مهاجرون أفارقة يتوهون منهكين في الصحراء بين تونس وليبيا

منظمات إنسانية تفيد بأن ما لا يقل عن 17 قتيلا قضوا في الصحراء بين ليبيا وتونس في الأسابيع الثلاثة الماضية.
الثلاثاء 2023/08/01
ظروف إنسانية صعبة

العسة (ليبيا) – يواصل مهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء الوصول بالمئات يوميا إلى ليبيا سيرا حتى الإنهاك الشديد، بعدما نقلتهم السلطات التونسية إلى الحدود في وسط الصحراء، وفق شهاداتهم وشهادات حرس حدود ليبيين.

وأُنقذ الأحد في منطقة قاحلة وغير مأهولة رجال ونساء وهم تائهون بالقرب من بحيرة سبخة المقطع المالحة على امتداد الحدود بين ليبيا وتونس.

وعند الظهيرة، فيما كانت الحرارة تفوق الأربعين درجة مئوية، عثرت دورية ليبية على رجل مغمى عليه وحاول أفرادها إنعاشه بسكب بضع قطرات من الماء على شفتيه، إلا أنه بالكاد يتنفس.

وفي البعيد يمكن تمييز ست نقاط سوداء تبين بعد دقائق أنها ناجون شرحوا باللغة العربية للحراس أنهم أتوا من تونس.

1200

مهاجر أفريقي وطردتهم الشرطة التونسية تركتهم عند الحدود مع ليبيا من الشرق والجزائر من الغرب

وفي الأسبوعين الأخيرين يقول حرس الحدود الليبيون إنهم أنقذوا مئات المهاجرين الذين نقلتهم السلطات التونسية، حسب قولهم، إلى الحدود عند مستوى بلدة العسة على بعد 150 كيلومترا جنوب غرب طرابلس.

وفي أعقاب اشتباكات أودت بحياة مواطن تونسي في الثالث من يوليو الماضي طُرد مئات المهاجرين الأفارقة من مدينة صفاقس (جنوب شرق) التي تشكل نقطة الانطلاق الرئيسية للهجرة غير النظامية إلى أوروبا.

وتفيد منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية بأن الشرطة التونسية “طردت” ما لا يقل عن 1200 مهاجر أفريقي وتركتهم عند الحدود مع ليبيا من الشرق والجزائر من الغرب.

وقد تولى الهلال الأحمر التونسي بعد ذلك رعاية أكثر من 600 من هؤلاء في منطقة رأس جدير العازلة بين تونس وليبيا ونحو 200 من الجانب الجزائري.

لكن قرب العسة (على بعد حوالي 40 كيلومترا من رأس جدير) يستمر المهاجرون في الوصول ضمن مجموعات صغيرة من شخصين أو ثلاثة أشخاص أو بالعشرات، يتقدمون مذهولين ومنهكين جراء الحر والعطش، وتخور قواهم عند أقدام الحراس.

فيعطيهم الحراس بضع قطرات من الماء ويرشونه على رؤوسهم ووجوههم قبل نقلهم إلى نبع مياه مالحة ليبردوا حرارة أجسامهم. وفي الآونة الأخيرة يجري حرس الحدود الليبيون وجهاز مكافحة الهجرة غير النظامية وعناصر “الكتيبة 19” دوريات يومية في الصحراء.

ويقول المتحدث باسم اللواء 19 الليبي علي والي “نحن على الخط الفاصل بين ليبيا وتونس ونشهد وصول المزيد من المهاجرين كل يوم. الوضع مقلق”. ويوضح أنه سمح لوكالة فرانس برس بمرافقة الدورية “لتكذيب من يدعي (في تونس) أننا قمنا باختلاق كل هذا وأننا قمنا باقتياد المهاجرين إلى هنا” عند الحدود.

ddd

ويؤكد أن الحراس يرصدون يوميا في نطاق عملهم حول العسة “وصول 150 إلى 350 وأحياناً ما يصل إلى 400 أو 500 مهاجر غير نظامي”. ووصل في ذلك اليوم 110 أشخاص، من بينهم امرأتان، فيما لم يعثر على شخصين آخرين بلغ عنهما مهاجر.

ويقوم جندي من حرس الحدود بمسح الأفق بمنظاره على أمل تحديد مكان المهاجرين. وعبر الناجون الحدود وساروا في الاتجاه الذي أشار إليه الجنود التونسيون، أي ليبيا. ووصل هيثم يحيى (وهو مواطن سوداني عمل في قطاع البناء لمدة عام في تونس) سرًا عبر النيجر، ثم الجزائر.

ويروي يحيى قائلا “كنت في العمل عندما أمسكوا بي واقتادوني إلى هنا، أولاً في سيارة شرطة، ثم في شاحنة عسكرية (تونسية)، ثم تركوني وطلبوا مني الذهاب إلى ليبيا”. وتحت شمس حارقة “سار البعض لمدة يومين” من دون ماء أو طعام في الصحراء.

وهذا ما حصل للنيجيري ألسكندر أونشي أوكولو. يقول الرجل البالغ 41 عاما “دخلت تونس عبر الدبداب (منفذ بري حدودي) عابرا الجزائر إلى تونس (…)، أمضيت بعض الوقت في تونس قبل أن تقبض عليّ الشرطة التونسية”. ويتابع “ألقوا القبض علي في الشارع ونقلت إلى الصحراء الكبرى”.

350

مهاجرا لا زالوا يقيمون في رأس الجدير في مخيم من بينهم 65 طفلا و12 امرأة حاملا

ويظهر شاشة هاتفه المحطمة موضحا “كسروه وضربوني”. ويقول المتحدث الليبي “السبت تم العثور على جثتين وقبل يومين عثر على خمس جثث، من بينها امرأة مع طفلها (…) بالإضافة إلى الخمس التي تم العثور عليها قبل أسبوع (…)، وضع مأساوي وغير مقبول”. ويتساءل “كيف تتوقعون منهم النجاة من هذا؟ وسط الحر ومن دون ماء مع سيرهم ليومين أو ثلاثة”.

وتفيد منظمات إنسانية في ليبيا بأن الحصيلة تصل إلى ما لا يقل عن 17 قتيلا قضوا في الصحراء بين ليبيا وتونس في الأسابيع الثلاثة الماضية. وفي سياق متصل أعلن مغني الراب غيمز إلغاء حفلته الموسيقية التي كانت مقررة في 11 أغسطس في منطقة جربة التونسية، تنديداً بـ”المحنة غير المُحتَمَلة” التي يعيشها مهاجرون عالقون بين تونس وليبيا.

وكتب مغني الراب في حسابه على إنستغرام الأحد “إنّ أطفالاً ونساءً ورجالاً رُحّلوا من تونس إلى ليبيا يعيشون في ظروف غير إنسانية”. وأضاف “لا يمكنني مواصلة رحلتي إلى تونس. لا أعرف أين هي الحلول، لكنّ هذه المحنة الصعبة جداً لا يمكن تحمّلها”.

وكانت الأمم المتحدة دعت الخميس إلى ضرورة إيجاد “حلول عاجلة” لإنقاذ المئات من اللاجئين والمهاجرين التائهين منذ أسابيع عدة قرب الحدود التونسية مع ليبيا والجزائر ضمن ظروف كارثية.

وفي رأس جدير لا يزال 350 مهاجرا يقيمون في مخيم من بينهم 65 طفلا و12 امرأة حاملا. وفي ليبيا قال مسؤول في المجال الإنساني إن “ظروف حياتهم صعبة جدا”. وأوضح أن 180 مهاجرا آخر، من بينهم 20 طفلا، يقيمون مؤقتا في العسة.

وفي رأس جدير بدأ المهاجرون منذ عشرة أيام تقريبا يحصلون على المياه والطعام والرعاية الطبية من الهلال الأحمر الليبي. وشدد المصدر الإنساني على أن الوضع يتحسن “لكن لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل فلا وجود للصرف الصحي ولا لخزانات المياه ولا مراكز إيواء فعلية”.

وقالت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس خلال الأيام الأخيرة إنها ترفض إقامة المهاجرين الوافدين من تونس على أراضيها. وقد انتقدت تقارير عدة للأمم المتحدة ليبيا بسبب العنف الممارس في حق 600 ألف مهاجر متواجدين على أراضيها وغالبيتهم في مخيمات.

4