مهرجان الكتاب الأفريقي بمراكش يحتفي بأصوات أفريقيا النسوية

مراكش (المغرب) - أكد المندوب العام لمهرجان الكتاب الأفريقي بمراكش يونس أجراي أن هذه التظاهرة الثقافية تسعى إلى ترسيخ مكانتها كحدث بارز يعكس ثراء وتنوع الأدب الأفريقي، وذلك من خلال تسليط الضوء على تعدديته اللغوية والثقافية وتعزيز حضوره على الساحة الدولية.
وأوضح أجراي، في حديث معه، على هامش فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الكتاب الأفريقي بمراكش، أن “الأدب الأفريقي في صلبه أدب متعدد، وهذا ما يحاول المهرجان الذي تستضيفه المدينة الحمراء إبرازه.”
وأضاف “لا يمكننا الحديث عن أدب أفريقي واحد، بل عن “آداب أفريقية متعددة، إذ نكتب في المغرب كما في بلدان أخرى، ونعبر عن تجارب مختلفة بلغات متنوعة”، مشيرا إلى أن “الأدب الأفريقي” بصيغة المفرد لا يعكس الواقع الثقافي للقارة، التي تضم 54 دولة، لكل منها هويتها الأدبية الخاصة.
كما شدد على أن الأدب الأفريقي لا ينحصر في ما يكتب داخل حدود القارة، بل يمتد على المستوى العالمي من خلال حضور وازن لكتاب لهم انتماء أفريقي، مشيدا بالتاريخ الطويل والمزدهر للكتاب الأفارقة الذين نالوا جوائز عالمية مرموقة.
وقال أجراي إن الدورة الثالثة من المهرجان تسعى إلى تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها في الدورات السابقة، مؤكدا أنه رغم حداثة عهده، إلا أن الحدث الثقافي الذي تستضيفه مراكش استطاع فرض نفسه على المستويات الوطنية والقارية والدولية.
وسجل أنه تم تعزيز البرمجة الفنية للمهرجان هذه السنة لتشمل السينما، والمقاهي الثقافية، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والشعر، في علاقتها مع الكتاب.
كما أن برنامج المهرجان، يضيف المسؤول، قد أولى اهتماما خاصا بالشباب من خلال تخصيص فعاليات متنوعة لهم، لاسيما من خلال تنظيم لقاءات أدبية في الجامعات والثانويات وإطلاق جائزة مراكش للمدارس الثانوية، التي تتيح لحوالي 200 تلميذ فرصة التفاعل مع الكتب على مدار العام، مما يشجع فعل القراءة والكتابة لديهم.
وفي ما يتعلق بموضوع هذه الدورة، أوضح أجراي أن التركيز على “الأصوات النسوية” في الأدب الأفريقي جاء انطلاقا من قناعة بأن للنساء رؤية خاصة للعالم ينبغي الإنصات إليها، لاسيما في مجتمع يغلب عليه الطابع الذكوري.
وقال بهذا الشأن إن “الأدب، سواء كان للنساء أو الرجال، هو وسيلة للسفر عبر مخيلات الشعوب واستكشاف ثقافاتها. لكن هذه السنة، أردنا أن نُفسح المجال أكثر للكاتبات، لأنهن يقدمن نظرة مختلفة للحياة. في عالم يهيمن عليه الرجال، من الضروري أن نسمح لأصوات النساء بأن تُسمع أكثر.”
من جهة أخرى، نبه المندوب العام للمهرجان إلى أنه رغم الحضور المتزايد للأدب الأفريقي على المستوى العالمي، إلا أن الكتاب الأفارقة يواجهون صعوبات كبيرة في النشر والتوزيع داخل القارة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن أغلب الكتاب يلجؤون إلى دور نشر أوروبية أو عربية للوصول إلى جمهور أوسع، بسبب ضعف إمكانيات النشر والتوزيع في أفريقيا.
وفي هذا الصدد، كشف عن بلورة رؤية تهدف إلى خلق شبكة بين دور النشر الأفريقية، مما سيمكننا من خفض تكاليف الإنتاج والتوزيع، وبالتالي إتاحة الكتب بأسعار معقولة للجمهور. وكرم المهرجان أعمال شخصيات من عالم الفكر والأدب الأفريقي، اعترافا بمساهمتهم في إغناء الإرث الثقافي الأفريقي، وذلك خلال لقاء أدبي تحت شعار “المقابلة الكبرى”.
وشكل هذا اللقاء، الذي استضاف الوزيرة الفرنسية السابقة كريستيان توبيرا والكاتب والمفكر السنغالي رودني سانت الوي، مناسبة لتسليط الضوء على كتاب أفارقة قل ما يسمع عنهم، لاسيما أيقونة الأدب الكاتبة الغوادلوبية ماريز كوندي والكاتب والناقد الكاميروني ليونيل مانغا.
وفي كلمة مؤثرة عن ماريز كوندي، أشادت توبيرا أمام الجمهور، الذي غص به فضاء المركز الثقافي “نجوم جامع الفنا” الذي احتضن فعاليات المهرجان، بمعلمتها السابقة التي أصبحت صديقة لها، مؤكدة جرأتها وقوة كتابتها التي تركت بصمتها لدى أجيال من القراء.
كما تطرقت توبيرا إلى تأثرها الشخصي بماريز كوندي، الحائزة على عدد من الجوائز الأدبية، معتبرةً أنها كانت بمثابة مرشدة لها في بناء فكرها، قائلة “لقد علمتنا ماريز ألا نخاف أبدًا من كتابة ما نحمله بداخلنا.”
وأشارت إلى أن الإرث الثقافي والفكري لكوندي، الذي تطرق إلى قضايا الهوية والتاريخ والاستعمار، يتجاوز حدود الزمن والأجيال، مشددة على الحاجة الملحة إلى قراءة كتابات كوندي وإعادة قراءتها لما تحمله من هموم ومآسي ما بعد الاستعمار في أفريقيا.
وفي حديث معها على هامش المهرجان، قالت الوزيرة الفرنسية السابقة ورئيسة جمعية “فرنسا أرض اللجوء” نجاة فالو بلقاسم إن أفريقيا مدعوة إلى المشاركة بفعالية من خلال الأدب في خلق الذاكرة الجماعية وليس فقط تلقي كتابات الآخرين.
وأكدت بلقاسم على أهمية إدراك دول القارة لوحدتها وإمكاناتها. وقالت إن "هذه البلدان تشكل قارة واحدة ولديها أيضا قصصها الخاصة التي يمكن أن ترويها للعالم”، مضيفة أن أفريقيا لا ينبغي لها أن "تكتفي بالاستقبال والتلقي بل يجب أن تساهم في تنظيم هذا العالم."
وفي هذا السياق، أشادت بمهرجان مراكش للكتاب الأفريقي، الذي يجسد هذه الرغبة في جمع كتاب من آفاق متنوعة، مما يمكن من بناء مجموعة من التجارب الأفريقية، منوهة بالمشاريع المشتركة الجديدة التي رأت النور بفضل الموائد المستديرة والنقاشات بين مختلف المشاركين.
ويحاول مهرجان الكتاب الأفريقي بمراكش، الذي نظمته جمعية "نحن فن أفريقيا" (We Art africains) إلى غاية الثاني من فبراير الجاري، الاحتفاء بالأدب والثقافة الأفريقيين. وتهدف هذه التظاهرة الثقافية، التي أضحت حدثا ثقافيا مميزا، إلى المساهمة في التأثير الثقافي والفني بأفريقيا من خلال إبراز ثراء أدبها وفنونها.