من يتحمل إخراج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم

بغداد – حمّل أكاديميون عراقيون انهيار التعليم وتراجع التصنيف الدولي للجامعات العراقية إلى خطط وبرامج يغلب عليها الطابع الانقلابي الثأري في تغيير كل المناهج الدراسية، وتحويل الجامعات والمعاهد إلى قواعد حزبية وطائفية واستبعاد الكفاءات العلمية، فضلا عن الفساد الجاثم على قطاع التعليم.
واعتبر مؤشر دافوس لجودة التعليم أن العراق وﻟﻴﺒﻴﺎ والسودان ﻭﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ دول غير مصنفة في المؤشر لسوء النظام التعليمي فيها، إذ ﻻ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺑﺴﻂ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺍﻟﺠﻮﺩة في ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ.
وتعول دول العالم على الترتيب الذي يصدره ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺩﻩ منتدى دافوس بالاستناد على ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻨﺤﻮ 12 معيارا أساسيا ﺗﻀﻢ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺍﻻﺑﺘﻜﺎﺭ ﻭﺑﻴﺌﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ.
ورفضت وزارة التعليم العالي العراقية تحميلها وحدها مسؤولية خروج العراق من قائمة التصنيف العالمي للتربية والتعليم لعام 2021.
وذكر بيان رسمي للوزارة بأن “مؤشر دافوس يستند على معطيات وبيانات على المعلومات المستقاة من استطلاع الرأي والمسوحات التي تقوم بها منظمات غير حكومية”.
وأضاف أن حركة الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العراقية تسير ضمن إطار جودة التعليم العالمي كونها تنافس وتلتزم بمحددات التصنيفات العالمية التي تعد أبرز مؤشرات قياس الجودة الأكاديمية على الرغم من اختلاف المؤشرات العالمية المعتمدة وتباينها.
وأثار خروج العراق من التصنيف ردود فعل مستاءة بين النخب العلمية العراقية فضلا عن المنظمات والاتحادات، محملين الحكومات المتعاقبة مسؤولية هذا الانهيار.
وكانت وزارتا التربية والتعليم العالي من أوائل الوزارات التي تعرضت إلى الانهيار إثر خطط وبرامج وضعتها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يغلب عليها الطابع الانقلابي الثأري الذي انطلق من اعتبار كل المناهج الدراسية هي جزء من تراث حكم البعث الذي يجب أن يُزال بالكامل.
وتم نهب المخصصات المالية لبناء المدارس والمعاهد وصيانة الجامعات عبر عقود وهمية كانت تبنى فيها المدارس على الورق فقط.
وشاعت ظاهرة الشهادات المزوّرة الأمر الذي أضعف من ثقة المؤسسة بإمكانية أن تستعيد هيبتها ومكانتها على المستوى الاجتماعي.
وعبّر مصدر برلماني عراقي عن عدم تفاجئه بخروج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم، في وقت يتم الإعلان فيه عن تأسيس جامعة جديدة باسم جامعة الشهداء يشرف عليها الحشد الشعبي على غرار ما يفعله الحرس الثوري الإيراني، واصفا الأمر بـ”الضربة الأخيرة التي تدفع بالتعليم إلى هاوية
مؤكدة”.
وعزا الدكتور هاشم حسن التميمي العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة بغداد التراجع في التعليم إلى عدم استقلالية الوزارة والهيمنة على قرار الجامعات مع غياب الاستراتيجية والتدخل السافر من مجلس النواب والأحزاب في سياسات القبول واختيار القيادات العلمية في الجامعات والكليات بحسب نظام المحاصصة وعلى أسس الولاء وليس الأداء.
واتهم العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة بغداد ممثلية اليونسكو في العراق بممارسة دور مخادع وعدم إرسال تقارير واقعية عن تردي أوضاع الثقافة والتعليم.
وقال التيمي في تصريح لـ”العرب”، “انهار التعليم العالي بسبب التوسع غير المدروس والتخلي عن معايير الجودة في القبول واعتماد 18 قناة خاصة يقبل فيها الطالب في الدراسات العليا على أسس سياسية والتخلي عن الخبرة والكفاءة”.
واعتبر التميمي الذي قضى عقودا في حقل التعليم الجامعي أن سياسات الامتحانات ذات الأدوار المتعددة التي تسمح باجتياز المراحل الدراسية شكليا شكلت بداية الانهيار عندما تم التخلي عن شروط الامتحان التنافسي وأصبحت الأبحاث في أغلبها سطحية والمناقشات للأطاريح تخضع للصفقات والأمزجة، بعيدا عن الرصد والتقييم.
وتخرّج الجامعات العراقية سنويا جيوشا من طلبة الدراسات العليا دون حاجة المجتمع إلى شهاداتهم وعدم توفر البنية التحتية لدراساتهم فضلا عن كون شروط قبولهم لم تكن رصينة.
وانهار ما تبقى من جودة بسبب هيمنة مجلس النواب العراقي على القرارات التعليمية وتهميش عمل وزارة التعليم، وكان من أخطر الأسباب في خراب التعليم في العراق، حسب التميمي، قانون معادلة الشهادات والترقيات الذي كان بمثابة شرعنة للشهادات المزورة وتلبية لرغبات النواب والأحزاب بالحصول على شهادات عليا.
وقال الأكاديمي العراقي رحيم مزيد الكعبي “ليست هي المرة الأولى التي تُعلن فيها مؤسسات تعليمية دولية عن استثنائها العراق من تصنيفاتها السنوية، أصبح الأمر معتاداً وروتينياً، والقائمون على شؤون التعليم في العراق بمراحله المختلفة لا يملكون حلولاً ناجعة”.
وعبّر عن اعتقاده بأن الأمر أعقد بكثير من أن تتصدى له مؤسسات تعليمية هرمة ليست لديها استراتيجيات واضحة للتطوير ولا تأبه بتجويد مناهجها وطرائق التدريس فيها، فضلاً عن الارتقاء بمستوى مخرجاتها بما يتناسب ومتطلبات السوق والمجتمع.
وقال الكعبي في تصريح لـ”العرب”، “قد تبدو مشكلة التعليم في العراق، للوهلة الأولى، فنية تتعلق بتطوير أداء الملكات التدريسية وتحديث المناهج ووضع رؤى مستقبلية لمواكبة ما يشهده العالم من طفرات، وتوفير متطلبات دخول التصنيفات العالمية الرصينة، وتجويد البحوث ونشرها في مجلات علمية ضمن مستوعبات Scopus وإعادة النظر بشروط الترقيات العلمية التي منحت الصالح والطالح درجة بروفيسور، وغير ذلك الكثير، إلا أن الأمر في جوهره وحقيقته سياسي محظ، منه ما يتعلق بكيفية المحاصصة التي تُدار بها وزارات مثل التربية والتعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا مثلها مثل غيرها من وزارات الدولة العراقية التي لا تسمح بوصول الكفاءات الحقيقية إلى المواقع القيادية فيها، لمصلحة مرشحي الأحزاب الحاكمة بغض النظر عن كفاءتهم وأهليتهم لتولي المناصب القيادية من وزير ووكيل وزارة ورئيس
جامعة”.
وأشار إلى آفة الفساد التي نخرت المؤسسات التعليمية في العراق، وحوّلتها إلى مصادر لتمويل الأحزاب والشخصيات السياسية، من التغييرات الشكلية للمناهج بقصد إعادة طبعها كل عام بالملايين من الدولارات، إلى إصدار إجازات المدارس والجامعات الأهلية لقاء رشى يتقاضاها هذا المسؤول أو ذاك، إضافة إلى العشرات من الأمثلة والشواهد.