من يكسر محرمات الحديث عن الطمث عند النساء

يحوّل عدم المساواة بين الجنسين، والفقر المدقع، والأزمات الإنسانية، والتقاليد الضارة العادة الشهرية إلى فترة للحرمان والوصم. وفي مثل هذه الحالات من الهشاشة، يصبح الطمث تهديدا لصحة المرأة ورفاهها، وتتعدد الأسباب التي تجعل من العادة الشهرية قضية من قضايا حقوق الإنسان، بحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
نيويورك- تمثّل المفاهيم الخاطئة وسوء إدارة الدورة الشهرية عائقًا أمام قدرة النساء على ممارسة بعض حقوقهن الإنسانية الأساسية، وأمام مساهمتهن في مجتمعاتهن المحلية، حيث أكد تقرير حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن الحيض يمكن أن يصم المرأة ويستبعدها من الحياة العامة، منبها إلى أن التصور بأن الحيض قذر أو مخجل يسهم في القيود التي تواجهها النساء والفتيات أثناء النزيف المهبلي، وهو تصور موجود في الكثير من البلدان، إن لم يكن في معظمها.
وأشار إلى أن المرأة، يمكن أن تقضي من 3 إلى 8 سنوات على مدار عمرها في الحيض، كما نبّه إلى وجود بعض القيود الثقافية على المرأة خلال هذه الفترة، مثل حظر تناول بعض الأطعمة، أو المنع من دخول الأماكن الدينية، أو اشتراط أن تعزل النساء والفتيات أنفسهن.
وأوضح التقرير أن هناك بعض القيود مفروضة ذاتيًا؛ فقد تخشى النساء أو الفتيات المشاركة في أنشطة مثل الأنشطة المدرسية أو الألعاب الرياضية أو التجمعات الاجتماعية. ويمكن لهذه الممارسات، مجتمعة أن تعزز فكرة عدم أحقية النساء في التواجد والتمتع بالمساحات العامة بشكل مساو للرجال، وأنهن أقلّ قدرة على المشاركة في الحياة العامة.
وأكد الخبراء أن وصمة الحيض تجعل النساء والفتيات عرضة لأمور مثل التمييز وما يعرف بفقر الدورة الشهرية. كما تؤثر تلك الوصمة سلبا على النساء والفتيات ممن ينتمين إلى مجموعات هشّة بالفعل. فالمصابات بفيروس نقص المناعة البشرية، على سبيل المثال، قد يواجهن الوصم الاجتماعي في سعيهن للوصول للمرافق الصحية، ولوازم الحيض، والرعاية الصحية.
ومن جهة أخرى بيّن خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن وصمة العار والخجل التي تولدها الصور النمطية حول الحيض لها تأثيرات شديدة على جميع جوانب حقوق الإنسان الخاصة بالنساء والفتيات، بما في ذلك حقوقهن الإنسانية في المساواة والصحة والمسكن والماء والصرف الصحي والتعليم والعمل وحرية الدين أو المعتقد والشعور بالأمان وظروف العمل الصحية والمشاركة في الحياة الثقافية والحياة العامة دون تمييز.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إنّ الدورة الشهرية يمكن أن تحدّ من فرص المرأة نظرا إلى وجود مفهوم خاطئ شائع يتمثّل في أن قدرات النساء والفتيات، سواء الجسدية أو العاطفية، تضعف بسبب الدورة الشهرية.
ويمكن لهذه الأفكار أن تخلق حواجز أمام الفرص المتاحة للنساء والفتيات، مما يعزز عدم المساواة بين الجنسين. وعلى سبيل المثال، اعتقد أطباء القرن التاسع عشر أن الدورة الشهرية “تجعل من المشكوك فيه للغاية إلى أي مدى يمكن اعتبار النساء كائنات مسؤولة”. ولا تزال هناك أفكار مماثلة اليوم. فقد تواجه النساء تعليقات مهينة حول الحيض الذي يؤثر علي حالتهن الجسدية أو العاطفية. وقد يتم استبعادهن من بعض الأدوار أو المناصب القيادية بسبب تلك الأفكار.
وفي الحقيقة، فإن الحيض لا يحدّ من قدرات معظم النساء والفتيات، بأي شكل من الأشكال. وقال التقرير إن الحيض يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية ويؤدي إلى ضغط نفسي، وكثيرا ما يتم تجاهل القضايا الصحية الخاصة بأجساد النساء والفتيات من قبل صنّاع القرار، وصانعي السياسات، والمربّين، وحتى المؤسسات الطبية، بما لا يقتصر على الحيض، بل يشمل أيضا قضايا الحمل والولادة وتغيّرات ما بعد الولادة وانقطاع الطمث.
وأفاد بأن النساء والفتيات اللاتي يعشن في فقر مدقع وفي أزمات إنسانية هن الأكثر عرضة لمواجهة هذه التحديات، ففي أحد مجتمعات اللاجئين السوريين على سبيل المثال، أفاد العاملون الصحيون بأنهم يرون مستويات عالية من الالتهابات المهبلية، وربما كان ذلك نتيجة لسوء النظافة أثناء الحيض. غير أنه لا توجد أدلة قوية على مخاطر هذه الإصابات وانتشارها، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ويمكن أن يؤدي الصمت حول الحيض إلى الجهل والإهمال، بما في ذلك الصمت على مستوى السياسات. ونتيجة لذلك، كثيرًا ما تجهل النساء والفتيات الكثير عن التغييرات التي يتعرضن لها مع تقدمهن في العمر. والكثير من الفتيات لا يعلمن شيئا عن الدورة الشهرية إلا عندما يصلن إلى سن البلوغ، وهو ما يمكن أن يكون تجربة مخيفة ومربكة.
وقد يزيد الحيض من هشاشة النساء والفتيات وتعرضهن للعنف وسوء المعاملة، ففي أنحاء كثيرة من العالم، يعتبر حدوث الحيض لأول مرة، مؤشرا لاستعداد الفتيات للزواج أو النشاط الجنسي. مما يجعل الفتيات عرضة لمجموعة من الانتهاكات تتضمن: زواج الأطفال، والعنف الجنسي أو الإكراه على النشاط الجنسي، والحمل المبكر.
ونبّه المختصون إلى أنه في حين يعدّ الحيض أحد مؤشرات الخصوبة البيولوجية، فإنه لا يعني أن الفتيات قد وصلن إلى مرحلة النضج العقلي أو العاطفي أو النفسي أو البدني. وفي حالات نادرة، يمكن أن يحدث الحيض قبل بلوغ الفتاة سن السابعة أو الثامنة، على سبيل المثال.
وحتى المراهقات الأكبر سنّا، قد لا يكنّ ناضجات بما يكفي لاتخاذ قرارات مستنيرة حول الزواج أو النشاط الجنسي أو الأمومة. كما أن الحمل والولادة المبكرين يمثلان السبب الرئيسي في وفاة الفتيات اليافعات في الفئة العمرية بين 15 و19 عاما.
كما أفاد التقرير أنّ الفقر والأزمات الإنسانية يمكن أن يحدّا من قدرة النساء والفتيات على الحصول على لوازم الحيض المناسبة ثقافيا، أو الوصول إلى مرافق النظافة الخاصة والآمنة. ويصف مصطلح “فقر الدورة الشهرية” نضال العديد من النساء والفتيات ذوات الدخل المنخفض وهنّ يحاولن شراء منتجات الحيض. ويمكن لصعوبة توفير منتجات الحيض أن تقعد الفتيات عن الذهاب إلى المدرسة والعمل ممّا يؤدي لآثار سلبية دائمة على تعليمهن وفرصهن الاقتصادية.
وبالإضافة إلى ذلك يمكن للنساء والفتيات المستضعفات في المجتمعات الميسورة أن يواجهن صعوبة الوصول إلى مرافق الاستحمام الآمنة ولوازم الحيض، مثل النساء والفتيات في النظم المدرسية الفقيرة والسجون وملاجئ المشردين.
ومن جهة أخرى طالب خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المجتمع الدولي في وقت سابق بكسر الحظر والوصم على صحة الحيض، واتخاذ إجراءات ملموسة لضمان تغيير العقليات التمييزية وحماية صحة النساء والفتيات الحائضات.
وأفاد الخبراء أنّ المعايير الاجتماعية الثقافية الضارة والوصمة والمفاهيم الخاطئة والمحظورات تستمر حول الحيض، مما يؤدي إلى الاستبعاد والتمييز ضد النساء والفتيات.
التصور بأن الحيض مخجل يسهم في القيود التي تواجهها النساء والفتيات وهو تصور موجود في الكثير من البلدان إن لم يكن في معظمها
وقالوا إن الحائضات والفتيات يعتبرن ملوثات ونجاسة، في بعض البلدان، مشيرين إلى أنه يتم فرض قيود عليهن، مثل حظر لمس الماء أو الطبخ، أو حضور الاحتفالات الدينية والثقافية أو الدخول إلى مواقع دينية أو ثقافية، أو الانخراط في أنشطة مجتمعية.
وفي بعض المجتمعات يتم إقصاء الفتيات الحائضات إلى حظائر خارجية حيث يعانين من البرد والعزلة، وكثيرا ما يتعرّضن لخطر المرض والاعتداء من الحيوانات. وقال الخبراء “عندما تقترن الوصمة بالعار الذي تشعر به النساء والفتيات خلال تلك الفترة، فإنهن يشعرن حقا بقلة قيمتهن”.
ولفتوا إلى أن النساء والفتيات يواجهن مشاكل تتعلق بعدم توفر منتجات النظافة الصحية والمرافق الملائمة لهنّ، واعتبروا أن الافتقار إلى التواؤم بين الاحتياجات الصحية المتعلقة بالحيض لدى النساء والفتيات في المؤسسات التعليمية وأماكن العمل له أثره على المدارس والوظائف، وبالتالي على النهوض الاقتصادي بالمرأة، مما يقوّض المساواة بين الجنسين.
وعلى الرغم من أن بعض البلدان حظرت الممارسات التمييزية المرتبطة بالحيض، ووضعت سياسات تستجيب لاحتياجات النساء والفتيات أثناء الحيض، إلا أن الإشكاليات المتعلقة بحقوق الإنسان المتعلقة بدورة المرأة الشهرية لا تزال متجاهلة إلى حد كبير من قبل صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم.
وشدّد الخبراء على ضرورة محاربة الأساطير والمعلومات الخاطئة حول الدورة الشهرية، من خلال معلومات شاملة ودقيقة ويمكن الوصول إليها لتحسين المعرفة، كما دعوا الدول إلى اتخاذ تدابير تحويلية بالتعاون مع كيانات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية وقطاع التعليم والأعمال.