مهرجان الشارقة للأدب الأفريقي يستعرض رؤى إماراتية وأفريقية

الشارقة- أكد المشاركون في جلسة “بناء مؤسسات تعزز القراءة” ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للأدب الأفريقي أهمية القراءة كوسيلة أساسية لتعزيز الهوية الثقافية وتوسيع آفاق المعرفة، حيث تحدثوا عن تجاربهم الملهمة في تأسيس مشاريع ومؤسسات تهدف إلى نشر ثقافة القراءة؛ من إنشاء مكتبات ومدارس في المناطق النائية، إلى توفير مكتبات خاصة بالسجون ساهمت في حصول النزلاء على شهادات جامعية عليا.
وتحدث في الجلسة كل من الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، وكيناناو فيلي، الشريكة المؤسسة لمؤسسة جابورون للكتب، والمحامية إفيوما إسيري، مؤسسة مشروع مكتبات زاكيوس في نيجيريا.
وخلال الجلسة استعرض رئيس معهد الشارقة للتراث رحلته الطويلة مع الثقافة والتراث التي بدأت منذ عمر 13 عاما، حين شارك متطوعا في المشاريع الثقافية الأولى في الشارقة، تزامنا مع انطلاقة المسرح المحلي وازدهاره.
◄ في أفريقيا 2000 لغة، ما يعني أن هناك آلاف القصص التي يمكن بناء رواية عليها
وأوضح المسلم أن اهتماماته تنوعت بين الكتب والحكايات الخرافية والشعر، مضيفا “في مجال الحكايات، ركزت على الكائنات الخرافية، وترجمت مؤلفاتي إلى 7 لغات.”
وسلط المسلم الضوء على إنجازات معهد الشارقة للتراث، حيث يضم أكثر من 1300 موظف و4 مكاتب دولية، قائلا إنه منذ تأسيس المعهد “ركزنا على التوعية بالتراث والنشر، كما ندير مهرجان أيام الشارقة التراثية وملتقى الشارقة الدولي للراوي، اللذين أصبحا منصتين دوليتين مؤثرتين.”
وأضاف أن المعهد أصبح تحت مظلة اليونيسكو، حيث يعد مركزا معتمدا لبناء القدرات في مجال التراث، ويستضيف 6 منظمات دولية تتخذ من المعهد مقرا لها.
واختتم المسلم حديثه بتأكيد أهمية مهرجان الشارقة للأدب الأفريقي نافذة لتعزيز التعاون الثقافي بين الإمارات وأفريقيا، مشيرا إلى أن المهرجان سيمثل بوابة لترجمة النتاج الأفريقي إلى اللغة العربية.
بدورها استعرضت المحامية النيجيرية إفيوما إسيري تجربتها المؤثرة في تأسيس مشروع مكتبات زاكيوس عام 1999، وقالت “بدأنا بتوزيع الكتب على المدارس وتشجيع الأطفال على قراءتها من خلال جلسات تفاعلية تجمعهم بالمؤلفين، ما ساهم في تعزيز ارتباطهم بالمكتبة. ومن هذه البذرة نجحنا في تنمية المشروع الذي أصبح يضم 34 مكتبة في ليغوس، مع توزيع أكثر من 62 ألف كتاب في أنحاء نيجيريا، فضلا عن تنظيم رحلات ترفيهية للأطفال لربطهم بالثقافة والقراءة.”
كما سلطت إسيري الضوء على مبادرتها بالتعاون مع الجامعة الوطنية المفتوحة لتوفير الكتب في السجون، حيث أنشأت 19 مكتبة في السجون النيجيرية، موضحة “اليوم، يخرج النزلاء بعد قضاء محكوميتهم بشهادات أكاديمية عليا، وهذا يجعلني أستحضر تجربة والدي الذي تعلم ذاتيا، وأصبح بروفيسورا في الاقتصاد والقانون.”
من جهتها استعرضت كيناناو فيلي، الشريكة المؤسسة لمؤسسة جابورون للكتب من بتسوانا، التي تنظم مهرجان جابورون للكتب، تجربتها خلال الجلسة، مشيرة إلى أن فكرة المشروع انطلقت من شغفها بالقراءة. وقالت “قررنا أن نبدأ مهرجانا للكتاب بجهود ذاتية كمؤسسة غير ربحية، مع التركيز على الأدب الأفريقي وإيصاله إلى المدارس الحكومية التي تواجه صعوبات في الوصول إلى الموارد.”
وأوضحت فيلي أن فريقها عمل على زيارة المدارس في مناطق نائية ووعرة، للوصول إلى الأطفال في مجتمعات يبلغ عدد سكانها ما بين 500 و1000 شخص.
وأضافت “جلسنا مع الأطفال للقراءة وتنمية مهاراتهم، بهدف بناء قدراتهم المعرفية وصقل مهاراتهم.”
كما أشارت إلى نجاح المهرجان في إنشاء شراكات لدعم جهودهم وتوفير كتب جديدة للمدارس الأكثر حاجة، مع التركيز على القصص الأفريقية، قائلة “لم نكتف بالمعارض السنوية، بل نظمنا ليالي للقراءة، وأطلقنا ناديا للكتاب يجمع عشاق القراءة لتعزيز ثقافة المطالعة في مجتمعنا.”
وفي جلسة أدبية حوارية أخرى التقى بيتر كيماني، الروائي الكيني المشهور عالميا، جمهور المهرجان من عشاق الأدب، وأخذه في جولة شيقة في عوالم روايته الملحمية “رقصة الجاكاراندا” التي تصدرتْ قوائم النيويورك تايمز في 2017، وحازت إعجاب النقاد والمحررين داخل أميركا وبريطانيا، وصدرت طبعتها العربية عن دار “روايات” التابعة لمجموعة كلمات من الشارقة.
واستهل كيماني الجلسة بالتعبير عن شكره العميق ومحبته للقائمين على مهرجان الشارقة للأدب الأفريقي، ووصفه بأنه جسر للتفاهم بين الثقافات، قائلا “الشارقة صديقة مضيافة وحاضنة بكرم للمجتمع الأفريقي الموجود بها.”
وتحدث كيماني عن الفكرة المحورية التي بنى عليها روايته “رقصة الجاكاراندا”، موضحا أنها جاءت كإعادة تقييم لتاريخ الاحتلال البريطاني لكينيا، وفهم ماضي القارة؛ بهدف التعمق في حاضرها واستشراف مستقبلها، عبر قصة إنشاء السكك الحديد والدور الذي لعبه القطار في الربط بين مختلف مناطق كينيا، وكيف أصبح أداة محورية للاستعمار، مكنته من استغلال الموارد والهيمنة، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على تاريخ البلاد الاقتصادي والاجتماعي.
وأشار كيماني إلى أهمية سرد القصة الأفريقية للعالم، موضحا أن القارة السمراء لا يمكن اختزالها في قصة أو صورة واحدة، وقال “في أفريقيا 2000 لغة، ما يعني أن هناك آلاف القصص التي يمكن بناء رواية عليها، وروايتي مجرد تفسير شخصي واحد لإحدى القصص التي حدثت في بلادي.”
في ختام الجلسة أعرب بيتر كيماني عن امتنانه الكبير للاهتمام العالمي الذي حظيت به روايته من قبل وسائل الإعلام ودور النشر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الأمر الذي جعله يعيد التفكير -كما يقول- في دوره ككاتب أفريقي يحاول مواجهة إرث الاستعمار من خلال الأدب.