"من أجل نعم ومن أجل لا" عرض مسرحي يدعونا إلى الشك في أنفسنا

الثلاثاء 2014/04/08
العرض طرح لعلاقة الأنا بالآخر الصديق والعدو في آن

دمشق - لا داعي أحيانا للبهرجة البصرية في عرض مسرحي، يكفي وجود رؤية إخراجية متقنة، وقراءة دراماتولوجية مناسبة للنص، وأداء يرتقي إلى مستوى الخشبة، حتّى نجد أنفسنا أمام صيغة مسرحية متماسكة قادرة على جذب المتلقي و”أسره”.

التماسك في العرض تَمكّنَ منه كلّ من مجد فضة، المخرج، ووسيم الشرقي، الدراماتولوج، في عرض “من أجل نعم ومن أجل لا” عن نص للفرنسية ناتالي ساروت (1900 / 1999).

على خشبة استديو المعهد العالي للفنون المسرحية السوري يبدأ العرض بكل من مجد فضة وكامل نجمة، أمام طاولة بسيطة نرى فيها عبود (مجد فضة) الهامشي يلف السجائر إلى جانب صديقه سلام (كمال نجمة) المتعالي. يبدأ الحوار بينهما حول صداقتهما المتردية وسبب انقطاع العلاقة بينهما، حيث يرى عبود أن صديقه يأخذ منه موقف المتعالي ويجره إلى لعبته لتحويله إلى حيوان مخبري للدراسة، ليرى سلام لاحقا نفسه أيضا متورطا في لعبة عبود الذي يحاول تحويله إلى شخص هامشي، بعيد عن نمط السعادة الذي يسعى سلام إلى تحقيقه.

يحاول كلّ منهما أن يقطع علاقته مع الآخر، عبر الحصول على موافقة منـ(هم)، “هم” المسؤولون عن تحديد العلاقات في المجتمع والأطر التي تحكم أدوار الأفراد.

يتناول العرض العلاقة مع الآخر، وأي منهما أكثر تأثيرا وقدرة على فرض سطوته على الفرد، فهناك الأنا حرّ الاختيار الذي يحاول الخروج من قيود الآخر الذي فرض عليه تصنيفا وشكلا محددا من السلوك، إذ لا يهم الآخر وجود الأنا، بل عليه تصنيفه.

هذه كانت مشكلة عبود، فالموضوع لا يعبّر عنه بالكلمات، هو نسق متكامل من السلوك والألفاظ التي تفرض وسما معينا يحاول عبود الخروج منه، حتى أنه يستعين بجارته (لمى حكيم)، في محاولة لجعلها حكما على هذه المشكلة، كذلك كانت مشكلة سلام، الذي يبدأ بتفنيد عبود وتحليل الدور الاجتماعي الذي يحاول أن يلعبه، كل منهما يواجه مشكلة مع الآخر وهي مشكلة الاعتراف، أيهما أكثر صحّة؟ أيهما أكثر سعادة؟.

يتناهى المشاهد مع ما يحدث أمامه على الخشبة، إلى لحظة يشكك فيها في نفسه، وماهيته بصورة أدق، ليعيد ترتيب ما يحيط به، إذ يطرح العرض أسئلة وجودية عميقة تتعلق بتكوين الفرد وما فرض عليه وما يظن أنّه حر في اختياره.

يلوّح العرض بالعلاقة مع السلطة، بالإحالة لها عبر ضمير (هم)، فهم الذين يمتلكون شرعية إقرار العلاقات الاجتماعية والسلوك الواجب اتباعه من قبل كل شخص، وبموافقتهم تكسر هذه العلاقات وتفكك، لكن حتى تحطيم هذه الروابط يثير الشك، حيث يقف كل من عبدو وسلام في النهاية عاجزين أمام ما يجب عليهما فعله، مجرد تفادي عبدو لطلب -منهم- يقضي بإنهاء علاقته مع سلام جعل منه مطاردا ومبعدا، بل مهدّدا بالاعتقال.

الغائب هو ما يجعل العرض مميزا، فبداية الصراع تبدأ بالحديث عن الصمت، ووقفة بين كلمتين قالهما سلام مرة: “والله… برافو”، الصمت بين الكلمتين ونبرة المنطوق هي ما أثارت حفيظة عبدو ودعته لاتهام صديقه بالفوقية، كذلك المشكلة التي يحاول هذا الأخير أن يصفها والتي كانت سببا لقطيعته مع سلام وانهيار العلاقة بينهما، لا يمكن أن توصف بالكلمات فهي على حدّ تعبيره “لا شيء”.

16