من مصلحة مصر والكويت إثارة أزمة تُشوّش على أزماتهما الحقيقية

حادثة الطلاب الكويتيين في الإسكندرية تعقّد حل مشكلة العمالة المصرية.
الثلاثاء 2023/01/10
شد وجذب وراء غموض وضع العمالة المصرية

القاهرة- عزا مراقبون مصريون التوتر الجديد مع الكويت، بسبب ما تقول الأخيرة إنه اعتداء على طلاب كويتيين في مدينة الإسكندرية، إلى أن البلدين لم يسعيا لتطويق مشكلة العمالة المصرية في الكويت والتوصل فيها إلى حل واضح، وكأن من مصلحتهما ترك الملف مفتوحا وإثارة المزيد من التشويش عليه.

واعتبر المراقبون أن ترك أزمة العمال المصريين في الكويت بلا تنسيق بين الحكومتين واستمرار الجدل حولها والحملات الإعلامية المتبادلة من شأنه أن يقود إلى تصعيد القضية لتصبح كأنها معركة كرامة تستوجب تحشيد الشعبين للانخراط فيها، وهي حالة قد يكون الهدف منها تخفيف الضغوط عن النظامين والتشويش على أزماتهما الحقيقية.

ونكأت مخلفات حادثة الطلاب الكويتيين جراحاً قديمة في ملف العمالة المصرية بالكويت، حيث أدت إلى تصعيد دبلوماسي وبرلماني ضد تصرف الأمن المصري إزاء الطلاب الذين تقول القاهرة إنهم كانوا يتشاجرون في أحد المراكز التجارية بالإسكندرية (شمال)، وهو ما من شأنه أن يهدد بوقف الجهود التي تقوم بها جهات سياسية وعمالية لاستئناف استقبال الأيدي العاملة المصرية وعودة الربط الإلكتروني بين البلدين.

رخا أحمد حسن: دخول البرلمان الكويتي على خط الأزمة غير منطقي
رخا أحمد حسن: دخول البرلمان الكويتي على خط الأزمة غير منطقي

وأعربت الخارجية الكويتية الأحد عن “استياء ورفض شديدين لما قام به بعض رجال الأمن المصريين بالاعتداء ضرباً على بعض الطلبة”، وطالبت بفتح تحقيق في الواقعة، واستجابت لحملات نواب برلمانيين ومواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأطلقت الشرطة المصرية سراح الطلاب بعد اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم وإثر تدخل القنصلية الكويتية في الإسكندرية عقب ساعات قليلة من إعلان القبض عليهم وإحالتهم إلى التحقيق، غير أن ذلك لم يُطفئ نيران أزمة قد تتخذ أبعادا أخرى.

وأحدث فيديو انتشر على نطاق واسع السبت الكثير من الجدل، وهو يوثق جزءا من الواقعة عبر مشاهد ظهر فيها اعتداء عناصر من الأمن المصري على طلبة كويتيين، وقد جاء بعنوان “اعتداء الشرطة المصرية على طلبة كويتيين عُزّل في الإسكندرية”.

وبدا كأن من نشر الفيديو مجتزئا وبهذه الصيغة يريد سكب المزيد من الزيت على النار، بعد أن تفجرت أزمة حادة بشأن العمالة المصرية في الكويت مؤخرا، أخذت حيزاً من الشد والجذب بين مواطني البلدين على المنصات الرقمية عقب صدور قرار من الداخلية الكويتية في ديسمبر الماضي يقضي بوقف إصدار أذونات للعمالة القادمة من مصر حتى إشعار آخر، ووقف العمل بمذكرة الربط الإلكتروني بين البلدين.

ولم تصدر عن الداخلية المصرية بيانات أو توضيحات حول أزمة الطلبة الكويتيين، لكنّ مصدرا أمنيا مصريا قال لـ”العرب” إن “المشاجرة وقعت فجر السبت بين طلاب كويتيين في أحد المراكز التجارية بالإسكندرية بسبب خلافات مادية، وتطورت إلى الاشتباك بالأيدي بينهم، ما دفع الأمن المدني (الحرس) داخل المركز إلى التدخل لفض الاشتباك، والتحفظ عليهم إلى حين استدعاء الشرطة، وهو ما وثقته الكاميرات”.

وأوضح المصدر أنه تم عرض المتهمين على إحدى نيابات محافظة الإسكندرية التي أمرت بإخلاء سبيلهم، مشيرا إلى أن الواقعة “تبرئ ذمة وزارة الداخلية المصرية من الاعتداء على الطلاب، وأن ما جاء في الفيديو الصغير لا يمكن الأخذ به لأن هناك تسجيلا كاملا للواقعة يوضح حالة الذعر التي تسبب فيها الطلاب الكويتيون، وكان يجب التعامل معهم بحزم من جانب أمن المركز التجاري إلى حين وصول الشرطة”.

ووفقًا لبيان الخارجية الكويتية، فإن نائب وزير الخارجية السفير منصور عياد العتيبي تواصل مع السفير المصري في الكويت أسامة شلتوت “للوقوف على الإجراءات التي قامت بها السلطات المصرية حيال اعتداء بعض رجال الأمن على بعض الطلبة”.

وطالب العتيبي “بسرعة قيام السلطات المصرية المعنية، وبما يكفل حقوق الطلبة، باتخاذ الإجراءات الرسمية والقانونية والتحقيق في واقعة الاعتداء ومحاسبة مرتكبيه”.

ويسهم هذا التصعيد في احتداد أزمة العمالة، ففي حال عدم استجابة القاهرة للمطالب الكويتية قد يتبع ذلك رد فعل آخر، مع إعلان عدد من النواب في مجلس الأمة الكويتي نيتهم إثارة المشكلة في البرلمان.

ومن المتوقع أن تخضع المشكلة لتوظيف سياسي من جانب نواب محسوبين على تنظيم الإخوان في الكويت.

وتعهد النائب الكويتي حمد محمد المطر بطرح الموضوع في الجلسة النيابية المقبلة، مطالبا وزارة الخارجية بإدانة ما وصفه بالتصرف “غير المهني” من السلطات الأمنية المصرية واستدعاء سفير مصر في الكويت.

◙ الحكومة الكويتية حددت شروطاً على العمالة المصرية الراغبة في السفر بعد وقف العمل بمذكرة الربط الإلكتروني بين البلدين مؤخرا

ويعيد سلوك الجانب الكويتي التذكير بمواقف مصرية تعاملت بحكمة سابقا مع حالات اعتداء وقعت على أفراد من الجالية المصرية، وعملت القاهرة على أن يحصل الوافدون على حقوقهم القانونية دون تصعيد يؤدي إلى توتير الأجواء السياسية.

وأصبحت وزارتا الخارجية والهجرة بمصر في موقف حرج أمام ضغوط شعبية تطالب بالتصعيد حال حدوث اعتداء جديد على مواطنين مصريين في الكويت، وهو ما يُفسر الصمت الرسمي الحالي الذي يستهدف حل مشكلة الطلبة الكويتيين في إطارها القانوني دون المزيد من المواقف الدبلوماسية في ظل الأجواء المشحونة.

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إن “الأصل في المشكلة يتمثل في الإخلال بالأمن العام من قبل الطلاب الكويتيين ما تطلب تدخلاً لمنع المظاهر الخارجة عن الآداب العامة، وتصعيد الأمور على هذا النحو يشير إلى وجود تصيّد ضد الأجهزة المصرية، وحل المشكلة يجب ألا يؤثر على العلاقات الوطيدة بين البلدين”.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن دخول البرلمان الكويتي على خط الأزمة غير منطقي، والرد المصري في هذه الحالة سيتمثل في “أن ما بُني على خطأ لا بد أن يتم التعامل معه بالوسائل التي تضمن عدم تكراره أو تماديه بما يشكل تهديدا للآخرين”.

◙ منصور عياد العتيبي طالب بسرعة قيام السلطات المصرية المعنية بالتحقيق في واقعة الاعتداء ومحاسبة مرتكبيه
◙ منصور عياد العتيبي طالب بسرعة قيام السلطات المصرية المعنية بالتحقيق في واقعة الاعتداء ومحاسبة مرتكبيه

وشدد على أن مثل هذه الوقائع تأتي في وقت تعاني فيه مصر أوضاعا اقتصادية صعبة، ما يدفع الكثير من الشباب إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، والكويت إحدى الوجهات المهمة لهم نظرا إلى وجود جالية مصرية كبيرة هناك، ما يؤثر سلبا عليهم، لافتًا إلى أن القاهرة لا تعترض على أي قرارات كويتية خاصة بترحيل العمالة لأسباب قانونية، وتبحث دوما عن أدوات لتذليل العقبات أمام العمالة المصرية في الكويت.

ويتأثر العمال المصريون بما تتم إثارته بين الحين والآخر من مشكلات تتعلق بأوضاعهم أو بما يثيره نواب في مجلس الأمة ضدهم، في حين تبذل وزارة القوى العاملة المصرية جهودا للحفاظ على أكبر قدر من المصريين هناك وإن جرى إسكات البعض بأعمال لدى هيئات خاصة بديلة عن الهيئات الحكومية التي تطبق سياسة التكويت.

وتشير إحصاءات كويتية إلى أن العمالة المصرية تراجعت لأول مرة لتصبح في المرتبة الثانية خلفًا للعمالة الهندية التي تصدرت مؤشر توزيع العمالة وفقًا للجنسية، وبلغت نحو 24.1 في المئة من العمالة في السوق الكويتية بواقع 476.3 ألف عامل وعاملة في نهاية سبتمبر الماضي، بينما استحوذت العمالة المصرية على 23.6 في المئة وبلغ عددها رسميا نحو 467.07 ألف عامل وعاملة.

وحددت الحكومة الكويتية شروطاً على العمالة المصرية الراغبة في السفر بعد وقف العمل بمذكرة الربط الإلكتروني بين البلدين مؤخرا، من بينها تحصيل رسم بقيمة 100 دولار كأصل لقسيمة إيداع نقدي، وأصل الكشف الطبي الساري المفعول والصادر من خلال التسجيل على المنصة الخليجية الموحدة لفحص العمالة الراغبة في السفر إلى دول المجلس والمعتمدة من مراكز طبية معينة.

1