من يريد شطب أكثر من نصف مليار دولار جمعها قيس سعيد بصورة

هل يطلق الإعلام التونسي النار على قيس سعيد أم على هيبة الدولة التونسية.
الجمعة 2022/11/25
وجها لوجه

أثارت صورة للرئيس التونسي قيس سعيد، وهو بصدد ”الانحناء” للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأقصر منه حتى يسمعه، جدلا واسعا في تونس وحملت أبعادا سياسية كثيرة.

تونس - أثارت صورة اختارها الإعلام الفرنسي عنوانا لجزء من تغطيته القمة الفرنكوفونية التي انعقدت مؤخرا في تونس، تظهر الرئيس التونسي قيس سعيد منحنيا قليلا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فيما يظهر الأخير وهو يشير بيده، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التونسي.

وفيما رأى البعض في الصورة رئيس دولة أكثر طولا من نظيره ويميل نحوه قليلا حتى لا يفوته شيء مما يقوله نظيره الأقصر، فرض البعض الآخر رؤيته وحمّل الصورة أبعادا سياسية حين اعتبرها “خضوعا لإملاءات المستعمر القديم الجديد فرنسا”.

ويقول مراقبون “حتى لو لم تعترف بذلك أبدًا، فإن وسائل الإعلام الفرنسية لم تختر الصورة عبثا بل عن قصد. وتبدو نوايا الإعلام الفرنسي واضحة: الرئيس الفرنسي يشير إلى الطريق لنظيره التونسي الذي يستمع إليه بانتباه”.

وسائل الإعلام الفرنسية تتميز أحيانًا بالشوفينية في الدفاع عن المصالح العليا للأمة الفرنسية

ومن بين جميع صور القمة الفرنكوفونية، اختار الإعلام الفرنسي هذه اللقطة لفرض صورة توحي بسيطرة باريس، وخاصة بعد تسويق الصورة من قبل الإعلام الفرنسي على أنها محاولة من قيس سعيد للتعبير عن شكره لفرنسا بعد منحها بلاده قرضا بقيمة 200 مليون دولار.

وتتميز وسائل الإعلام الفرنسية أحيانًا بالشوفينية في الدفاع عن المصالح العليا لأمتها، وهو ما يدركه التونسيون الذين لم يتركوا الصورة تمر مرور الكرام. وبالنسبة إليهم فالصورة مهينة، وهم الذين لديهم حساسية كبيرة تجاه مثل هذا الأمر.

ولم يتحلّ الإعلام التونسي بالحكمة بل انخرط في انتقاد الرئيس التونسي والحديث عن أن “سمعة وشرف البلاد، من سمعته”. ومن الواضح في التغطية وتسليط الضوء على الصورة أن هناك تلميحات لتصفية حسابات مع قيس سعيد الذي يقاطع الإعلام في بلاده.وبالنسبة إلى بعض وسائل الإعلام كانت الفرصة سانحة جدا لتوجيه انتقادات حادة للرئيس، وذلك انتقاما من تجاهله للإعلام التونسي.

من جانبها كانت جيوش إلكترونية، بينها وبين الرئيس خصومة، تروّج “لعزلة الرئيس وهوان البلاد في الخارج”.

ولم يتردد متابعو القمة في التعليق على لغة الجسد وانحناء قيس سعيد أمام ماكرون، وهو ما اعتبره البعض خضوعا وانحناء سياسيا. كما لم يخلو الأمر من مقارنات بين الرئيس قيس سعيّد و الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وهو أحد مؤسسي قمة الفرنكوفونية. وكان التعليق الأبرز “بورقيبة كان قصيرًا فتطاول وسعيد كان طويلًا فانحني”.وارتبطت شخصية الرئيس لسنوات في أذهان التونسيين، خاصة في ظل حكمي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، بـ”فرض هيبة الدولة في الداخل والخارج”.

لكن بعد ثورة 14 يناير 2011 تغير كل شيء، خاصة إثر تولي المنصف المرزوقي منصب الرئاسة، وكان المنصف المرزوقي وفق كثيرين رائد “تقزيم الدولة التونسية” حيث أصبحت تصرفاته مادة خصبة للسخرية وأُطلق عليه لقب “طرطور” وفقدت في عهده الدولة هيبتها.

واستطاع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إعادة هيبة الدولة خاصة لما عُرف عنه من ثقافة واسعة وحس كوميدي. ويأمل تونسيون في أن يواصل قيس سعيد فرض هيبة الدولة.

وقال ناشط سياسي:

من جانبه طالب النائب السابق حاتم المليكي السلطات الفرنسية بالاعتذار عن الإشارة بالإصبع من قبل الرئيس الفرنسي في اتجاه الرئيس التونسي. وقال المليكي “هذه الإشارة غير مقبولة في الأعراف الدبلوماسية ولا تستخدم إلا عند الحديث مع المرؤوس وليس مع رئيس دولة أخرى”، مشيرا إلى أن هذه الدعوة لا تعني التضحية بالمصالح الاقتصادية لتونس لأنها في النهاية مصلحة شعب وليست مصلحة رئيس”.

ويغفل المنتقدون كل المكاسب التي حققها الرئيس هذا الشهر؛ فبالإضافة إلى القرض الفرنسي لتونس بقيمة 200 مليون دولار، منح الاتحاد الأوروبي تونس 100 مليون دولار لدعم الموازنة ومنح البنك الأفريقي للتنمية تونس تمويلا بمبلغ قيمته 80 مليون دولار لفائدة مشروع الدعم الطارئ للأمن الغذائي. كما حصلت تونس على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 250 مليون دولار.

وقال وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد خلال القمة الفرنكوفونية إن تونس تسعى للحصول على شركاء دوليين لمشاريع استثمارية بقيمة 3.2 مليار دولار.

هذه ليست المرة الأولى التي تثير صور يعتبرها تونسيون مهينة للرئيس قيس سعيد جدلا؛ ففي فبراير الماضي أثارت صورة لرئيسة البرلمان الأوروبي مع سعيد استياء كبيرا

ويتساءل معلقون “من يشوش على الإنجاز التونسي ويريد مسح المليارات من الدولارات بصورة”. واعتبر المعلقون أن وسائل الإعلام المحلية التي التقطت هذه الصورة، ومن خلال تشويه صورة رئيس الجمهورية بهذه الطريقة، لا تطلق النار على الرئيس قيس سعيد وإنما تطلقها على تونس.

ويذكر مراقبون أنه “باسم شرف وكرامة تونس على وجه التحديد”، تجنب الرئيس الفرنسي بحذر إعطاء دروس لقيس سعيد علنًا حول حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، وهي محاضرات “تحبها” باريس كثيرا وتسعى إليها. ولتجنب حساسية نظيره التونسي قام إيمانويل ماكرون بالمهمة على انفراد.

من جانبه علّق سفير فرنسا بتونس أندريه باران على الصورة قائلا إن “البعض يسعى لإثارة الجدل، والأمر لا يستحقّ كلّ هذا الاهتمام”.

وهذه ليست المرة الاولى التي تثير صور يعتبرها تونسيون مهينة للرئيس قيس سعيد جدلا؛ ففي فبراير الماضي أثارت صورة لرئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا مع الرئيس التونسي قيس سعيد استياء كبيرا في تونس.

والتقت ميتسولا بالرئيس التونسي على هامش القمة الأوروبية – الأفريقية في عاصمة بلجيكا بروكسيل.

والصورة التي نشرتها المسؤولة الأوروبية على تويتر تظهرها في مقابلة مع قيس سعيد الذي لم يظهر منه إلا ظهره، وهو ما عدّه تونسيون “مهينا” لسعيد. واعتبر مغردون تونسيون الصورة “عنصرية”، متهمين المسؤولة الأوروبية بتعمد “الإساءة” إلى الرئيس التونسي.

وكتبت ميتسولا على تويتر أنها ذكّرت في لقائها مع قيس سعيد بأهمية العودة إلى ديمقراطية برلمانية فاعلة وتوازن مؤسسي فعال. واضطرت رئيسة البرلمان الأوروبي أمام سيل الانتقادات إلى تغيير الصورة بأخرى تظهر الرئيس سعيد واقفا إلى جانبها.

16