من يعاقب من في دوامة الحرب الأوكرانية؟

تطلعات كييف لا يمكن أن تكون هي السبب الحقيقي للدعم الغربي الذي له مصالحه المعروفة جيداً، ولكن لا أحد يضمن ألا تكون الحسابات خاطئة في الكثير من المواقف.
الخميس 2022/09/22
حرب شديدة التعقيد

تشغل الحرب الأوكرانية حيزاً واسعاً ومتنامياً باستمرار من الاهتمام العالمي لأن نتائجها تتجاوز بكثير الأسباب والاصطفافات التي أدت إلى نشوبها، خاصة من حيث تداعياتها وآثارها المباشرة والمضاعفة على قطاعات حيوية مثل الطاقة والغذاء والاقتصاد، في الوقت الذي تتواصل فيه الهزات الارتدادية التي سببتها جائحة كورونا، رغم إعلان منظمة الصحة العالمية عن أن تجاوُزَ الظرف العصيب الناجم عنها بات يلوح في الأفق مع تراجع الوفيات الأسبوعية جراء الإصابة إلى الحد الأدنى منذ عام 2020.

مثل هذه المخاوف المشروعة وضعت عددا كبيرا من صناع القرار السياسي في القارة العجوز في الزاوية وشكلت منصة لليمين المتطرف ليحاول اقتناص الفرصة، مع ترقب شتاء قاس بدأ الاستعداد المبكر له عبر التقنين والبحث عن وسائل بديلة للغاز الروسي، واهتزاز اليورو وموجات الغضب الشعبي على حكومات بدت وكأنها تخوض سباقا خاسراً حتى اليوم، وفي حين تطغى فيه كلمة “عقوبات” على كافة التصريحات والبيانات الغربية تجاه روسيا فإن النتائج الواقعة حتى اليوم تشير إلى أن دولاً فاعلة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد عاقبت نفسها بنفسها جراء الموقف الذي اتخذته من معاداة الدب الروسي الذي لا يبدو متسرعاً لإنهاء حربه في أوكرانيا، وبلغة الواقعية الواجبة وبعيداً عن محاولة بث الحماس في الجانب الأوكراني.

ومع اختلال ميزان القوى بشكل كبير حتى اليوم لصالح موسكو، رغم تطورات الأيام الأخيرة في خاركيف والعمليات شرقاً، فإن روسيا لا تبدو في عجلة من أمرها للحسم، ويرى البعض أنها تدفع لاستمرار الحرب خلال الشتاء دون أي نية لتعديل موقفها من إمدادات الغاز، لأنها ترى أن نتيجة الحرب سوف تحدد مستوى الثقل الروسي على الساحة الروسية لسنوات طويلة، وفي حال كانت النتيجة في غير صالحها فإن آلاماً كبيرة وأزمات كثيرة مشابهة قد تشهدها في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق من خلال الإغراءات التي قد يقدمها حلف شمال الأطلسي بقصد “التوسع” وهو ما لا يمكن أن تسمح به روسيا تحت أي ظرف.

◙ في حرب شديدة التعقيد، وما بين الحديث عن تحويل أوكرانيا إلى طعم لجر روسيا إلى حرب استنزاف يصعب التكهن بنهايتها وما واكبها من تلويح باستخدام السلاح النووي، لا يمكن لتطلعات كييف أن تكون سببا رئيسيا للدعم الغربي

في حرب شديدة التعقيد والتحالفات، وما بين الحديث عن تحويل أوكرانيا إلى طعم لجر روسيا إلى حرب استنزاف طويلة يصعب التكهن بنهايتها وما واكبها من تلويح باستخدام السلاح النووي، فإن تطلعات كييف لا يمكن أن تكون هي السبب الحقيقي للدعم الغربي الذي له مصالحه المعروفة جيداً، ولكن لا أحد يضمن ألا تكون الحسابات خاطئة في الكثير من المواقف التي ستكون فاتورتها مرتفعة جداً من خلال الرهان على موقف أميركي يمكن أن يسابق الزمن لرسم نهايات الصراع بشكل سريع، خاصة أن واشنطن غير متضررة بشكل مباشر في الوقت الذي يخيم فيه كابوس التردي الاقتصادي الذي يبدو منهكاً في عدد من مناطق القارة العجوز، وهي المتضررة بشكل مباشر من زج المنطقة في حرب غير محمودة العواقب، ومواجهة مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما حذر منه لسنوات حول الرد الذي يمكن أن يقوم به في حال تم تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها بلاده.

في قرارات الدول لخوض الحروب أو الدفع إليها لا مكان للحسابات الخاطئة أو عدم توقع رد فعل طرف يعتبرها مصيرية ومفروضة عليه، والحديث عن نتائج العقوبات على المدى الطويل قد لا يساوي شيئاً في حرب يرى الكثير من المراقبين والمتابعين والسياسيين أن زج أوكرانيا فيها وتعنت مواقفها هما فوضى كارثية نتيجتها التدمير والمعاناة، وكان بالإمكان الاستعاضة عن هذه الكوارث بتعزيز التعاون بين كييف والغرب الذي تميل إليه قيادتها عبر التعاون الاقتصادي بدلاً من وضعها في مقدمة المدفع لصالح أهداف غربية قد لا تحقق نتائجها مطلقاً.

ومنذ إعلان روسيا بدء العمليات لا شك أن حسابات أوروبا، إذا كانت لا تزال ترى أن استمرار الحرب وتشجيع حليفتها كييف ودعمها قد يضمن الضغط على موسكو، هي بالقطع وبلغة الأرقام والخسائر وحجم التدمير حسابات خاطئة وأوهام ستكون أوروبا بسببها أول الخاسرين وكأنها تعاقب نفسها، إذ لا يبدو أن ما رسمته للإيقاع بروسيا يحقق نتائجه. وبالتالي فإن الطموحات الأوروبية قد تنقلب إلى محاولة الحد من الخسائر قدر الإمكان بعد أن كانت الأهداف المرجوة أكبر من ذلك بكثير، وأنه لا بديل عن أن تضع تلك الحرب المجنونة أوزارها، وحتى يتحقق ذلك لا يبدو أن الوقت في صالح الدول الأوروبية المعنية بالأزمة بشكل مباشر.

9