من قتل المطربة؟

سعت تونس إلى تكريم مطربتها الراحلة ذكرى محمد من خلال الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الأغنية وبمشاركة نخبة من الفنانين التونسيين والعرب، وذلك بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل صاحبة “الأسامي” وتذكيرا بمشاركتها في الدورة الأولى للتظاهرة في العام 1987، وقد كانت آنذاك في بداية مشوارها الفني مع عدد من نجوم الثمانينات الذين أثروا المشهد الغنائي المحلي قبل أن يتراجع كثيرا إلى الوراء بسبب غياب آليات الإنتاج والصناعة والترويج.
وكما هو معلوم، فإن ذكرى توفيت في 28 نوفمبر 2003 عن عمر لم يتجاوز السابعة والثلاثين، ورغم البلاغات الرسمية الأمنية والقضائية التي حددت دوافع مقتلها وظروفه من قبل زوجها رجل الأعمال أيمن السويدي في منزلها بالقاهرة، إلا أن البعض لا يزال يركض خلف رياح الإثارة بالتساؤل بين الحين والآخر عمّن قتلها، فيما ركب بعض الصائدين في المياه العكرة موجة الخلافات السياسية العربية – العربية، وعادوا إلى أرشيف المطربة الراحلة لاستحضار أغنية سجلتها في ليبيا في بداية تسعينات القرن الماضي زاعمين أنها كانت وراء تصفيتها من قبل طرف سعودي، وللأسف فإن تلك الإشاعة البغيضة وجدت من يصدّقها، وحتى من يناقشها على أمواج الإذاعات وشاشات التلفزيون ومواقع الإنترنت.
ومن يطّلع على التجربة القصيرة والثرية والمتنوعة لذكرى، يدرك أنها كانت من أكثر الفنانات العربيات حظوة لدى نخب المملكة وجمهورها، وغنت من كلمات عدد من الأمراء من بينهم عبدالله الفيصل وبدر بن عبدالمحسن وتركي بن عبدالرحمن وسعود بن محمد الفيصل، وكانت واحدة من أبرز نجمات شركة “روتانا” التي يملكها الأمير وليد بن طلال، وسجلت أغاني مشتركة مع أهم المطربين السعوديين على الإطلاق وهم طلال مداح وأبوبكر سالم ومحمد عبده.
ولمن ينسى أو يتناسى فإن صاحب كلمات الأغنية الليبية التي أدتها ذكرى ضد المملكة، هو علي الكيلاني الذي كان ضمن الوفد الرسمي الذي رافق العقيد الراحل معمر القذافي إلى الرياض في أكتوبر 2000 وتم تقديمه للعاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز الذي ابتسم قائلا “هذا هو الشاعر الذي اعتاد على هجائنا”، لاسيما أنه ألّف ولحّن وأنتج العشرات من الأغاني في ذات الاتجاه، ومنها “الله أكبر” التي سجلها الفنان التونسي لطفي بوشناق دعما للعراق بعد غزوه الكويت في صيف 1990 وكانت تحمل الكثير من الشعارات المعادية للمملكة، ونالت انتشارا أوسع بكثير من أغنية ذكرى، ولكن السعوديين لم يتخذوا موقفا من بوشناق، وإنما دعوه في مناسبات عدة للغناء في بلادهم، وآخرها مهرجان الغناء بالفصحى في أكتوبر الماضي.
يمكن للخلفيات السياسية أن تدفع نحو ابتكار أكذوبة أو نشر إشاعة من قبل شخص أو مؤسسة، كإشاعة وقوف السعودية وراء مقتل ذكرى، ولكن على أصحاب العقل والرأي والتحليل السليم أن يتعاملوا مع الأكذوبة على أنها أكذوبة ومع الإشاعة على أنها إشاعة طالما ليس لها ما يؤيدها على أرض الواقع وفي تحقيقات الأمن والقضاء، كما في حالة الفنانة التونسية التي تبين أن زوجها هو الذي قتلها من باب الغيرة المفرطة، وتحت ضغط نفسي نتيجة ظروف خاصة كانت تحيط به وتسيطر على حركاته وسكناته.