مهاجرون أفارقة غير نظاميين يغادرون تونس هربا من الاعتداءات

السلطات الغينية والعاجية تجلي 549 مواطنا من الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، على وقع تصاعد الهجمات ضد أفارقة جنوب الصحراء.
الخميس 2023/03/02
مهاجرون أفارقة تحدثوا عن تزايد الاعتداءات

كوناكري/تونس – أعلنت السلطات الغينية والعاجية الأربعاء عن إجلاء نحو 550 من رعاياهما من تونس، على وقع تصاعد الهجمات ضدّ المهاجرين الأفارقة منذ التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس قيس سعيّد.

واستقبل رئيس المجلس العسكري الحاكم في غينيا الكولونيل مامادي دومبويا الأربعاء على أرض المطار في كوناكري حوالي خمسين من مواطنيه لدى عودتهم من تونس على متن طائرة استأجرتها الحكومة لإجلائهم من البلد العربي.

وهذه أول رحلة تنظّمها الحكومة الغينية لإجلاء مواطنيها من تونس منذ أن حذر سعيّد قبل أسبوع من وجود مؤامرة لتغيير التركيبة العرقية لبلاده، وأمر قوات الأمن بوقف جميع أشكال الهجرة غير المشروعة وترحيل أي مهاجر يعيش في تونس بصفة غير قانونية.

وقال سعيّد إن "الهدف غير المعلن للموجات المتلاحقة من الهجرة غير الشرعية هو جعل تونس دولة أفريقية بحتة لا تنتمي إلى الدول العربية والإسلامية".

ووصف الاتحاد الأفريقي خطاب قيس سعيد -الذي كرر نظرية "الاستبدال العظيم" التي تفيد بأن النخب السياسية تستبدل بالسكان الأصليين مهاجرين مؤيدين لها- بأنه "صادم" بينما أثنى عليه السياسي الفرنسي إريك زمور.

وأصدر الرئيس سعيد بيانا ثانيا الأسبوع الماضي نفى فيه كونه عنصريا وشدد على ضمان سلامة المهاجرين القانونيين، وقال إنه يريد من الشرطة تنفيذ القانون التونسي فحسب لكنه حذر من تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية وما تفرزه من "عنف وجرائم".

وما أن حطّت الطائرة في مطار كوناكري حتى ترجّل منه العائدون وفي مقدّمهم نساء يحملن أطفالهن الرضّع.

ومن بين هؤلاء الأمهات الثلاثينية مارييتو ديالو التي قالت لوكالة الصحافة الفرنسية ورضيعها على ذراعها "كنت قد ذهبت من أجل الولادة حين بدأت هذه المشكلة. في المستشفى (في تونس) لمسنا مشاعر الكراهية والرفض ضدّنا".

ويعاني النظام الصحّي في غينيا من مشاكل عديدة من جرّاء سنوات من سوء الإدارة من جانب السلطات المتعاقبة. بالمقابل، تُعتبر تونس وجهة للكثير من الأجانب الذين يسعون للحصول على رعاية طبية جيّدة.

وأضافت الأم الشابة أنّ مرافقتها في رحلة الاستشفاء هذه "أتت على عجل لاصطحابي حتى قبل انتهاء إقامتي في المستشفى. على طول الطريق، نجونا من هجومين ورضيعي بين يديّ". كان الأمر مروّعاً وخطراً".

وبدوره قال الأربعيني ألغاسيمو سانغاري لوكالة الصحافة الفرنسية إنّه كان في صفاقس (وسط شرق تونس) وأراد "عبور (البحر) للذهاب إلى إيطاليا، لكنّ الشعور المناهض للسود دفعني للذهاب إلى تونس العاصمة".

وأوضح أنّه توجّه من صفاقس إلى تونس على متن سيارة برفقة سيّدتين تونسيتين.

وأضاف "في الطريق، كدت أن أُقتل عند حاجز أقامه شبّان متفلّتون. هاتان التونسيتان هما من أنقذتا حياتي لأنّهما صاحتا بوجههم".

من جهته قال وزير الخارجية الغيني موريساندان كوياتي إنّ الطائرة التي استأجرتها حكومته والتي ذهب على متنها إلى تونس لاصطحاب مواطنيه الراغبين بالمغادرة أعادت 49 غينيا إلى بلدهم.

وأضاف أنّ الحكومة ستقيم جسرا جويا بين كوناكري وتونس لإعادة كل من يرغب بمغادرة تونس.

وبحسب مسؤول في الشرطة فإنّ من بين العائدين "أطفالاً دون العاشرة من العمر ورضّعاً".

وكان وزير الخارجية التونسي نبيل عمار قد أجرى اتصالا هاتفيا الأربعاء بنظيره الغيني الذي أثنى على علاقات الاخوّة التاريخية التي تجمع البلدين معربا عن معرفته الجيدة لتونس ولمواقفها وعن أسفه للتطورات الأخيرة نتيجة سوء التأويل في ما يتعلق بالإجراءات التي اتّخذتها السّلطات التونسيّة في مسألة الهجرة غير النظاميّة.

كما ذكّر الوزير الغيني أن سلطات بلاده طالبت مواطنيها المقيمين بتونس بالهدوء وعدم الانسياق وراء المزايدات والتأويلات السلبيّة مُثمّنا التعاطي الرصين للسّلطات التّونسيّة مع هذا الموضوع.

من جانبه جدّد نبيل عمّار حرص تونس على حماية كل الأجانب المقيمين بها وعلى تناول مسألة المهاجرين غير النظاميين في إطار الاحترام التام للقانون التونسي والمعاهدات الدوليّة والأفريقية ذات الصّلة. كما عبّر عن رفضه لكافة أشكال التمييز تجاههم وعلى استعداد تونس لمعالجة بعض الحالات في إطار التعاون الثنائي بين البلدين وتسهيل عودتهم إلى بلدانهم.

وكانت الرئاسة الغينية قالت في بيان إنّ الوزير كوياتي أُرسل إلى تونس على متن طائرة استأجرها المجلس العسكري الحاكم "للذهاب على وجه السرعة لمساعدة الغينيين".

وبدورها، أعلنت ساحل العاج الأربعاء أنّها بدأت "عمليات إعادة إلى الوطن" من تونس لنحو 500 مواطن.

وقال المتحدث باسم الحكومة العاجية أمادو كوليبالي عقب اجتماع لمجلس الوزراء إنّ "الأمر الأكثر إلحاحا هو إنقاذ الأرواح ومنع وقوع إصابات"، مشيراً إلى أنّ رحلات العودة هذه يمكن أن تتمّ في غضون 24 إلى 72 ساعة.

وكانت منظّمات حقوقية تونسية عديدة ندّدت بخطاب سعيّد، معتبرة إياه "عنصرياً" ويدعو "للكراهية".

وأثار الخطاب في تونس موجة ذعر في صفوف المهاجرين من جنوب الصحراء الذين أبلغوا مذّاك عن تصاعد الهجمات ضدّهم فيما هرع عشرات منهم إلى سفاراتهم لإعادتهم إلى بلادهم.

وبحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقيم في تونس البالغ عدد سكّانها 12 مليون نسمة، أكثر من 21 ألف مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء، معظمهم في وضع غير نظامي.