مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة يوحّد الأفارقة عبر الأفلام

يواصل المغرب التأكيد على انتمائه الأفريقي من خلال التركيز على هذا الانتماء خاصة عبر الثقافة والفنون، ويعد المهرجان الدولي للسينما الأفريقية في مدينة خريبكة المغربية أبرز الفعاليات التي ترسخ التواصل الأفريقي – المغاربي وتجمع بين شمال القارة وجنوبها عبر الفن السينمائي الذي يعتبر نوافذ ثقافية هامة.
خريبكة (المغرب)- انطلق المهرجان الدولي للسينما الأفريقية في مدينة خريبكة بالمغرب مساء السبت في دورته الثانية والعشرين بمشاركة 13 فيلما روائيا وثمانية أفلام وثائقية.
وتتنافس على جوائز المهرجان أفلام من المغرب والجزائر ومصر وتشاد والكاميرون وبوركينا فاسو ورواندا وناميبيا والسنغال وزامبيا والكوت ديفوار وكينيا والنيجر ومالي ونيجيريا.
تكريمات أفريقية

كرم المهرجان في الافتتاح الذي أقيم في المُركب الثقافي بخريبكة اسم الناقد والسيناريست الراحل نورالدين الصايل (1947 – 2020) أحد رواد المهرجان والرئيس السابق للمركز السينمائي المغربي.
وقال رئيس مؤسسة مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة الحبيب المالكي في كلمته إن الراحل الصايل كان أحد رواد هذه التظاهرة وساهم في استدامتها وانتظامها وإثرائها، حيث “كان له إسهام نوعي، حاسم وعملي في رسوخ المهرجان واستمراريته”.
وأضاف أن من أحسن أوجه التكريم الذي يمكن أن تحاط به “هذه الشخصية الفكرية والثقافية الوطنية” هو الحفاظ على هذا المهرجان وتطويره وكفالة استدامته كإطار للحوار وكصرح ثقافي أفريقي يسمع العالم صوت أفريقيا الحضاري من خلال الإبداع والفن.
وحسب المالكي كان الراحل الصايل، المثقف الموسوعي الاستثنائي، مسكونا بالسينما الجيدة والهادفة، مشيرا إلى أنه أشاع فكرة السينما في مختلف مناطق المغرب، خاصة من خلال نوادي السينما، التجربة الرائدة التي أوصلت هذا الفن إلى المغرب العميق.
وذكر المالكي أن مؤسسة مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة، التي كان الراحل الصايل يرأسها، قررت، تقديرا لذلك، أن تطلق جائزة خاصة بالنقد السينمائي تحمل اسم نورالدين الصايل.
من جهته قال المخرج والناقد السينمائي عبدالإله الجوهري إن الراحل الصايل كان “هرما من أهرامات السينما المغربية”، مضيفا أن الجميع يقر للرجل ببصمته الوازنة في مسار الثقافة السينمائية بالمملكة، لاسيما وأنه كان مؤسس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية.
وأضاف الجوهري أن الصايل كان أيضا صاحب مهرجانات عديدة، تأسيسا وتنظيرا، مثلما كان عرابا للعديد من الأسماء في مجال الإخراج والإنتاج السينمائيين. وقال إنه إذا جاز أن نلخص السينما المغربية في شخص وازن يمثلها فسيكون نورالدين الصايل.

وتم بالمناسبة عرض شريط فيديو يحتفي بالمسار الحافل والغني للراحل السينمائي، وأبرز مواقفه من قضايا السينما الأفريقية والفن بشكل عام.
وتحل سينما بوركينا فاسو ضيف شرف المهرجان حيث يتم عرض خمسة أفلام لمخرجين متميزين إضافة إلى تكريم السينمائي أرديوما سوما المدير السابق لمهرجان “فيسباكو” للسينما والتلفزيون في واغادوغو.
وفي هذا الصدد قال المالكي إن السينما البوركينابية “تعتبر واحدة من العلامات البارزة والأكثر خصوبة في خارطة السينما الأفريقية”. وأشاد في هذا الصدد بالعلاقات المتميزة القائمة بين المملكة المغربية وجمهورية بوركينا فاسو”.
كما ثمن المالكي الجسور البشرية والثقافية بين البلدين اللذين يتقاسمان، إلى جانب المصالح، قيم الدفاع عن أفريقيا والسلم والتسامح والاعتدال والديمقراطية، معربا في الوقت ذاته عن التضامن مع هذا البلد في مواجهة خطابات الكراهية والحقد والإرهاب.
وفي كلمته بمناسبة تكريمه أكد أرديوما أن الثقافة تشكل مدخلا لإشاعة قيم الحوار والتسامح وتحقيق السلام في العالم.
واعتبر أرديوما في تصريح له أن هذه التظاهرة تشكل موعدا لا محيد عنه للاحتفاء بالسينما الأفريقية ومناقشة قضايا القارة من خلال الفن والثقافة، مضيفا “دأبت على حضور المهرجان منذ سنة 2008، وهو مناسبة يلتقي فيها الجمهور والمخرجون وكتاب السيناريو من مختلف دول القارة للحوار والنقاش”.
وذكر أن “هذا ما يغذي الحوار بين الثقافات، وهذا ما نحتاجه في هذا العالم”، مشددا على أنه “علينا أن ندرك أن الثقافة تشكل مدخلا حقيقيا لتعزيز قيم التفاهم والتسامح، ومن ثم إشاعة السلام في العالم، وإذا أغفلنا الثقافة فسنستمر في التصارع”.
التواصل الحضاري

بخصوص اختيار السينما البوركينابية ضيف شرف لهذه الدورة، قال أرديوما إن ذلك يعد “مبعث سعادة لنا جميعا. فبوركينا فاسو تتوفر على سينمائيين كبار وسياسة سينمائية واضحة وعلى آليات لمواكبة الفن السابع”.
واعتبر السينمائي البوركيني أن الاحتفاء بسينما بلاده في تظاهرة سينمائية كبرى مثل مهرجان خريبكة الدولي للسينما الأفريقية لهو “أمر مهم بالنسبة إلينا”.
وأكد المالكي أن احتضان المغرب لهذه التظاهرة “يظل عربونا على وجودها في قلب أفريقيا، وعلى وجود أفريقيا في قلوب المغاربة”.
وبيّن أن هذا المهرجان استمر منذ انطلاقه إطارا للتفاعل والتواصل الحضاري والثقافي بين المبدعين والفنانين والمثقفين الأفارقة، ومنبرا لاستحضار الإسهام الثقافي (من باب السينما تحديدا) الذي قدمته، ولا تزال تقدمه، القارة الأفريقية في تطور الحضارة الإنسانية.
وتميز افتتاح هذه الدورة من المهرجان بحفل أفريقي الروح على أصوات إيقاعات موسيقية أفريقية، وحضره سفراء أفارقة معتمدون بالرباط، ومسؤولون ورجال ونساء من عالم الفن والثقافة.
ويتنافس في المسابقة الخاصة بالفيلم الروائي الطويل للمهرجان 13 فيلما أفريقيا لنيل ست جوائز، تحمل أسماء قدمت الكثير للسينما الأفريقية، وهي الجائزة الكبرى “أوسمان سامبين”، وجائزة لجنة التحكيم “نورالدين الصايل”، وجائزة الإخراج “إدريسا وودراوغو”، وجائزة السيناريو “سمير فريد”، وجائزة أحسن دور نسائي “أمينة رشيد”، وجائزة أحسن دور رجالي “محمد بسطاوي”.
فيما تتبارى ثمانية أفلام تمثل سبع دول أفريقية لنيل جائزتي مسابقة الأفلام الوثائقية.
وإلى جانب هاتين المسابقتين يتضمن برنامج هذه الدورة تنظيم ندوة رئيسية حول “قضايا تمويل الإنتاج السينمائي بأفريقيا”، إضافة إلى ندوة ثانية تحت عنوان “السينما الأفريقية ومسألة اندماج المهاجرين الأفارقة” تستهدف بالأساس نزلاء المؤسسات السجنية من أصول أفريقية.
ويستمر المهرجان المقام تحت شعار “السينما الأفريقية حلم قارة بأكملها” حتى الرابع من يونيو القادم ويشمل برنامجه ورش تدريب لكتابة السيناريو والمونتاج والتصوير.