من يحل عقدة الدراما الدينية في مصر

من يتابع الدراما التلفزيونية أو حتى السينمائية المصرية المعروضة في العقد الأخير يجد غيابا شبه كامل للدراما التاريخية ذات الصبغة الدينية، ما جعل الساحة فارغة للدراما التاريخية التركية وجماعات الإسلام السياسي لتشكيل الوعي الجمعي المصري خصوصا والعربي عموما.
القاهرة – جدد إعلان المنتج المصري وليد منصور عن الموعد النهائي والرسمي لطرح فيلمه الجديد “أهل الكهف” بدور العرض السينمائي وذلك ابتداء من ديسمبر القادم؛ المطالبات بإعادة إنتاج أعمال الدراما التاريخية في التلفزيون المصري للمساهمة في تجديد الخطاب الديني ومواجهة المشروعات السياسية المشبوهة بالإضافة إلى مجاراة الدراما التاريخية التركية التي تعيد منذ سنوات تشكيل الوعي الجمعي المصري خصوصا والعربي عموما.
ونشر منصور صورة الملصق الدعائي الرسمي للفيلم عبر حسابه على إنستغرام معلقا “أهل الكهف ديسمبر المقبل، إنتاج مصري بمواصفات عالمية.. أيمن بهجت قمر وعمرو عرفة”.
وصور الفيلم في ثلاث دول هي أيرلندا والمغرب ومصر، ويشارك في بطولته خالد النبوي، غادة عادل، محمود حميدة، صبري فوزي، عبدالرحمن أبوزهرة، محمد ممدوح، محمد فراج، أحمد عيد، بيومي فؤاد، وغيرهم. ويتناول فيلم ”أهل الكهف“ محاكاة القصة القرآنية التاريخية لأصحاب الكهف، ولكن بقالب فني يتناسب مع العصر الحديث.
وحول فكرة الفيلم المأخوذة من مسرحية ”أهل الكهف“ للكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم، التي اقتبس فكرتها من القصة القرآنية المعروفة، فهي تجسد صراع الإنسان مع الزمن في شخصيات ثلاثة من المؤمنين المسيحيين يستغرقون بالنوم لفترة تتجاوز الثلاثة قرون، قبل أن يعودوا إلى الحياة من جديد فإذا بهم في عصر آخر يختلف شكلا ومضمونا عن الذي سبق لهم الحياة فيه، الأمر الذي يجعلهم في صراع حاد لا مع الزمن فحسب، وإنما حتى مع من حولهم، وهو ما ينتج عنه بالتبعية شعورهم الهائل بالوحدة والاغتراب.
وكان الفيلم أثار حالة من الجدل منذ أن تم الإعلان عن بداية تصويره، وسط انقسام حول جواز محاكاة قصة قرآنية في عمل فني أم لا.
وتساءل المنتج المصري وليد منصور ”لماذا يثار الجدل حول عمل عُرض على المسرح أكثر من 7 مرات تقريبا“، مشيرا إلى أن ”هذه ليست المرة الأولى التي تحول فيها هذه القصة إلى عمل فني، ولكن هذه المرة الأولى التي يتم تحويل هذه القصة إلى فيلم سينمائي“.
فيلم "أهل الكهف" قد يكون مؤشرا لعودة الأعمال الدينية في مصر، سواء في الدراما التلفزيونية أو السينما
وأكد أن ”السيناريو تمت مراجعته من قبل الأزهر، حيث ظل داخل أروقة الأزهر لمدة 6 شهور، وتمت إجازته من قِبله، ثم عرض على الرقابة على المصنفات الفنية، وتمت إجازته أيضا“.
وأشار المنتج المصري إلى أن الفيلم ”يعد الأضخم إنتاجيا خلال تاريخ السينما المصرية”.
ويرى نقاد أن الفيلم المصري قد يكون مؤشرا لعودة الأعمال الدينية في مصر، سواء في الدراما التلفزيونية أو السينما، التي اختفت من الواجهة لسنوات. وفي ما مضى كانت المسلسلات الدينية إحدى السمات المميزة لشهر رمضان. وفي العشر سنوات الأخيرة خلت خارطة الدراما من أي مسلسل ديني أو تاريخي مهم.
ورمضان الماضي عرض 30 مسلسلا على الفضائيات المصرية لم تكن بينها أي عمل درامي ديني.
وأرجع العاملون في الوسط الفني السبب إلى غياب الدولة بشكل كبير عن الإنتاج الدرامي وتوفير التمويل اللازم له لإعادة إنتاج الأعمال الدرامية التي لا يقبل عليها القطاع الخاص بسبب رغبته في الربح السريع على حساب الجودة والقيم.
كما أثر الاستقطاب السياسي الذي عاشته البلاد لسنوات بشكل مباشر على إنتاج الدراما الدينية، ما أفرغ الساحة للدراما التاريخية التركية إضافة إلى تراجع كلّ الأفكار الكبرى لحساب المشاريع الإقليمية والدولية المشبوهة.
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الشهر الماضي “إن المدارس والجامعات والمساجد والدراما والإعلام والأسرة أدوات ووسائل مهمة لبناء وعي الشباب المصري”، مشيرا إلى دور مسلسل “الاختيار” في تناول قضايا تحتاج إلى أشهر للحديث عنها.
وناقشت بعض المسلسلات الدرامية في رمضان الماضي مثل “الاختيار ”و”هجمة مرتدة” و”القاهرة – كابول” قضايا تتعلق بجرائم جماعة الإخوان والإرهاب والمؤامرات الخارجية، ونجحت في تقديم صورة قريبة للرأي العام وتحقيق الاصطفاف الوطني.

صراع حاد مع الزمن
في سياق آخر، يؤكد نقاد على ضرورة استثمار الدارما التاريخية لتجديد الخطاب الديني. وأكد المؤلف بشير الديك أن تجديد الخطاب الديني في الدراما هو أمر ضروري لمواجهة التشدد الديني، أيا كانت أسبابه التي انتشرت في فترة ما لأهداف سياسية أو اجتماعية. وأكمل “الحل عودة القوى الناعمة لبريقها وتوجيهها للحفاظ على الدين الصحيح والنسيج الاجتماعي.. والقضاء على الخطاب المتشدد من خلال تقديم فن راق”.
وواصلت تركيا منذ نحو أقل من عقدين من الزمن الترويج لما بات يُعرف اليوم بـ”العثمانية الجديدة” من خلال الدراما، وهي سياسة ينتهجها أيضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الساعي لإعادة سيطرة بلاده على الدول التي سبق لها وأن خضعت لنفوذ “الدولة العثمانية”.
وخصصت أنقرة منذ وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم في العام 2002، عدّة محطات تلفزيونية لعرض مسلسلات وأفلام تعكس رغبتها في نشر أيديولوجيا “عثمانية” في العالمين العربي والإسلامي. وتخضع تلك المسلسلات والأفلام للرقابة من قبل “هيئة الرقابة الإعلامية التركية” و”المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون”، وتهدف في الوقت ذاته إلى الترويج للسياحة في تركيا.
ويذكر أن المسلسل التاريخي “ممالك النار” الذي عرض قبل عامين على قناة “إم.بي.سي” أثار هستيريا تركية.
ويتناول العمل ذروة الصراع العثماني المملوكي واحتلال مصر والشام على يد السلطان العثماني سليم الأول، وشنق طومان باي آخر سلاطين المماليك على باب زويلة، أحد أبواب “القاهرة القديمة” في العاصمة المصرية.
والمسلسل من إخراج البريطاني بيتر ويبر وشاركت فيه مجموعة من الفنانين العرب.
وقال مؤلف المسلسل محمد سليمان عبدالمالك في تصريحات إعلامية إنه حاول تقديم عمل خال من الأخطاء التاريخية، ووصف فترة حكم العثمانيين بأنها “مليئة بالمجازر التاريخية“.
وكان الرئيس التركي أردوغان، الذي أصبح يأخذ معه الممثلين في زياراته الخارجية، قال لدى زيارته لموقع تصوير مسلسل “قيامة أرطغرل” “علينا كأتراك أن نكتب حكايتنا نحن أولا”.
ولطالما طالب نقاد البلدان العربية بإعادة رسم خارطة قوتها الناعمة كذلك وإضاءة مراكز قوتها ونفوذها لقطع الطريق على قوة تسعى لإعادة أمجادها على حساب الأمة العربية.