من يقف وراء تدوير إشاعة اختطاف فتيات في سلطنة عمان

النفي المتكرر للإشاعات من الشرطة السلطانية يسلط الضوء على ضعف الإعلام المحلي.
الجمعة 2022/10/14
الجميع معني بفصل الصالح عن الطالح

تحولت إشاعة مدورة تظهر بين الفينة والأخرى في سلطنة عُمان حول «اختطاف فتيات» إلى قضيةَ رأي عام في البلاد، ما سلّط الضوء على الإشاعات التي أصبحت «صناعة موجهة ومدروسة ويتبع بعضها بعضا في فعل تراكمي».

مسقط - أثار تداول تحذيرات عن محاولات اختطاف في مختلف ولايات سلطنة عُمان، نفت قوات الشرطة السلطانية في الدولة الخليجية صحتها، جدلا واسعا على مواقع التواصل.

وشهدت سلطنة عمان مؤخرا موجة من الإشاعات طالت مختلف نواحي الحياة، وأصبحت مصدر قلق للسلطات والمؤسسات الإعلامية على حد السواء.

وسلط سيل الإشاعات الضوء على علاقة الجمهور العماني السلبية بصحافة بلاده مع غياب المعلومات التي يبحث عنها ويحتاجها، لذلك لم تعد المصدر الأول في استقاء المعلومات، ولجأ إلى الاعتماد على مواقع التواصل الأمر الذي يعرضه إلى كمّ هائل من المعلومات الخاطئة، ومنها ما هو موجه إلى أغراض محددة.

ونشر عدد من مستخدمي مواقع التواصل في السلطنة، منشورات وصلتهم عبر تطبيق واتساب تتحدث عن وقوع عمليات اختطاف، من بينها عمليات اختطاف لفتيات أمام المدارس فشلت في النهاية. وأخرى عن “اختطاف ولد كان متجهاً رفقة والده إلى المسجد”. وتشير المنشورات إلى وجود “رجال آسيويين متنكرين في أزياء نسائية يحاولون اختطاف الفتيات”.

وغرد الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية سالم بن حميد الرواحي تعليقا على صورة تحمل شعار “أخبار عمان” وتؤكد وجود عمليات اختطاف:

ونشرت صفحة شرطة عمان السلطانية  عبر تويتر تغريدةً، أكدت فيها:

وتتزامن الإشاعات مع فترة يعيش فيها العمانيون على وقع “حادثة اختفاء الوالدة حميدة“، وهي مواطنة مغربية تعيش في السلطنة، منذ أيام دون وجود أي أثر لها. ورغم المحاولات الحثيثة التي تقودها قوات الشرطة في السلطنة، ما زال اختفاء “الوالدة حميدة” يثير الجدل.

يذكر أن إشاعة الاختطاف يتم تدويرها بين الفترة وأخرى ويعاد نشرها على نطاق واسع. وسبق أن أصدرت شرطة عمان السلطانية بيانا رسميا في مايو الماضي أوضحت فيه حقيقة الإشاعات المتداولة بشأن قيام أشخاص باختطاف الأطفال في الأماكن العامة. وقالت الشرطة في بيان إنها تود التوضيح بخصوص هذا الأمر، وأن ما تم تداوله “غير صحيح”.

وكانت رسالة واتساب انتشرت بين العمانيين تمثلت في مقطع صوتي، يقول ”انتبهو لأولادكم الغاليين في حالات اختطاف”. وأوضحت الرسالة أن ذلك يتم عبر “سيارة وباص دون أرقام يعمد راكبوهما إلى اختطاف الطفل وتخديره داخل العربة”. وفي بعض الأحيان ـ بحسب الإشاعة المزعومة ـ يقوم أصحاب التشكيل الإجرامي بدق الباب “وإذا الطفل هو من فتح الباب خدروه وشلوا حركته ثم اختطفوه”.

كما حذرت الرسالة، التي نفت شرطة عمان السلطانية صحتها، المواطنين ودعتهم إلى الانتباه لصغارهم وعدم السماح لهم باللعب خارج المنزل إلا بتواجد شخص كبير معهم. وكذلك “لا يفتحوا الباب حين سماع الجرس يدق”.

مراقبون يتساءلون "من أين جاءت فكرة خطف الأطفال ونشرها في مجتمع تخيم عليه أجواء الأمن والسلامة"

ومن جانبه شدد رجل القانون خليل الشرياني على أنه “لهذا يجب عدم نشر كل ما يتداول خاصة موضوع خطف الأطفال موضوع غير منطقي. ووين في عمان صعب”.

وبحسب الدراسات فإن الإشاعة موجودة في كل المجتمع وهذا ليس بجديد، لكن الجديد في الموضوع في عمان، وفق ما يقول مراقبون، هو “من أين جاءت فكرة خطف الأطفال ونشرها في مجتمع تخيم عليه أجواء الأمن والسلامة”.

وسبق لإحدى الدراسات التي أجريت في جامعة السلطان قابوس قبل عدة سنوات عن الشائعات في السلطنة أن كشفت أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تنقل 90 في المئة من الشائعات في السلطنة، بينما تقوم القنوات التقليدية بنقل 10 في المئة من الشائعات فقط.

ويقول مراقبون إن هناك استخداما سلبيا جدا لوسائل التواصل الاجتماعي حيث وصل الأمر إلى تهديد أمن المجتمع عبر نشر الإشاعات كما يحدث في مسلسل التحريض ضد الأفراد والمؤسسات وإثارة الرأي العام. ويضيفون أن الكثير من الإشاعات التي تثار في وسائل التواصل الاجتماعي تضعف من ثقة الناس بمؤسساتهم وتضعف من سمعة تلك المؤسسات.

وخلال أغسطس الماضي، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في السلطنة، بفيديو زعم ناشروه أنه يوثق لحظة انهيار سد “بني خروص” في ولاية العوابي، بمحافظة جنوب الباطنة جراء السيول العارمة التي اجتاحت الولاية والناتجة عن المنخفض المداري. وانتشر الفيديو المتداول بين العمانيين على تويتر بعنوان “انفجار سد وادي بني خروص” وتبين أنه مفبرك.

وانتشرت إشاعة الشهر الماضي مفادها إلغاء منحة مخصصة لأبناء العائلات ذات الدخل المحدود لتوفير المستلزمات الدراسية نفتها الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية. وما إن نفيت حتى انتشرت أخرى عن تقديم منح تكميلية للأسر وهو ما نفته الهيئة أيضا.

وأثبتت الدراسات أن الكثير من الإشاعات لا تكون نتيجة جهد فردي، وإنما تكون موجهة ومدروسة ويتبع بعضها بعضا في فعل تراكمي وينساق الناس خلفها ترويجا في المرحلة الأولى، ثم تصديقا في المرحلة الثانية لأنها تختار سياقات تتماس مع التحديات التي يعيشها الناس.

الادعاء العام يؤكد أنه سيتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل من يقوم بنشر والإشاعات أو يروج أو يحرض أو يساعد عليها بأيّ شكل من الأشكال

ويؤكد مراقبون أن المنهجية السابقة لدوائر الإعلام والاتصال في المؤسسات الحكومية العمانية لم تعد مجدية في التعامل مع الأخبار الكاذبة مع تصاعدها وانتشارها المكثف، وبناء عليه يجب تطوير طريقة الرد والتوضيح أو النفي عبر الحسابات التي تمتلكها هذه المؤسسات على مواقع التواصل أو عبر وسائل الإعلام مع مراعاة عنصر الوقت بحيث لا تدع مجالا لانتشارها.

وكان الكاتب والصحافي العماني خلفان الزيدي قد أوضح في تصريح سابق لـ”العرب” أن الإشاعة لم تعد خبرا يتداول عبر مواقع التواصل أو عبر رسالة واتساب، بل أصبحت صناعة بالوسائل التقنية المتاحة، لتمرير الأكاذيب وتزوير الحقائق دون رادع أو إحساس بالمسؤولية.

وفي سبتمبر 2021، حذّر الادعاء العام في سلطنة عُمان من تزايد وتيرة نشر إشاعات مثيرة عبر شبكات التواصل. وأشار الادعاء العام إلى أن “نشر مثل هذه الأخبار بقصد إثارة الرأي العام، يعد جريمة تصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات والغرامة ثلاثة آلاف ريال عماني (7927 دولارًا).

وأكد الادعاء العام أنه سيتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل من يقوم بنشر والإشاعات أو يروج أو يحرض أو يساعد عليها بأيّ شكل من الأشكال وفقا للقوانين والأنظمة السارية.

ووفقًا للمادة 223 من قانون العقوبات بشأن الحكم المتعلق بنقل المعلومات الكاذبة، يعاقب أي شخص ينشر عن علم أخبارا كاذبة عن جريمة لم تُرتكب بالسجن لمدة لا تقل عن شهر واحد، ولا تتجاوز 3 سنوات. ويواجه أيضًا غرامة لا تقل عن 100 ريال عماني ولا تزيد عن 500 ريال عماني. كما يشمل قانون العقوبات العماني الإشاعات التي تؤثر على الدولة. وتنص المادة 115 من الفصل الثاني من قانون العقوبات على أن أيّ شخص يقوم عن قصد بالتحريض أو نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو ضارة أو بث دعاية تحريضية، من شأنها أن تقوض مكانة الدولة أو تضعف الثقة في أسواقها المالية أو وضعها الاقتصادي والمالي، يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات.

16