"من أين يأتي الثلج" قصص أردنية تغوص في الأبعاد النفسية لشخصياتها

عمان- تغوص قصص “من أين يأتي الثلج” للكاتب الأردني طه درويش في الأبعاد النفسية لأبطالها، حتى يكاد القارئ يشعر أن الشخصيات القصصية التي يتتبع حركاتها وتقاطعات مصائرها من لحم ودم.
ويهتم الكاتب بأنماط الشخصيات وسماتها ودوافعها وانفعالاتها وأفكارها وقيمها واهتماماتها وتفاعلاتها واتزانها واضطرابها وغيره، ما جعل من قصصه مثالا للغوص في أعماق النفس البشرية واكتشاف بشكل خاص أسباب الأفكار العدمية والكآبة والآلام المخبأة في دواخل النفوس والمكتومة هناك.
يضم الكتاب، الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، إحدى عشرة قصة، إضافة إلى تقديم بقلم الناقد فاضل السعدوني يقول فيه إن طه درويش “مسكون بالموت إلى حد الألفة”، مستدلا على ذلك بالعناوين التي اختارها طه لقصص مجموعته.
ويضيف السعدوني عن لغة المجموعة: “لغة طه نادرة الوجود في أيام العسف اللغوي هذه، لغة منقاة، بسيطة، متدفقة، يجسم فيها طه ما هو هلامي وضبابي فيحيله إلى تمثال من الصلب بارز الملامح والتفاصيل.”
وتجسيدا لقول السعدوني فإن قصة “التابوت”، والذي يعني به الكاتب مصعد الشركة التي يعمل بها البطل، يقول طه درويش فيها، مخاطبا بطل قصته الذي يكاد يتماهى معه “تقف وحيدا أمام المصعد، هيكله صدئ، لونه كريه كالرماد، تضغط بعصبية زر الهبوط، تستدعي النعش من الطابق السادس، تنتظر ثوان كأنها الدهر، ترقب مشدوها السهم الأحمر الذي يشير إلى الأسفل. كالقيء، تنْدلق الأرقام الصماء منْ أحشاء البيْت البغيض: 5..، 4..، 3..، 2..، 1..، 0، ارتطام القاعدة بالأرضية يصدر حفيفا اعتادتْه أذناك.”
وفي قصة “نوم لذيذ” يصور طه درويش مشهدا شديد الواقعية رغم خياليته، في ذهنه، حاسما المعركة قبل أن تبدأ في لهجة ساخرة تضج بالمرارة، يقول درويش “العرق يغرقني. قميصي يلتصق بجسدي الضامر. أراني عاريا بشكل فضائحي. سنة بطولها من العذابات الممِضّة والوساطات الكريهة حتى تكرمت البلدية بمنحي ترخيصا لهذا الجحر. اعتقدت يومها كنزا منشودا أهدتنيه السماء. كل شيء تبخر بسرعة مذهلة، حتى الصحف اليومية ما عادت تنفد كسابق عهدها. أصبحت الأمور لا تطاق. الأسعار ترتفع بصورة جنونية. أظن الزبائن يتساءلون ساخرين: ما جدوى الكتب؟”
وفي قصة “الميت” نجد أنفسنا أمام ملحمة خيالية نكاد نصدقها لو لم تنته الملحمة والمجموعة بعد لم تنته، إذ يتصور الكاتب نفسه ميتا، وبناء على ذلك يحكي مشهد الموت من وجهة نظر البطل/ الذات حائزا اهتمام القارئ حتى نهاية القصة.
وأما قصة “أوراق نبيل عبد السلام” فهي قصة ذات طابع مميز، وكأنها رواية قصيرة مكتملة الأركان، يقول طه درويش على لسان بطل قصته نبيل عبد السلام “تحاصرني الآن كآبة غامضة، وحزن مبهم، وقلق ضبابي. أشعر أن رائحة الكآبة، وطعم الحزن، ولون القلق، كلها مجتمعة تنبثق هذه اللحظات من الكتب الجاثمة في روحي، من السرير المستلقي في أقصى الغرفة، من صوت المغني الحزين الذي يشتعل الآن نشيدا للحب، والوطن، والمطر، والأطفال، وعالم قادم أكثر عدلا وأمانا.”
وفي القصة المعنونة “مفتاح” يتقمص درويش شخصية بطله المحاط بالأوجاع، فيقول “أزحف، أزحف وأنا الفاقد قلبي، وأصابع كفي اليسرى، ويدي اليمنى، أزحف نحو الغرفة الأخرى. الجثة تسكنها منذ دهور، تنتظر الكفن الأبيض يحضنها، وأنا أحمل كفني أمنحه البائس وأقول له: تدثر يا بردان، فهذا الجسد المتناثر شلْوا، شلْوا، سيموت كما عاش: وحيدا عريانا. هذي الغرفة أيضا يحرسها سجان يحمل ساطورا أسطوريا يتلهى بسلْخ ذراعي شيخ عاجز.”
يذكر أن طه درويش يعمل مدرسا لمساقات “الكتابة” في قسم الصحافة والإعلام الرقمي بكلية الإعلام في جامعة البترا، حصل على درجة الماجستير في الإعلام والاتصال الجماهيري من جامعة “ليستر” في إنجلترا، سبق أن صدر له كتاب بعنوان “سيدة المدن”، كما نشر وينشر أعماله في عدد من الصحف والمجلات منْ بينها صحيفة “رأي اليوم” التي تصدر في لندن.