مهرجان الموسيقى والأغنية "العروبي" يعود بعد انقطاع في الجزائر

تشترك دول المغرب العربي في احتضانها للفن الأندلسي، الذي انتشر بشكل خاص بين تونس والجزائر والمغرب، وكان له الأثر الكبير في الموسيقى المحلية، وظهرت فنون أخرى متأثرة به من قبيل فن “العروبي” في الجزائر، والذي كان له رواج واسع قبل أن يخفت، وهو ما يحاول تجاوزه مهرجان الموسيقى والأغنية “العروبي” بمحافظة البليدة.
البليدة (الجزائر) - انطلقت مساء الثلاثاء بمحافظة البليدة الجزائرية فعاليات النسخة السادسة لمهرجان الموسيقى والأغنية “العروبي”، بعد مرور نحو سبعة سنوات من تنظيم آخر دورة، وسط حضور لافت خاصة للعائلات المحبة لهذا النوع من الموسيقى الأندلسية الذي يشتهر به عدد من محافظات الوسط على غرار الجزائر العاصمة والبليدة وتيبازة.
وبهذه المناسبة أكدت وزيرة الثقافة و الفنون صورية مولوجي في كلمة قرأها نيابة عنها رئيس ديوان الوزارة محمد سيدي موسى “دعمها لهذا التقليد الثقافي الراسخ الذي يحتفي بمختلف المثقفين والمبدعين في شتى المجالات الفنية”.
الإبداع والأصالة
في كلمتها أشارت مولوجي إلى دور هذا المهرجان في “المحافظة على هذا الطابع الغنائي الجزائري الأصيل، وإن كانت روافده الأولى من الطبوع الأندلسية كما أنه مستلهم من الفن الحوزي، إلا أن التشكيل الفني له كان جزائريا بامتياز من خلال ارتباطه بأشعار الزجل والملحون لاسيما القصائد الصوفية التي طبعت مجمل إبداعات موسيقى ‘العروبي’ وأغنياته”.
وقالت إنه من “الواجب علينا اليوم ونحن في الدورة السادسة من المهرجان أن نتذكر بكل فخر ووقار أولئك الذين أسسوا لهذا التقليد الثقافي الغنائي منذ القرن الثامن عشر، على غرار الفنان الراحل قدورة ولد سيدي سعيد والشاعر محمد بن شاهد ومصطفى بن قباطي وغيرهم كثيرون”.
كما أشادت أيضا في كلمتها بدور الأجيال المتعاقبة التي استطاعت أن تحافظ على هذا اللون في شتى الظروف أمثال دحمان بن عاشور ومحمد خزناجي وغيرهما ممن نشروا هذه التوليفة الغنائية الصافية عبر ربوع الوطن.
وفي نهاية كلمتها و قبل إعلانها عن الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة الفنية تمنت كل النجاح و التوفيق لكل الموسيقيين والفنانين المشاركين في “لقاء العودة” الذي يأمل أن يكون “عنوان الإبداع والأصالة و يبقى متواصلا لإحياء تراث الجزائر و بعث الأفراح في قلوب الجزائريين”.
وأحيا حفل افتتاح هذه التظاهرة الفنية، التي حملت اسم الفنان الراحل علي أولمتيجي، الجمعية الموسيقية “قرطبة” الممثلة لمحافظة الجزائر العاصمة وكذا جمعية “الجنادية” لمدينة بوفاريك (البليدة) وكذا الفنان فريد خوجة الذين أمتعوا الجمهور الحاضر بوصلات غنائية أصيلة”.
وبذات المناسبة، التي عرفت حضور فنانين كبار على غرار الفنان عبدالقادر شاعو والخبير الموسيقي عبدالقادر بن دعماش، تم عرض شريط فيديو استعرض المسيرة الفنية للشيخ علي أولمتيجي وكذا تكريم عائلته التي ثمّنت هذه الالتفاتة من قبل محافظة المهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية “العروبي” الجهة المنظمة ووزارة الثقافة.
"العروبي" فن ينتمي إلى الموسيقى العربية الأندلسية ويشترك مع الحوزي والتلمساني في العديد من الخصائص لكنه مختلف عنها
ويحيي باقي سهرات هذا المهرجان الموسيقي، الذي احتضنت فعاليات انطلاقه قاعة المؤتمرات بمقر المحافظة، سبعة جمعيات موسيقية ممثلة لمحافظات البليدة وتيبازة والجزائر العاصمة على غرار جمعية “دار الغرنطية” لمدينة القليعة وجمعية “الراشيدية” لمدينة شرشال وجمعية “الودادية” الممثلة لمحافظة البليدة استنادا إلى محافظ المهرجان محمد بلعربي.
وإلى جانب الجمعيات الثقافية سيحيي هذه السهرات التي تحتضنها في اليوم الثاني والثالث قاعة “سيم” الواقعة بشارع محمد بوضياف وسط المدينة أيضا أسماء فنية معروفة بأدائها لهذا الطابع الغنائي على غرار كل الفنانين سيد علي بن قرقورة وسيد علي عاليا وسمير لالق وكريم سمار والفنانة ينال عقاب.
ويرمي هذا المهرجان الموسيقي إلى التعريف بهذا النوع الغنائي الذي يحظى بشعبية كبيرة في الجزائر، حسب بلعربي، الذي يشير إلى تميز هذا الطابع الغنائي المشتق من الموسيقى الأندلسية بخفة إيقاعه وتضمنه لنصوص الزجل والشعر الملحون.
وريث المالوف
من جهتها عبّر الكثير من العائلات التي حضرت هذه السهرة الفنية عن سعادته باستئناف تنظيم هذا المهرجان الثقافي بعد فترة توقف قاربت السبع سنوات لإتاحة الفرصة لهم للتمتع بالوصلات الغنائية، التي تبدع في أدائها الجمعيات الثقافية وفنانون معروفون.
وفي هذا الصدد أكدت سيدة في العقد السادس كانت رفقة ابنتها الشابة وزوجها حرصها على حضور جميع السهرات الفنية لهذا المهرجان خاصة وأنها تنحدر من أسرة متذوقة ومحبة لهذا النوع من الموسيقى المحببة لدى العائلات البليدية.
ورغم أن “العروبي” ينتمي إلى الموسيقى العربية الأندلسية ويشترك مع الحوزي والتلمساني في الكثير من الخصائص فإنه يختلف عنهما في أخرى. وقد ظهر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد في الجزائر العاصمة كنوع منفصل عن “الصنعة” وولد خارج سياجها، مما كان أحد أسباب تسميته بـ”العروبي” إضافة إلى أنه تطور في ضواحي المدينة بعيدا عن أجوائها واستوحى حركاته الإيقاعية وطبوعه من الفن الأندلسي مع فروق بسيطة.
ويتميز “العروبي” باللغة البسيطة في مفرداتها والعميقة في معانيها، يقدمها في أجمل صيغة لإيصال رسائل للمستمع تظهر في شكلها غزلا ومدحا للحبيب، في حين أنها تحمل معاني صوفية في حب الله تارة وأخرى في حب الوطن وتمجيده، مما جعله يلعب دورا رياديا في المحافظة على الهوية الوطنية واللغة العربية والموسيقى الأندلسية في طابع صوفي لقي رواجا واسعا لدى المستمعين وجعله ينتشر في الكثير من المدن الجزائرية.
وقد ساهم في رواج فن “العروبي” القصائد التي نظمها شعراء جزائريون مؤثرون، إضافة إلى اعتماده على الأوزان الإيقاعية الموجودة في الحركات الموسيقية للأغنية الأندلسية مثل الانقلاب والانصراف وإيقاع البروالي، ذلك الميزان المعروف خاصة في قصائد الملحون، ما جعله الوريث الأهم للفن الأندلسي الذي يوحد الكثير من مناطق شمال أفريقيا من تونس إلى المغرب مرورا بالجزائر.