منى الصبان رائدة سينمائية تتيح الفن السابع للجميع بأساليب مبتكرة

تعتبر الدكتورة منى الصبان رائدة سينمائية تُنير دروب الفن السابع بإبداعاتها وتفانيها، كونها ساهمت في إنتاج الثقافة السينمائية عبر تكريس حياتها لتعليم فنون الإخراج والمونتاج، مُلهمة أجيالًا من المبدعين بطموحها اللامحدود، إذ تُجسد نموذجًا للمرأة المصرية القادرة على تحطيم الحواجز.
تجمع الصبان بين الخبرة الأكاديمية والإبداع العملي، وتُشكل مسيرتها لوحة ملهمة من الإنجازات، فتترك إرثًا يترك مكانة السينما كفن يعبر عن الإنسانية ويروي قصصها بصدق.
معلمة ومبدعة

◄ مؤسسة أول موقع لتعليم السينما والتلفزيون عن بعد
احتفوا بتكريمها المستحق من الرئيس عبد الفتاح السيسي، فتلقت جائزة المثالية خلال شهر رمضان ضمن احتفالية تكريم المرأة المصرية، ويُبرز هذا التكريم دورها كشخصية مضيئة تُثري المشهد الثقافي، وعبّرت عن فرحتها ودهشتها بلحظة التكريم، لتُظهر تواضعها عندما تدعو الرئيس لزيارة أكاديمية الفنون، معربة عن شغفها بتعزيز التواصل بين صناع السينما وصناع القرار، وفق رؤيتها للسينما جسرا ثقافيا يربط عناصر المجتمع.
ويبرز دورها المحوري في صقل مواهب السينمائيين عبر تدريسها للمونتاج في المعهد العالي للسينما، إذ تنقل خبراتها العميقة إلى طلابها بأسلوب يُشعل شغفهم بالفن، وتُؤسس المدرسة العربية للسينما والتلفزيون عن بُعد، التي تُعد الأولى عربيًا في تقديم تعليم سينمائي عبر الإنترنت، وتقدم مناهج مبتكرة تُحلل الأفلام لقطة بلقطة، فتُمكن طلابها من فهم العملية الإبداعية، وتُتيح لهم فرصًا لتطوير مهاراتهم في بيئة تعليمية حديثة ومتاحة للجميع.
انطلقت كخريجة من الدفعة الثالثة لمعهد السينما، وكانت إحدى فتاتين فقط في دفعتها. شجعها خالها الدكتور أسعد نديم على الالتحاق بالمعهد، فدرست تحت إشراف المخرج الكبير صلاح أبوسيف، وتُشكل هذه الفترة نقطة تحول في حياتها، إذ ستكتسب خلالها أسس السينما من أساتذتها، لتتحول لاحقًا إلى مُعلمة ومبدعة تُعيد تشكيل المشهد السينمائي بإسهاماتها المبتكرة.
وظهرت تجربتها كمتدربة مع صلاح أبوسيف في أعمال بارزة مثل “الزوجة الثانية”، وتحولت هذه التجربة إلى درس حي لطلابها، مستخدمة السيناريو الأصلي للفيلم، الذي يحمل ملاحظات أبوسيف، لتوضح كيف يُبدع المخرج في تحويل النص إلى مشاهد بصرية مفعمة بالحياة، وتُظهر هذه الطريقة قدرتها على ربط النظرية بالتطبيق، وهذا يُحفز طلابها على استكشاف إمكاناتهم الإبداعية ويُقوي من فهمهم لفن السينما.
المدرسة العربية للسينما
تؤكد الصبان ريادتها في إدخال تقنية الفيديو إلى معهد السينما، متحدية المعارضة الأولية، وتطوّر خبرتها خلال عملها في لبنان، إذ تتولى رئاسة قسم المونتاج في التلفزيون اللبناني، فاكتست معرفة متقدمة بالتقنيات الحديثة، بعدها عادت إلى مصر لتُطبق هذه التقنية وتُدرّسها، مُمهدة الطريق لتحديث مناهج التعليم السينمائي، ومُسهمة في تطوير جيل جديد من المونتيرين المهرة.
ويعتبر تأسيسها للمدرسة العربية للسينما ثورة في تعليم السينما عبر الإنترنت، وابتكرت منهجًا تعليميًا يُركز على تحليل الأفلام بدقة، ويُتيح للطلاب من مختلف أنحاء العالم العربي فرصة تعلم السينما بسهولة وإبداع. وتحدد هذه المبادرة مكانة الدكتورة منى الصبان كرائدة تُعيد تعريف التعليم السينمائي، وتُرسخ إرثها كمُعلمة ومبدعة تُشكل مستقبل الفن السابع.
◄ أكاديمية ساهمت في تعزيز التواصل بين الدارسين والمختصين من خلال عرض أعمال الطلاب الناجحين وتمكين الشباب
واصلت منى الصبان العمل على تطوير المدرسة العربية، وأضافت ميزات جديدة مثل صفحة لنشر آراء الزوار والرد على استفساراتهم، وتضمنت المنصة أيضًا روابط لمواقع عربية وأجنبية متعلقة بالسينما، بالإضافة إلى أقسام مخصصة للأبحاث العلمية المحكمة. ساهمت في تعزيز التواصل بين الدارسين والمختصين من خلال عرض أعمال الطلاب الناجحين، وركزت على تمكين الشباب في المناطق النائية، لجعل المدرسة منصة شاملة لتعليم السينما في العالم العربي.
وساهمت منى الصبان في تخريج جيل من المبدعين في مجال السينما والتلفزيون، عندما استفاد الدارسون من المناهج المجانية لإنتاج أفلام وسيناريوهات، حيث وفرت المدرسة بيئة تعليمية مرنة، تتيح للمشتركين الدراسة وفقًا لسرعتهم الخاصة، وتضمنت المنصة أقسامًا تعليمية تفاعلية، مثل مشاهد سينمائية توضيحية، وهذا ساعد الطلاب على فهم التقنيات بشكل عمليّ ودعمت المدرسة أيضًا البحث الأكاديمي من خلال نشر الرسائل العلمية والدراسات المتخصصة.
وتعتبر المدرسة العربية لتعليم فنون السينما والتلفزيون التي أسستها الصبان أول منصة إلكترونية ناطقة بالعربية لتعليم السينما عن بُعد، وقدمت فكرة المدرسة في مؤتمر الرابطة العربية – الأميركية لأساتذة الإعلام في بيروت، ثم حصلت على دعم من صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، وافتتحت المدرسة رسميًا بحضور سوزان مبارك، ووفرت مناهج مجانية في السيناريو، الإخراج، التصوير، المونتاج، الصوت، الإنتاج، الديكور، والرسوم المتحركة، واستهدفت المدرسة الناطقين بالعربية في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على الشباب في القرى والمناطق النائية.
واعتمدت المدرسة على الوسائط المتعددة في تقديم المناهج، بما في ذلك الصور المتحركة، الصوت، النصوص المكتوبة، ورسومات الكمبيوتر، وتضمنت المنصة موارد إضافية مثل تاريخ السينما المصرية، قوائم الكتب المتخصصة، وروابط لمواقع سينمائية عالمية، وسمحت المدرسة للدارسين بدراسة المواد دون مدة زمنية محددة، مع إمكانية اجتياز امتحانات نظرية وعملية للحصول على شهادة، وقدمت خدمات إضافية مثل نشر الأبحاث العلمية، وتوفير معلومات عن المهرجانات، الأستوديوهات، والنقابات العربية. وأتاحت أيضًا منصة لعرض أفلام الدارسين الناجحين.

◄ تأسيس الصبان للمدرسة العربية للسينما ثورة في تعليم السينما عبر الإنترنت إذ ابتكرت منهجا تعليميا مختلفا
وتجاوز عدد الدارسين في المدرسة العربية لتعليم فنون السينما 15 ألف مشترك من دول مثل مصر، السعودية، سوريا، لبنان، المغرب، الولايات المتحدة، أستراليا، ودول أوروبية. واحتلت مصر المرتبة الأولى في عدد المشتركين، تلتها السعودية، بينما قدمت المدرسة شرحًا شاملًا لتاريخ السينما في 22 دولة عربية، مع معلومات عن برامج الكمبيوتر المستخدمة في الإنتاج السينمائي. وتضمنت المنصة قوائم بالكتب العربية والمترجمة عن السينما والتلفزيون منذ عام 1923، بالإضافة إلى شروط الالتحاق بمعاهد السينما في مصر ولبنان.
تأثير دولي
أثرت منى الصبان في المشهد الثقافي العربي من خلال دمج التكنولوجيا في تعليم السينما. واستفادت المدرسة من الإنترنت للوصول إلى جمهور واسع، جعلها نموذجًا للتعليم المفتوح، وركزت على جعل المعلومات متاحة للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الخلفية الاجتماعية، وقدمت رؤية تعليمية تهدف إلى تعزيز الإبداع والمهارة التقنية لدى الشباب العربي، وحافظت على التزامها بتقديم محتوى تعليمي عالي الجودة.
وتُمثل منى الصبان إحدى الشخصيات البارزة في مجال السينما والتعليم الأكاديمي في مصر والعالم العربي، وتخرجت من المعهد العالي للسينما بتخصص المونتاج، وبدأت مسيرتها المهنية بالعمل في التلفزيون اللبناني كرئيسة لقسم المونتاج السينمائي وعملت كأستاذة في المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون في القاهرة، ودرّست الإعلام في الجامعة اللبنانية. وانضمت إلى الرابطة العربية للسينمائيين بالجامعة الأميركية، وشاركت في الشبكة العربية للتعليم المفتوح والتعليم عن بُعد، وركزت على تطوير مناهج تعليمية متخصصة في فنون السينما والتلفزيون، مع التركيز على المونتاج كعنصر أساسي في الإنتاج البصري.
وحصلت الصبان على منحة فولبرايت الأميركية، ما مكّنها من التدريب في أستوديوهات هوليوود في لوس أنجلس، وحضرت محاضرات في كلية الإعلام بجامعة بوسطن، وطورت معرفتها بأحدث تقنيات الإنتاج السينمائي، وعادت إلى مصر لتطبيق خبراتها في التدريس والإنتاج، ودرّست في جامعات مثل جامعة القاهرة، جامعة حلوان، وجامعة مصر الدولية. وأشرفت على رسائل ماجستير وناقشت رسائل دكتوراه، وهذا ساهم في تخريج أجيال من المختصين في السينما، كما شاركت في مونتاج العديد من الأفلام والمسلسلات، مع التركيز على جودة السرد البصري.
ولم يتوقف تأثيرها في حدود التعليم والتدريب بل شاركت في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الدولية، إذ قدمت أوراقًا بحثية في مدن مثل لندن، تونس، الرباط، القاهرة، وبولندا، وتناولت أبحاثها تطور فن المونتاج ودوره في السرد الدرامي، وألفت كتابين رئيسيين هما “فن المونتاج في الدراما التلفزيونية” و”المونتاج الخلاق – دراسة في التطور التاريخي لأبعاد الخلق المونتاجي”. وركزت كتاباتها على تحليل التقنيات والتطورات التاريخية في المونتاج، ما جعلها مراجع أساسية للدارسين، ونشرت أيضًا مقالات ودراسات في مجلات متخصصة.
وحصلت منى الصبان على جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، تقديرًا لمساهماتها في تعليم السينما، وكرّمت أيضًا في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، وتلقت جائزة المرأة المثالية من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وركزت في عملها على نشر الثقافة السينمائية كوسيلة لمحاربة التطرف وتعزيز الوعي الثقافي، ودعمت الشباب العربي من خلال توفير فرص تعليمية مجانية، ما مكّن العديد من الهواة والمحترفين من تطوير مهاراتهم.