من قال إن تونس صغيرة

من بين العبارات المستفزة التي يتم تداولها يوميا في وسائل الإعلام المحلية أن تونس بلد صغير، وقد استمعت منذ أيام إلى زعيم سياسي تونسي وهو يتحدث عن بلده الصغير، في إشارة إلى المساحة طبعا، بينما كل المؤشرات تؤكد أن تونس ليست بلدا صغيرا، وأنها متوسطة المساحة وتحتل المركز 91 على مستوى العالم من بين 195 دولة أكبرها روسيا بأكثر من 17 مليون كم²، وأصغرها الفاتيكان بـ0.49 كم² .
ويبدو أن فكرة تونس الصغيرة جاء من باب المقارنة بجارتيها الجزائر (2283000 كم²) وليبيا (1760000 كم²) ، حتى أن هناك من التونسيين من اعتاد الحديث عن الجارة الكبرى تعليقا على تباين الحجم الجغرافي دون أن يدرك أن ذلك قد يتحول إلى نوع من استصغار دور بلاده التاريخي والحضاري والثقافي والاجتماعي والذي طالما كان دورا محوريا من الناحيتين السياسية والإستراتيجية .
وبالمقاييس المعتمدة، فإن تونس التي تبلغ مساحتها 163610 كم² تفوق بالكثير المتوسط العالمي البالغ 86600 كم²، وهو ما يعطيها ثراء طبيعيا وتنوعا في التضاريس وفضاء واسعا من التشكلات البيئية من الجبال إلى السهول ومن الروابي إلى الصحارى ومن الخلجان إلى الجزر، مع شريط ساحل يبلغ طوله 1300 كلم. وإذا كان عدد سكان تونس في حدود 12 مليون نسمة، فإنها تتجاوز في مساحتها دولة بنغلاديش التي تبلغ حوالي 148 ألف كلم مربع، ويتجاوز عدد سكانها 164 مليون نسمة .
كما أن مساحة تونس أكبر بكثير من مساحات دول مثل اليونان (131957 كم²) وكوريا الشمالية (120538 كم²) وبلغاريا (110978 كم²) وكوبا (109884 كم²) وكوريا الجنوبية (100432 كم²) والبرتغال (92225 كم²) والنمسا (83871 كم²). وهناك دول صناعية متقدمة، لا تصل مساحتها إلى ثلث أو ربع مساحة تونس، ومن بينها الدنمارك (42947 كم²) وهولندا (41865 كم²) وسويسرا(41277 كم²) وبلجيكا (30528 كم²).
وعموما فإن الدول لا تقاس بأحجامها الجغرافية، وإنما بقدرات شعوبها وفاعلية نخبها وبإمكانيات الاقتصادية والتكنولوجية وبحيويتها الاجتماعية والثقافية، وبما تحتفظ به من رصيد تاريخي وحضاري، ومن دور إيجابي في خدمة الإنسانية وفي اعتماد قيم المحبة والحرية والسلام ونشرها بين أبنائها وعلى مستوى العالم، وبقدرتها على مواكبة العصر ورفع التحديات وكسب الرهانات والانطلاق بثقة الفكر والعمل نحو الغد .
تونس ليست بلدا صغيرا كما يراد لها أن تكون، وإنما هي كبيرة بتاريخها العريق وأمجادها الخالدة وبحاضرها الذي تحاول أن تجعل منه منطلقا لمستقبل أفضل وأكمل وأجمل.