مهرجان الحمامات يحتفي بالنساء بعرض مسرحية "ربع وقت"

مسرحية تتناول قضايا اجتماعية حساسة تبدأ من علاقة المرأة بالرجل مرورا بالحب والأمومة ووصولا إلى بناء العائلة ومواجهة المجتمع "الذكوري".
الأربعاء 2022/08/17
لكل منهن حكاية

الحمامات (تونس)- على وقع الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة الموافق للثالث عشر من أغسطس من كل سنة تابع جمهور الدورة الـ56 من مهرجان الحمامات الدولي عملا مسرحيا نسائيا خالصا، إخراجا وكتابة وتمثيلا، هو مسرحية “ربع وقت” لسيرين قنون التي قدّمت خطابا مباشرا يقوم على طرح قضايا المرأة وتحويل المسكوت عنه إلى مشاهد يتلقاها المتفرّج كحكاية من المعيش اليومي المعتاد، دون المرور بتلك الأجهزة المفاهيمية التي دأبت على تصديرها الأدبيات النسوية.

وتطرح ريم الحمروني وشاكرة رماح وسهير بن عمارة وبسمة البعزاوي وأميمة المحرزي قضايا اجتماعية حساسة تبدأ من علاقة المرأة بالرجل، مرورا بالحب والأمومة ووصولا إلى بناء العائلة ومواجهة المجتمع “الذكوري”.

واللافت في هذا العمل المسرحي النسائي هو تعمد أسلوب “المباشرتية” في الخطاب، دون مساحيق تجميلية، وتصل هذه المباشرتية إلى مباغتة المشاهد ووضعه في حالة ارتباك أحيانا، وهو ما يحيلنا إلى تميز التكوين المسرحي لكاتبة النص ومخرجة العمل ومديرة فضاء الحمراء المسرحي، فهي ابنة  فقيد المسرح عزالدين قنون الذي صقل تجربتها وغرس فيها الجرأة والخصوصية في الطرح والاختيار المدروس والمحكم في كتابة النصّ وترجمته إلى رسائل عميقة.

◙ المسرحية تقدم خطابا مباشرا يقوم على طرح قضايا المرأة وتحويل المسكوت عنه إلى مشاهد تشبه حكايات يومية

ومسرحية “ربع وقت” ألفتها قنون رفقة الكاتبة ريم حداد، وتدور أحداثها حول مجموعة من التحضيرات لحفل موسيقي ضخم قامت به رئيسة نادٍ للموسيقى والغناء رفقة مجموعة من النسوة من روّاد هذا النادي. وفي الأثناء تبوح كلّ امرأة منهنّ بما يخالجها من خوف وقلق وتناقضات ثقافية واجتماعية وسياسية.

نوادي الغناء هي متنفس من تشنجات الحياة وملجأ للأرواح المتكسرة، ومن هذا العالم ولدت الفكرة الأولى لسيرين قنون بعنوان “ونغني”، لتتطور التجربة في ورشة كتابة جمعتها مع ريم حداد بعد انسحاب هالة عياد من هذا المشروع المسرحي، وبدأت ملامح “ربع وقت” تتشكل في شخصيات نسائية أو هي وجوه عديدة لامرأة واحدة، هي السيدة التونسية في أبعاد وصور يحددها المجتمع أو الخيارات التي تتحول مع الوقت إلى قيود.

“ربع وقت”، أو “CLUB DE CHANT” بعنوانها الفرنسي (نادي الغناء)، كانت المرأة هي العنوان الرئيسي فيها، هي الفاعلة في سياق المسرحية، تفعل ما تريد بحرية من دون وصاية أو رقابة أو حتى مشاركة من الرجل الذي بقي حبيس الحكايات والمواقف، ومن دون تحميله مسؤولية عدد من الانتهاكات، بل هي مسؤولية المرأة التي عليها أن تقبل وترفض بحريتها ومن دون العودة في اتخاذ قرارها إلى أحد.

ويجد المشاهدون أنفسهم مع التقدم في تفاصيل العرض أمام حياة بأكملها لخمس نساء اقتسمن الركح، لكل واحدة منهن حكايتها التي ترويها بمختلف تفاصيلها، ولكل منهن شغبها وشقاوتها، وأيضا نقاط ضعفها وألم دفين قد لا تلاحظه من اللقاء الأول أو الثرثرة الأولى، ولكنه موجود في شتى حكاياتهن.

ثمة من تغرم بنوادي الرياضة، وثمة نساء أخريات يفضلن نوادي الغناء لقضاء أوقات فراغهن أو لصقل مواهبهن، وتظل لكل واحدة منهن أسبابها ليجمعهن فضاء واحد للقاء والبوح.

تسأل شخصيات “ربع وقت” ذواتها في رحلة استكشاف تستجلي أعماق الروح وتجلياتها، عالم وصفه صناع العمل بـ”اختراق مفتوح في دائرة مغلقة في العلاقات الخاصة والمخيفة”.

وفي مسرحية قنون لم تكن المرأة وحدها بطلة كل هذه الحكايات، على الرغم من استئثارها بالحكي والبطولة، فكل الوقت إن أردنا القول كان بطله أيضا الرجل الحاضر الغائب، من خلال ما تحكيه النساء، الرجل المتسلط مرة والمهمل مرات، كما يحضر الوطن المنهك والإسقاطات السياسية الذكية التي يبثها العمل بشكل غير مباشر.

◙ العمل المسرحي النسائي هو تعمد أسلوب "المباشرتية" في الخطاب دون مساحيق تجميلية
العمل المسرحي النسائي هو تعمد أسلوب "المباشرتية" في الخطاب دون مساحيق تجميلية

ويمكن اعتبار العرض المسرحي بمثابة رسالة إلى الجميع، رسالة بقدر براءتها كانت موجعة إلى حد الصراخ، ومحاولة للخروج من ضيق أفق “الواقع” إلى سرديات أخرى.

ويُلفت الانتباه في المسرحية العنوان “ربع وقت” بما هو إشارة في دلالته إلى الزمن. وهذا الزمن ينطبق أيضا على شخصيات المسرحية وطموحاتها وأحلامها وتجاربها. وهذا “الرّبع” يبدو خانقا لكلّ الشخصيات التي تبحث عن الكمال، فكلّ ما حقّقته شخصيات المسرحية هو “رُبعٌ” من السعادة و”رُبعٌ” من الطمأنينة و”رُبعٌ” من الحب و”رُبعٌ” من الحياة، ولذلك يُلاحظ المتابع لهذه المسرحية أنّ المواقف الهزلية الساخرة ومقوّمات الإضحاك في “ربع وقت” ما هي إلا سخرية سوداء تحمل في معانيها آلاما وأوجاعا.

وأودعت سيرين قنون في مسرحية “ربع وقت” كل الشحنات والمعاني التي قد تتعفف الكثير من النساء عن ذكرها على الملأ، ووضعت كل المسلّمات والممنوعات موضع السؤال، وحرصت في الوقت ذاته على أن تُبعد ذاك الطيف الأسود الذي يطغى على الخطاب النسوي في رواية تجربتهنّ المريرة.

وتقوم البنية الدرامية في العمل على المزج بين التراجيديا والكوميديا، ما أعطى للمتلقي جرعات من الأمل والثقة لمتابعة العرض، والتماهي مع هذه التجارب النسائية بمزاج تختلط فيه دموع الحسرة بضحكات تعكس طرافة الطرح وعمقه.

13