” التي تتناول ثيمة الموت وقيمة الحياة، وأشكال السّعي إلى الخلود في المجتمعات المعاصرة بالارتكاز على ملحمة كلكامش وأعمال أخرى.
أما العرض المسرحي “أصل الحكاية” فيتّخذ من الطين مادة أساسية له، في مزج بين فن الرواية والرقص وقولبة الطين وتحريك المنحوتات والمواد والصوت.
وفي المجال الموسيقي يقدّم المهرجان في “مترو المدينة” أغاني “سرفيسات – زمن الانهيار” في حفلة غنائية تتضمّن أغنيات جديدة تحاكي الواقع اللبناني، وما يعيشه مواطنو البلد من إكراهات على المستويات الاجتماعية والسياسية والعاطفية.
وللسينما نصيب في المهرجان، ومن أبرز هذه التي تقدّم بالمجان يأتي العرض السينمائي – الموسيقي “طوبولوجيا لصفة الغائب” في إنتاج مشترك لارتجال وميتروبوليس سينما، ويجمع بين الموسيقى والأفلام استنادا إلى لقطات أرشيفية تم التقاطها في لبنان في عشرينات القرن الماضي.