"من غير الممكن البقاء".. رواية مسرحية للاحتلال الروسي لخيرسون

الممثلون يتطرقون إلى ما عانوه للفرار من خيرسون، إذ مروا عبر نقاط تفتيش عدة مع خطر تعرضهم لإطلاق النار.
السبت 2023/08/12
صرخة تنوب عن كل المسرحيين الأوكرانيين

كييف - بينما أحدث الغزو الروسي لأوكرانيا الذي انطلق منذ نحو عام ونصف العام قيودا على الفن والثقافة الروسية في الخارج مما دفع موسكو لتكثيف النشاطات والفعاليات في الداخل، كانت له لمسة واضحة في توجيه الأعمال السينمائية والمسرحية الأوكرانية، نحو نقل الواقع وسرد أحداث من الحرب وتأثيرها على أبرز المدن ومنها خيرسون التي لا تزال تحت القصف الروسي.

تروي مجموعة رجال ونساء يرتدون قمصانا سوداء وسراويل جينز ويجلسون على كراسٍ في مسرح بسيط، تفاصيل عن التحوّلات التي طالت حياتهم تحت الاحتلال الروسي في مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا. ويتحدّث ممثلو مسرح ميكولا كوليش الموسيقي والدرامي في هذه المدينة عمّا مروا به، في عرض بعنوان "من (غير) الممكن البقاء" يُعرض في كييف ومختلف أنحاء أوكرانيا.

ويقول المخرج المسرحي أولكسندر كنيغا "نحمد الله لأنّ عددا كبيرا من الأوكرانيين والمدن الأوكرانية لم يشهد ما واجهناه، لكنّنا نرغب في رواية تجاربنا لهم". وعلى شاشة كبيرة خلف الممثلين، يُعرَض شريط فيديو يُظهر شاحنات عسكرية روسية تدخل خيرسون، فيما يتصاعد دخان أسود في السماء ويرفع جنود روس علم بلدهم.

مجموعة رجال ونساء يروون تفاصيل عن التحولات التي طالت حياتهم تحت الاحتلال الروسي في مدينة خيرسون
◙ مجموعة رجال ونساء يروون تفاصيل عن التحولات التي طالت حياتهم تحت الاحتلال الروسي في مدينة خيرسون

وعام 2022، عاشت خيرسون ثمانية أشهر تحت الاحتلال الروسي. وخلال هذه الفترة، نظّم السكان مسيرات ضدّ الاحتلال، فيما كانوا يواجهون خطر التعرّض لطلقات نارية من الجنود الروس. وتُستَهدف المنطقة التي تمكّنت أوكرانيا من استعادة السيطرة عليها، باستمرار من قصف روسي، فيما أُرجئ مشروع تقديم عرض ختامي من "من (غير) الممكن البقاء" على مسرح المدينة.

ومع أنّ المسرح لا يزال مفتوحاً ويوفّر دروسا مسرحية للأطفال، بات ممثلوه منتشرين في أوكرانيا وخارجها. ويشير أولكسندر إلى أنّ الوضع "معقد جداً"، موضحاً أن المسرح، وعند نهاية كل عرض، يعلن عن حسابه المصرفي للجمهور حتى يجمع التبرّعات.

وفي عرض "من (غير) الممكن البقاء”، يروي الممثلون تفاصيل عن مشاركتهم في مسيرات ضد الروس في الساحة الرئيسية للمدينة، وعن الذعر الذي كانوا يشعرون به عندما يطلق الجنود الروس النار. ويقول الممثل سيرغي ميخايلوفسكي قبيل أحد العروض في كييف إن "الكلمات عاجزة عن التعبير عمّا عشناه في منطقتنا". ويبدي رغبةً في أن يتمكّن الأوكرانيون المقيمون في مناطق أقل تأثراً بالنزاع من "فهم أنّ الحرب لا تزال دائرة، حتى لا ينساها أحد".

ومن بين الممثلين جميعهم، ميخايلوفسكي هو الشخص الذي أمضى أطول فترة تحت الاحتلال والمتمثلة بـ 214 يوماً. وخلال العرض، يطلق الممثلون الشعارات نفسها التي استُخدمت ضد الروس خلال المظاهرات، وبينها "عودوا إلى بلدكم ما دمتم على قيد الحياة!"، "خيرسون أوكرانية!". وتؤكد ريما كيرسانوفا، إحدى الممثلات في العرض، أنّ "جميع سكان خيرسون شعروا أنّ عدم المشاركة في المظاهرات خطوة غير ممكنة".

ويقول ميخايلوفسكي "كان الأمر سرياليا"، مضيفا "حاول بضعة آلاف من سكان خيرسون الموجودين في الساحة الرئيسية طرد الفاشيين المعاصرين". وشهدت الأحداث تصاعدا في مارس 2022 عندما بدأت القوات الروسية تطلق النار وتلقي قنابل صوتية لتفريق المتظاهرين. وفي مقطع فيديو بُثّ خلال العرض، يظهر أحد المشاركين في التحركات مصاباً وساقاه تنزف.

◙ ممثلو مسرح ميكولا كوليش الموسيقي والدرامي يتحدّثون عمّا مروا به في عرض بعنوان "من (غير) الممكن البقاء" يُعرض في كييف ومختلف أنحاء أوكرانيا

ويقول الممثل روسلان فيشنيفيتسكي إنه التزم البقاء في المنزل لأن "المشاركة في التحركات باتت خطرة على حياتنا". وفي العرض، يتطرّق الممثلون إلى ما عانوه للفرار من خيرسون، إذ مروّا عبر نقاط تفتيش عدة مع خطر تعرّضهم لإطلاق نار. وقرر روسلان فيتشنيفيتسكي وعائلته مغادرة المنطقة في سبتمبر 2022، عقب إعلان موسكو عن إجرائها استفتاء لضم منطقة خيرسون إلى روسيا.

وممّا واجهه الممثل، تصويب جندي روسي مسدسه نحو رأسه، وقول مقاتل مخمور من منطقة دونيتسك الانفصالية الموالية لروسيا له إنّ "كل شيء مسموح هنا: إنها فوضى". ويتحدّث وشريكة حياته الممثلة يفغينيا كيرسانوفا عن محاولاتهما الأربع الفاشلة للفرار. وعند إحدى نقاط التفتيش، كانت الأمور تسير كما يجب حتى أقدم أحد الجنود على معاينة هاتفيهما ليجد صورة لهما في مسيرة احتجاجية، حاملين لافتة تظهر عليها عبارة “خيرسون أوكرانية".

وتقول الممثلة على المسرح “لم أكن خائفة مما كانوا سيفعلونه بنا، كنت خائفة فقط على طفلنا”، مضيفةً “لم أبكِ بل كنت فقط مرعوبة". وعرض عليهما الجندي، وهو من الانفصاليين الأوكرانيين، العودة إلى خيرسون مع الإفلات التام من العقاب، لقاء رشوة قدرها ثلاثة آلاف هريفنيا (نحو 82 دولارا) لكل منهما. فقالت كيرسانوفا التي كانت تجلس في المقعد الخلفي بصوت منخفض "رائع!"، فيما شعر شريك حياتها بالعجز والإذلال، وقال "هؤلاء الأوغاد يمسحون أقدامهم عليكم".

وتمكّنا أخيرا من مغادرة المدينة بعد محاولة خامسة أجرياها بعد أكثر من شهرين من الاحتلال الروسي. ولاقى عرض "من (غير) الممكن البقاء" تصفيقا حارا من الجمهور. وعلى غرار بقية الحاضرين، ذرفت ناتاليا، وهي شابة من سكان كييف، الدموع تأثرا. وقالت إنّ "العرض مذهل، ومن الجيّد أن يظهر الأشخاص استعداداً للتحدّث عمّا مروا به"، مضيفةً "من الصعب تصديق أن كل ذلك حدث بالفعل".

13