من مصر إلى الشام

إذا ما كان الضباب قد التصق ذهنيا بلندن من غير أن يكون له وجود واقعي فإن القاهرة حظيت بواحد من أكثر الألقاب إثارة هو أمّ الدنيا.
الخميس 2022/11/17
مدينة النور تضيئ ظلمة الليل

منذ أكثر من سبع سنوات وأنا أقيم في لندن وهي مدينة الضباب. غير أنني لم أر الضباب.

سقط الثلج مرة واحدة وكان أشبه بالزخة الخفيفة. الأمطار كثيرة والطقس متقلب. في يوم واحد يمكن أن تحضر كل الفصول وقد تتداخل غير أن الضباب ظل هو الغائب الحاضر دائما. غائب عن الواقع حاضر في الخيال.

كان الكثيرون يتوهمون أن عبدالحليم حافظ الذي أحب لندن كان قد غنى “ضي القناديل” مستلهما ضباب المدينة التي غادرها إلى الموت. فهو يقول فيها “يا شارع الضباب مشيتك أنا مرة بالعذاب ومرة بالهنا” ولكن القناديل في هذه الأغنية بالذات تُحيل إلى باريس التي سميت بمدينة النور ولا تزال تُسمّى كذلك بالرغم من أن منهاتن وطوكيو وشنغهاي ودبي تفوقها اليوم إنارة غير أن باريس سبقت مدن العالم بإضاءة شوارعها.

البعض يقول إنّها سميت كذلك لأن مبادئ الإخاء والعدالة والمساواة والحرية المعاصرة انطلقت منها. يقول عمرو دياب ما يؤكد ذلك. “يا مكسر كل المقاييس/مين زيك طب كده بباريس”. عام 1964 ظهر فيلم بعنوان “بدوية في باريس” وهو من بطولة سميرة توفيق ورشدي أباظة وعبدالسلام النابلسي. وكم كنت أتمنى لو أن سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني قد صورت السنوات الأخيرة من حياتها التي قضتها في لندن من خلال فيلم وثائقي. لربما شكل ذلك سببا لعدم وصولها إلى نهايتها الحزينة.

وما من مدينة عربية حضرت في الأغاني مثل بيروت التي اعتبرها نزار قباني “ست الدنيا” فيما كانت بالنسبة إلى محمود درويش “الخيمة الأخيرة”. “ألو ألو بيروت/من فضلك يا عينيي/أعطيني بيروت/ وعجل بالخط شويي” كانت صباح من خلال أغنيتها تلك أشبه بمرشدة سياحية تقوم بجولة بين أحياء المدينة التي غنت لها فيروز “لبيروت/من قلبي سلام لبيروت/وقبل للبحر والبيوت/ لصخرة كأنها وجه بحار قديم” ويُقال نإ معنى كلمة بيروت في اللغات القديمة هو شجرة الصنوبر أو شجرة السرو.

ومثلها مثل مدينة الضباب ومدينة النور حظيت بيروت بألقاب عديدة، قديمة وحديثة. ما هو حديث منها “زهرة الشرق” و”مفتاح الشرق” وكانت “الدرة الغالية” بالنسبة إلى العثمانيين وهو لقب لم يمنعهم من جر أبنائها سخرة في حروبهم. وبيروت هي أيضا باريس الشرق. لقب تنافسه عليها مدينة غير متوقعة هي العاصمة الرومانية “بوخارست” التي تُسمى “باريس الصغيرة”.

وإذا ما كان الضباب قد التصق ذهنيا بلندن من غير أن يكون له وجود واقعي فإن القاهرة حظيت بواحد من أكثر الألقاب إثارة هو أمّ الدنيا. يكفي أن المصريين يسمونها مصر مثلما يفعل السوريون حين يطلقون على دمشق “الشام”.

20