من سبها إلى بنغازي وصولا إلى درنة: حكومة الاستقرار الليبية تفتقد للاستقرار

درنة (ليبيا) - عقد رئيس حكومة "الاستقرار الوطني" الليبية فتحي باشاغا الثلاثاء اجتماعا لحكومته في مدينة درنة شمال شرق البلاد في خطوة لا تكرس فقط حقيقة أن حكومته باتت موازية بل أيضا عدم استقرارها حيث لم يستقر على الاجتماع في مدينة واحدة.
وكان أول اجتماع عقده باشاغا في مدينة سبها عاصمة إقليم فزان (الجنوب) في الثاني والعشرين من أبريل الماضي وذلك بعد فشل حكومة الاستقرار التي يرأسها في دخول العاصمة طرابلس لمباشرة مهامها من هناك بعد رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة بشكل سلمي.
ودعا باشاغا خلال مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماع مجلس الوزراء إلى إجراء حوار وطني شامل في إطار المصالحة الوطنية يستهدف كل القوى السياسية والمجتمعية والعسكرية الراغبة في تأسيس حياة مدنية راسخة.
وقال باشاغا إن "الحكومة المكلفة تطلق تلك المبادرة لتوسيع رقعة التواصل والمشاركة مع الجميع، ورغبة في أن ينعكس ذلك على توحيد الجهود، والاستعداد لمرحلة البناء والإعمار، في ظل اعتبار اقتتال الأخوة خطا أحمر لا يمكن المساس به".

ويرى مراقبون أن الاجتماعات والتحركات التي يقوم بها باشاغا لن تكون لها أي قيمة في ظل عدم دخوله طرابلس التي تضم مؤسسات حيوية على غرار البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
وقال المحلل السياسي كمال المرعاش إن "حكومة باشاغا تحاول في الواقع تأكيد وجودها من خلال الاجتماعات التي تعقدها في مختلف المدن الليبية، ولكن تبقى هذه الاجتماعات شكلية وغير ذات جدوى دون تسلم الحكومة مهام السلطة وممارساتها من خلال مؤسسات الدولة المتواجدة في العاصمة طرابلس والمغتصبة من حكومة الدبيبة فاقدة الشرعية".
وتابع المرعاش في تصريح لـ"العرب" أن "كل هذه الاجتماعات والتحركات تبقى دون معنى حقيقي قبل الدخول إلى طرابلس وإخضاع مؤسسات الدولة السيادية لسيطرتها مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والهيئات الحكومية الأخرى التي ما زال يسيطر عليها الدبيبة".
وأجرى باشاغا منذ تزكية حكومته من قبل البرلمان في مارس الماضي سلسلة من التحركات والزيارات في شرق وجنوب البلاد وهي مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، حيث أجرى في وقت سابق جولة في مدينة بنغازي وعقد أول اجتماع للحكومة في سبها.
كما قام بزيارة إلى مدينة سرت التي تربط شرق البلاد بغربه، وأدى زيارة أخرى إلى منطقة الهلال النفطي التي تشهد احتجاجات تعطل إنتاج النفط، حيث يطالب المحتجون بتسليم السلطة إلى حكومة الاستقرار الوطني.
ودعا باشاغا الثلاثاء إلى حوار وطني يشمل أيضا القوى العسكرية في إشارة على ما يبدو إلى الميليشيات التي تسيطر على غرب البلاد، وذلك بعد مساع بذلها لاستمالة تلك الميليشيات حتى يتمكن من دخول طرابلس.
وتقدمت مجموعات مسلحة موالية لباشاغا أكثر من مرة نحو العاصمة طرابلس منذ مصادقة البرلمان على حكومته مطلع مارس الماضي، لتتراجع في ما بعد تحت ضغوط غربية وخاصة الضغوط التي مارسها السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند لمنع اندلاع صراع مسلح على السلطة من جديد.
ومنذ تعيينه على رأس الحكومة الجديدة لم يتوقف باشاغا عن التوعد بدخول العاصمة مع التأكيد على أن دخوله سيكون سلميا، وهو ما اعتبره مراقبون أمرا مستحيلا في ظل تمسك الدبيبة بالسلطة، فقد نجح في استمالة المجموعات المسلحة والمسؤولين المحليين في المنطقة الغربية إلى صفه.
الاجتماعات والتحركات التي يقوم بها باشاغا لن تكون لها أي قيمة في ظل عدم دخوله طرابلس التي تضم مؤسسات حيوية على غرار البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط
وقد يزيد استمرار الوضع الحالي من تعقيد مهمة حكومة الاستقرار مقارنة بالحكومة المؤقتة الموازية السابقة برئاسة عبدالله الثني التي استفادت من انقسام البنك المركزي، حيث عمد البنك المركزي - البيضاء إلى الاستدانة من البنوك لتوفير ميزانية للحكومة المؤقتة التي رفضت تسليم السلطة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج سنة 2016.
ويستبعد مراقبون أن يصرف محافظ البنك المركزي الصديق الكبير المعروف بعلاقاته الجيدة مع الدبيبة ميزانية لحكومة باشاغا، وسط مخاوف من أن يقود الانقسام السياسي إلى تقويض جهود توحيد البنك المركزي.
وكان علي الحبري نائب محافظ البنك المركزي (محافظ البنك المركزي فرع البيضاء سابقا) قال في مارس الماضي إن فرع بنك ليبيا المركزي بشرق البلاد "ملتزم بعملية التوحيد والعمل على إنجاحها"، مشددا على تطبيق الإجراءات العاجلة، وفي مقدمتها توفير السيولة النقدية، وفتح منظومة المقاصة المصرفية، ومعالجة أرصدة المصارف التجارية بمنظومة البنك في بنغازي، إلى جانب إجراءات الاعتمادات المستندية، استباقا لشهر رمضان.