من يريد عودة الإقطاعية السياسية إلى لبنان

عودة الحريري في لحظة تعافي لبنان وتلويحه بخوض الانتخابات يمثلان هدية قيّمة لحزب الله من أجل العودة إلى الاستقطاب الطائفي.
السبت 2025/02/15
عودة للمشهد.. لكن لصالح من؟

بيروت - أثارت عودة رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري، في الذكرى العشرين لاغتيال والده، التساؤل عن عودة الإقطاعية السياسية إلى لبنان، ومن يريد هذه العودة وفي صالح من؟ في وقت يسعى فيه لبنان للتعافي من مخلفات هذه الإقطاعية التي قادت البلاد إلى أزمات داخلية وحروب وخسارة للدعم الخارجي.

ووعد الحريري بأن يكون تيار المستقبل، الغائب منذ ثلاث سنوات، حاضرا في كل الاستحقاقات المقبلة في لبنان، وهو ما يعني أن الحريري سينفخ من جديد في نار الإقطاعية السياسية ويعطي مبررا قويا لعودة سياسية قوية لحزب الله، الذي تراجع بشكل كبير تحت وقع هزيمته في الحرب وفي ضوء ضغوط خارجية لمنعه من الحصول على حقائب حكومية ما يمكنه من العودة إلى سياسة التعطيل والعرقلة.

وتعتقد أوساط سياسية لبنانية أن عودة الحريري إلى الواجهة في لحظة تعافي لبنان وتلويحه بخوض الانتخابات يمثلان هدية قيّمة لحزب الله من أجل العودة إلى الاستقطاب الطائفي وشحن الأنصار وإحياء تحالفاته مع القوى المسيحية، ولو بشكل بطيء، على أن تكون قادرة على التأثير في المرحلة القادمة.

◙ رهان الحريري على أن تكون التغييرات الداخلية في صالحه رهان خاطئ، فليس هناك جهة إقليمية أو دولية تريد إعادة لبنان إلى حالة الاستقطاب الطائفي

لكن هذه الأوساط تتوقع أن يقف الحريري على حقيقة الواقع الجديد، وأن الضغوط الدولية قد تطاله هو شخصيا، وليس فقط حزب الله، مشيرة إلى أن رهان الحريري على أن تكون التغييرات الداخلية في صالحه رهان خاطئ، فليس هناك جهة إقليمية أو دولية تريد إعادة لبنان إلى حالة الاستقطاب الطائفي، لاسيما وأن دول الخليج تدعم تعافي لبنان من الإقطاعية الطائفية ولا مبرر للرهان على تيار المستقبل أو الحريري في خلق مناخ يعيد الحياة إلى حزب الله.

وحتى مطلع 2022 كان سعد الحريري الزعيم السني الأبرز في لبنان حيث يقوم النظام السياسي على المحاصصة الطائفية. لكنّ توتّر علاقته مع السعودية، داعمته الرئيسية، شكّل منعطفا في مسيرته السياسية. فأعلن في 4 نوفمبر 2017 استقالته من رئاسة الحكومة من الرياض، منددا بتدخل حزب الله في النزاعات الإقليمية. واعتبر خصومه آنذاك قرار استقالته “قرارا سعوديا”، قبل أن يعود إلى لبنان بعد أيام بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويتراجع عن الاستقالة.

وفي أكتوبر 2019 قدّم الحريري استقالته من رئاسة الحكومة إثر اندلاع احتجاجات شعبية طالبت برحيل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والتي شكل أحد أركانها. وعزا البعض تراجع شعبيته إلى تنازلات سياسية قدمها لحزب الله، لكنه قال لاحقا إن هدفه كان الحفاظ على السلم الأهلي. وجاء ابتعاده عن العمل السياسي آنذاك بعدما مُني بانتكاسات، ماليا وسياسيا.

وخرج حزب الله من مواجهته الأخيرة مع إسرائيل أضعف في الداخل بعدما كان القوة السياسية والعسكرية الأبرز التي تحكمت في مفاصل الحياة السياسية.

ورأى الحريري أن لدى لبنان، بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة، “فرصة ذهبية”. وخاطب أهالي الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، معاقل حزب الله، قائلا “أنتم شركاء في هذه الفرصة ومن دونكم لا يمكن أن تتحقق. لكن يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح،” مضيفا “أنتم شركاء بقوة في إعادة الاعتبار للدولة التي تحمي كل اللبنانيين.”

وبرز الحريري سياسيا بعد جريمة اغتيال والده التي أغرقت لبنان في أزمة كبرى، مع اتهام حزب الله وحليفته سوريا بالوقوف خلفها. وقال الحريري في كلمته إنه بعد عشرين سنة على اغتيال والده “طرد الشعب السوري البطلُ، المجرمَ من سوريا،” مضيفا “ربما هذه هي بداية العدالة، وربما هذه نهايتها. في الحالتين، رأيتم كيف أنه إن لم تنصفنا عدالة الأرض فعدالة رب العالمين لا يهرب منها أحد.”

وكان الراحل رفيق الحريري بمثابة مهندس إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب الأهلية في لبنان (1975 – 1990). وتولى رئاسة الوزراء مرتين، قبل أن ينتقل في 2004 إلى صفوف المعارضة إثر اعتراضه على تمديد ولاية الرئيس السابق إميل لحود بضغط سوري.

1